محمد القذافي مسعود
يجمع الكثير من الباحثين والمثقفين والأكاديميين اليوم على ضرورة إعادة قراءة النص الديني وما تعلق به من نصوص تراثية بأعين فاحصة تتجاوز القراءات القديمة وتعيد تأويل النص وفق العصر الحالي، فلكل قراءة فهم مرتبط بالزمان والمكان، لذا لم يعد معقولا تبني قراءات سابقة لها خصوصياتها الثقافية والبيئية وتنزيلها بتعسف على العصر الراهن ما يخلق التطرف والنفور. في هذا الحوار مع الباحثة والأكاديمية التونسية زهية جويرو نعود إلى إشكالات العلية العربية والنص الديني الإسلامي.
الباحثة والأكاديمية التونسية زهية جويرو هي أستاذة في الدراسات الإسلامية والحضارية بالجامعة التونسية، كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة، كما تشغل منصب المديرة العامة لمعهد تونس للترجمة، وقد حصلت على التأهيل الجامعي وعلى الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها وحضارتها، لكنها لم تتوقف في جانب التدريس بل اقتحمت عالم البحث والتأليف لتقدم فيه مؤلفات متعددة.
وصدرت لجويرو كتب “القصاص في النصوص المقدسة”، دراسة تاريخية، تونس، دار المعرفة، 2006، “الإسلام الشعبي”، بيروت، دار الطليعة 2007، “الإفتاء بين سياح المذهب وإكراهات التاريخ”، بيروت، دار الطليعة، 2014. “الوأد الجديد، مقالات في الفتوى وفقه النساء”، تونس، مسكيلياني للنشر، 2019.
إضافة إلى أكثر من عشرين مقالا علميا محكما في قضايا التشريع الإسلامي وقضايا النساء في العالم الإسلامي. وهي حاصلة في مناسبتين (2007 و2019) على جائزة الدراسات النسائية من “مركز الدراسات والبحوث والإعلام والتوثيق حول المرأة” وعلى تكريم وزارة المرأة والأسرة بتونس (2018).
العقلية العربية
زهية جويرو: نحن في الحقيقة محتاجون كثيرا إلى إعادة ترتيب علاقتنا بالدين وليس إلى “تفكيك” النص الديني بل إعادة تأويله
العرب: إذا أردنا فهم العقلية التونسية وهي جزء لا يتجزأ من العقلية العربية من أين نبدأ وكيف؟
زهية جويرو: إن العقلية، أو بعبارة أدق الذهنية، بالمفهوم الأنثربولوجي، هي بنية جامعة وقاعدة مشتركة بين أفراد المجموعة الثقافية، تتشكل من جملة الرؤى والمواقف والتصورات ذات المرجعية الثقافية وهي التي تحدد الرؤية إلى العالم والوجود وإلى الذات والآخر، وتتجسد في السلوك وفي العلاقات. والعقلية التونسية، شأن التونسيين في ذلك شأن كل الشعوب، هي نتاج طبقات ثقافية تراكمت عبر التاريخ وتفاعلت مع الأوضاع العامة بكل أبعادها بقدر ما تفاعل هذان المعطيان مع المعطى الشخصي والصفات التي تتسم بها الشخصية القاعدية لكل مجموعة بشرية. وتتسم عموما بجملة من الصفات العامة من بينها في تقديرنا الاعتدال.
فالتونسيون عبر تاريخهم وإلى اليوم ينبذون التطرف بكل اتجاهاته ويحذرون المواقف الحدية والمطلقة ويميلون إلى المواقف المعتدلة والوسطية. وهذا ما نلاحظه عند استقراء أطوار من التاريخ اندفع خلالها التونسيون إلى التعبير بأشكال عملية عن نبذهم لتطرف الحكام عندما يحتد استبدادهم بالنفوذ والسلطة. فقد يتغاضى التونسيون لفترة على حكامهم إذا انحرفوا عن مقتضيات سياسة حسن تدبير الشأن العام وذلك لأنهم يميلون إلى الاستقرار ونبذ ما من شأنه أن يسبب الصراعات والعنف وأن يحول دونهم وطلب المعاش، ولكن في لحظة ما عندما يتحول الانحراف إلى سياسة دائمة مستبدة ظالمة تراهم يثورون ويطيحون بهذا الحاكم ثم سريعا ما يعودون إلى طلب الاستقرار الضروري للمعاش.
من خصائص هذه العقلية كذلك أنها منفتحة وقابلة للتغير بيسر، وقد يكون لهذه الخاصية علاقة بموقع تونس الجغرافي الذي جعل منها ملتقى بين الشمال والجنوب ومحطة لحضارات عديدة ولشعوب متنوعة، فأصول التونسيين جامعة بين البربر والفينيقيين والرومان والوندال والعرب ثم أضيف إليهم في عصور متأخرة المهاجرون الأندلسيون والأتراك والإيطاليون والمالطيون والفرنسيون، وقد تغلبت أخلاقيات العيش المشرك في ترتيب العلاقات بين هؤلاء على مختلف عوامل الفرقة والاختلاف، لكن القابلية للتغير تجعل التونسي أحيانا انفعاليا سريعا ما تتعاوره الانفعالات المتناقضة فقد يتعامل معك بعنف لأبسط الأسباب لكنه سريعا ما يعبر عن ندمه لذلك ويعتذر.
العقلية التونسية تتسم كذلك بمستوى مهم من العقلانية والبراغماتية وحب الحياة فهو، بعبارته، “عياش” يريد أن يتمتع بمباهج الحياة ويبذل ما في وسعه ليحقق ذلك. في فترات الأزمات وانعدام الاستقرار كثيرا ما تطرأ على الشعوب أحوال تؤثر في الذهنية العامة وتحدث تغيرات في السلوك، فالخوف يولد سلوكا عدائيا ووضعيات النقص في أسباب المعاش تولد الطمع واستسهال الفساد وغياب العدالة يدفع إلى الحقد وتردي المستوى التعليمي ونقص فرص التعلم يسبب ظواهر الاعتقاد في الغيبيات والشعوذة. لذلك نقول لا وجود لذهنية مطلقة ونهائية وقارة لا تتبدل ولا تتغير بل نقول إن الذهنيات عامة نسبية ومتغيرة ومتأثرة بطبيعة السياقات العامة التي يعيش فيها الأفراد والشعوب.
العرب: أين يكمن الخلل في عقليتنا العربية أو في ما تراكم فيها عبر سنوات من مناهج تعليمية؟
زهية جويرو: لا شك أن التعليم بمناهجه ومضامينه وأهدافه عامل مؤثر في بناء الذهنيات وفي تحديد طبيعة الوعي، ولكن التعليم ليس العامل الوحيد الفاعل في هذا المجال، فالثقافة بكل مكوناتها، وخاصة الدين والأخلاق، وأنماط العيش والأوضاع العامة الاقتصادية والسياسية، والإعلام والآن وسائل الاتصال والتواصل كلها عوامل فاعلة في بناء الذهنيات. وبما أن هذه العوامل متغيرة ونسبية فأنا لا أؤمن بوجود ذهنية مطلقة وثابتة بالنسبة إلى أي مجموعة بشرية وأرفض النظريات الشمولية وطابع التعميم عند الحديث عن الذهنية العربية.
فضلا عن ذلك لا تكون العلاقة دائما ميكانيكية بين البنى الثقافية وما تروجه الخطابات وتدعو إليه من منظومات قيمية وأخلاقية وسلوكية والسلوك الفعلي الذي يعد نظريا التعبير العملي عن التصورات والمواقف والرؤى التي تنتجها الثقافة، والمثال على ذلك أن الخطاب الذي أنتجته الثقافة العربية بكل تصنيفاتها يعلي من شأن العمل ويمجده ويدعو إليه ولكن نلاحظ في المقابل لدى عموم الشعوب العربية ميلا إلى الكسل والاكتفاء بالجهد الأدنى، وهذا واقع تعكسه نسبة إنتاجية العامل في البلاد العربية وتعد من بين أدنى النسب في العالم، كما تعكسه المفارقة بين وفرة ما تتمتع به العديد من الدول العربية من ثروات طبيعية بينما تظل هذه البلدان مصنفة ضمن الأقل نموا، الذهنية الغالبة عربيا هي أيضا ذهنية محافظة تنفر من التغيير، أو هي بالأحرى تظهر في تعبيراتها الظاهرة محافظة ومتشبثة بالعادات والتقاليد والأعراف.
ولكن يمكن أن نلاحظ سلوكيات مناقضة لذلك كلما وجد الشخص فرصة ملائمة بعيدا عن المراقبة المجتمعية، وهو ما تعكسه على سبيل المثال ظاهرة التحرش الجنسي والكثير من المشكلات ذات الصلة بالعلاقات الجنسية وبالعلاقة بالجسد عموما وهي مشكلات كثيرا ما تتم التغطية عليها وما لا يعترف بها وبمخاطرها. وهذا وجه من وجوه التناقضات التي تسم الذهنية العربية، يتجلى ذلك في تمجيد العمل خطابا والميل إلى الكسل سلوكا، في المحافظة مع الأخت والبنت والزوجة مقابل التظاهر بالتفتح و”الحداثة” في فضاء العمل وفي الفضاء الافتراضي، في التناقض بين التهافت على كل منتجات التقدم التكنولوجي المادية ورفض كل قواعد الحداثة العقلية والفلسفية التي ما كان لذلك التقدم التكنولوجي أن يتحقق دونها أو بعيدا عنها، بين ظاهر يحرص العربي على تجميله ويقتني لذلك آخر ما تنتجه تقليعات الموضة العالمية ذهنية ما تزال غارقة في عالم ما قبل الحداثة، عالم الخرافات والشعوذة والسحر والمبالغة في تصديق كل ما له صلة بالغيبيات وإنكار العلم والمعرفة العقلانية. هذا لا ينفي أن الذهنية العربية توقر القيم وترفع من شأنها وكثيرا ما ينعكس هذا في سلوك يتسم بالشهامة والمروءة والكرم.
النص الديني
العرب: ما حاجتنا إلى تفكيك النص الديني؟
زهية جويرو: نحن في الحقيقة محتاجون كثيرا إلى إعادة ترتيب علاقتنا بالدين وليس إلى”تفكيك” النص الديني في حد ذاته فقط، وإن كنت أفضل عبارة إعادة تأويل النص الديني، وذلك حتى نوجد قاعدة من الانسجام بين متطلبات مجتمعاتنا الراهنة ومقتضيات طموحنا إلى التقدم والقيم والأخلاقية القرآنية.
متطلبات مجتمعاتنا الراهنة هي التأسيس للمواطنة كاملة الحقوق والحريات وللمساواة على قاعدة تلك المواطنة من أجل إطلاق قدرات النساء واستثمارها في البناء الوطني وفي بناء التقدم، نحن في حاجة إلى إقامة الدليل على أنه لا تعارض من حيث المبدأ بين الإيمان الذي هو قناعة شخصية يحق للفرد أن يمارسها ويعبر عنها في سياق يحترم حرية المعتقد وحرية الضمير وبين العلم والمعرفة العقلية ومنتجاتهما، نحن في حاجة إلى البرهنة على أن الدين لا يعارض إقامة دولة حديثة تحترم مواطنيها وتسوي بينهم في القانون وأمام القانون ونظام ديمقراطي تتجسد فيه الإرادة الشعبية، نحن في حاجة إلى الاقتناع بين القيم الإنسانية العليا جامع مشترك بين الأديان وضمنها الإسلام ومنظومة القيم التي أرستها ثقافة الحقوق والحريات في أرقى تعبيراتها الإنسانية اليوم. لهذه الأسباب وخدمة لهذه المطالب نحتاج إلى إعادة قراءة النص الديني وتأويله في أفق إنساني منفتح وحديث يستفيد من مكتسبات الإنسان المعرفية.
العرب: من يصنع التوابث؟ ومن يحافظ على استمرارها؟
زهية جويرو: لكل منظومة ثقافية ثوابتها، الثوابت تتشكل على المدى الطويل لتمثل إطارا مرجعيا جامعا، وكل الشعوب تعمل لضمان استمرارية ثوابتها وطالما ظلت هذه الثوابت قادرة على الاستجابة لمتطلبات الجماعة وضامنة لوحدتها وانسجامها فإنها تستمر ولكنها عندما تصبح عائقا أمام التقدم وتتحول إلى عائق لحركة التاريخ والمجتمعات تصبح مصدر إشكاليات يجب العمل على حلها.
العرب: في عرض صحافي لكتابك “الوأد الجديد” نقرأ “تعيد الباحثة صياغة إحدى الطروحات النقدية الكلاسيكية في التأويل الإسلامي، وهي عدم قدرة الفقيه أو المفسر على فهم القرآن إلا ضمن مجتمعه، وضمن حدود معارفه وآفاقه الذهنية”، هذا يعني أنك غير مقتنعة بالنص القرآني؟
زهية جويرو: اسمح لي بالقول أولا أن سؤالك قائم على مغالطة، فأن أعتبر أن الفقيه أو المفسر لا يمكنه أن يفهم القرآن إلا ضمن ملابسات مجتمعه وتحت وطأة ظروفه وضمن حدود معارفه، إنما هو اعتبار مبني على قاعدة منهجية ومعرفية مفادها أنه يستحيل إنتاج خطاب أيا كان نوعه ومضمونه إلا في علاقة بالسياق المجتمعي الذي ينتج فيه ذلك الخطاب وتحت تأثيره وفي الحدود التي تسمح بها معارف منتج ذلك الخطاب وهذه القاعدة تنطبق على الخطاب الفقهي والخطاب التفسيري للنص القرآني، فما علاقة هذا بالموقف من النص القرآني؟
النص القرآني، وبصرف النظر عن مصدره المتعالي باعتباره وحيا بالنسبة إلى المؤمنين به، هو من النصوص اللغوية الكبرى التي ظلت على مر تاريخها قادرة على أن تنتج نصوصا أخرى لا حد لها، لذلك لم يتوقف النشاط التفسيري والتأويلي حول هذا النص منذ ظهوره إلى اليوم، وهو كذلك من النصوص التي ظل الإنسان يسائلها على مر تاريخها ويبحث فيها الإنسان عن أجوبة لأسئلته ويجد دائما الأجوبة المطلوبة، وأنا من الذين يطالبون بتجديد أدواتنا ومنهجياتنا في قراءة هذا النص وتأويله حتى نستطيع أن نجيب على الأسئلة التي يطرحها علينا عصرنا وحتى نصوغ نحن أجوبتنا المستجيبة لمتطلباتنا ولتطلعاتنا ولا نقتصر على تكرار أسئلة أسلافنا ولا على الأخذ بما صاغوه من أجوبة لم تعد تخدم تطلعاتنا.
وعندما أقول إن الأجوبة التي صاغها أسلافنا من الفقهاء لم تعد متناسبة مع الأجوبة التي يقتضيها عصرنا والتي تتطلع إليها مجتمعاتنا فهذا لا يعني أن ذلك التراث الفقهي لا قيمة له، بل يعني أن قيمته هي وليدة عصره ومقتصرة عليه، كما أنه لا يعني بالمرة أني لست مقتنعة بالقرآن كما تقول، لذلك أرجو التفكير مرات وبترو قبل المسارعة بإطلاق أحكام لا تختلف كثيرا عن التهم التي يسارع بها أولئك الذين ينصبون أنفسهم حراسا للشريعة.
إعادة تأويل
العرب: وكأني بك في هذا الكتاب “الوأد الجديد” تحرضين النساء على التمرد أو إطلاق صرخات الاحتجاج من أجل المساواة في الميراث؟
زهية جويرو: أحرض النساء على إدراك حقيقة أن الله العادل لا يمكن أن يشرع للظلم مهما كان شكله، أحرضهن على الوعي بأن الله الذي خلقنا جميعا من ذكر وأنثى وسوى بيننا في الخلق من نفس واحدة لا يحق لأي أحد أن يشرع باسمه لأي شكل من أشكال التمييز والدونية، العدالة والإنسانية في المساواة في الحقوق واحترام الكرامة الإنسانية للنساء ما هي إلا تعبيرات عن تلك العدالة الإلهية فبأي منطق يطلب من النساء الرضا بالدونية التي تفرضها ذهنية ذكورية استأثرت لزمن طويل بتأويل القرآن وفسرته ضمن حدودها واستخلصت منه الأحكام التي تخدم مصلحتها؟ أليس من حق النساء اليوم وقد اكتسبن من الوعي ومن المعارف ما يخول لهن إعادة تأويل القرآن بما ينسجم مع تطلعاتهن إلى العدالة والمساواة أن يعبرن عن فهمهن هذا وأن يدافعن عن حقوقهن؟
كل الشعوب تعمل لضمان استمرارية ثوابتها
العرب: التأويل البشري ما مدى تأثيره في عرض النص وإيصاله إلى المتلقي؟
زهية جويرو: لقد ظل المسلمون لزمن طويل يتلقون القرآن الكريم ويفهمونه من خلال تفاسير فئة قليلة كانت تستأثر بالمعرفة الدينية لأسباب موضوعية منها أن المعرفة في حد ذاتها كانت نخبوية، اليوم صارت المعرفة أمرا مشاعا وصار من حق كل مسلم، بل من واجبه في رأيي أن يعود بنفسه إلى القرآن وأن يقرأه بعقله هو وأن يتفاعل معه بضميره هو، الغالب اليوم أن المسلم يتلو القرآن لغايات تعبدية وقد آن الأوان ليقرأه ويتفهمه ويتأمل معانيه ودلالاته وأن يتمثل في سلوكه وفي علاقاته بغيره قيم القرآن وأخلاقياته العميقة والإنسانية.
العرب: في رأيك ما الذي نحتاج إليه أكثر من غيره حاليا.. إعادة قراءة النص الديني والتراثي أو نقده؟
زهية جويرو: أولا أنا أميز تمييزا واضحا بين النص الديني، وهي عبارة مخصوصة بالقرآن أساسا، والنص التراثي، وهذا النص التراثي يظل في طبيعته وفي حقيقته نصا بشريا حتى وإن كان تفسيرا للقرآن وتأويلا له واستنباطا منه، ولا شيء في تقديري يمنع من نقد هذا النص التراثي ومن إظهار أعطابه ومن كشف نقائصه وهفواته إن وجدت شأنه في ذلك شأن أي نص بشري لمعالجة التطرف الديني ولنأخذ تونس كمثال؟
معالجة التطرف الديني تبدأ من العائلة بتنشئة أبنائها على القيم الدينية الإنسانية، قيم الاعتدال والتسامح وقبول الاختلاف وعلى أخلاقية القرآن المتحررة من كل أشكال التوظيف السياسي والأيديولوجي، فهذه التنشئة هي التي تمنح الأبناء حصانة تحميهم من أن تلتهمهم الخطابات الدينية المتطرفة والمؤدلجة التي تشيعها الجماعات المتطرفة، ثم تتواصل هذه المهمة مع المدرسة حيث يجب التفكير بجدية في تجديد التعليم الديني وفي إدراج علم الأديان ضمن المقررات المدرسية بدل مناهج التربية الدينية المعمول بها حاليا والتي تعيد إنتاج خطاب يصنع أرضية ملائمة للتطرف.
إن معالجة التطرف مسؤولية عائلية ومجتمعية ورسمية تفرض على الدول أن تصوغ إستراتيجية واضحة مبنية على أسس علمية وأن تتصدى للخطابات السياسية والجماعات من أحزاب وجمعيات وغيرها التي توظف الدين لخدمة برامجها السياسية حتى يكون للفصل بين السياسي والديني معنى وجدوى في مقاومة التطرف الديني، كما تفرض على المؤسسة الدينية الانخراط في هذه الإستراتيجية وحماية المساجد من الخطابات المتطرفة والعنيفة وإعداد الخطباء والأيمة والدعاة ليكونوا خطا عازلا دون التطرف الديني العنيف.
نقلاً عن العرب اللندنية