كتب – د. محمد علي السقاف
منذ تولي الرئيس بايدن رئاسة امريكا في 2021 ابدي اهتمامه بالملف اليمني . في أول حديث له عن توجهاته في السياسة الخارجية من مقر وزارة الخارجية في يوم 4 فبراير ( شباط ) عام 2021 . واتخذت الادارة الجديدة قرارين احدهما سلبي وآخر ايجابي . القرار السلبي تمثل بإلغاء مشروع القرار الذي تقدمت به إدارة الرئيس دونالد ترمب بشأن ادراج جماعة الحوثي علي قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية . اما القرار الإيجابي أصدره وزير الخارجية بلينكن بتعيين مبعوثاً أميركياً خاصاً لليمن في شخص السيد تيم ليندر كينج ، الذي يتمتع بخبرة طويلة في المنطقة واعتبر من قبل المراقبين مؤشراً قوياً لاهتمام الإدارة الجديدة بالأزمة اليمنية .
في قمم جدة تم تغييب مشاركة الجانب اليمني اثناء لقاء القمة بين جو بايدن بقادة دول مجلس التعاون الخليجي وقادة مصر والعراق والاردن ، وكذلك علي مستوي اللقاءات الثنائية التي عقدها بايدن مع بعض القادة العرب . وتعويضاً عن ذلك أجتمع وزير خارجية الولايات المتحدة انتوني بلينكن في 16 يوليو / تموز برئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي في جدة وناقش الوزير بلينكن والرئيس العليمي وفق نشرة وزارة الخارجية الامريكية “ أهمية تمديد الهدنة التي تقودها الأمم المتحدة لتخفيف معاناة اليمنيين ومتابعة اتخاذ الحوثيين اجراءات هادفة لتحسين الوصول إلي تعز . واشارت النشرة ان الوزير بلينكن سلط الضوء علي فرصة ان تسفر الهدنة عن وقف دائم لإطلاق النار علي الصعيد الوطني وتطلق عملية سياسية شاملة وكاملة برعاية الأمم المتحدة ، مشيراً إلي ان الإتفاق السياسي بين الأطراف اليمنية .. قادر علي تحقيق السلام الحقيقي والازدهار الدائم في البلاد مجدداً دعم الولايات المتحدة الكامل لمجلس القيادة الرئاسي ومبادراته الرامية إلي تحسين الخدمات وحياة اليمنيين اليومية .
واذا كان مفهوماً وربما القول من الطبيعي ان لا يلتقي الرئيس بايدن برئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي لان اليمن ليست عضواً في مجلس التعاون الخليجي حتي تشارك في مؤتمر القمة في حين كان مع ذلك بالإمكان في اطار اللقاءات الثنائية ان يجتمع بايدن بالسيد رشاد العليمي الذي تفاءل بعض اليمنيين حين ربطوا سفره من عدن العاصمة المؤقتة الي جدة بانه ربما وجهت له دعوة للقاء الرئيس الامريكي وادي عدم اللقاء بينهما الي خيبة أمل في الشارع اليمني ومادة استهجان من قبل جماعة أنصار الله الحوثيين . هل يمكن القول بكل بساطة ان أسباب أخري حالت دون عقد اللقاء ، منها ان اهداف زيارة بايدن الي المنطقة وهي الاولي من نوعها كرئيس للولايات المتحدة لا ترتبط الأزمة اليمنية باجندته لمواضيع الساعة ! ربما كان ذلك محتملاً ولكن هذا التفسير غير دقيق ولا واقعي . والسؤال لماذا هذا التفسير يبدو غير واقعي ؟ صحيح ان احد أولويات واهداف زيارة بايدن تمثلت في حل أزمة الطاقة بسبب تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية ، اضافة الي اهتمام دول المنطقة والولايات المتحدة بأمن واستقرار وسلامة الممرات المائية الدولية
صحيح اليمن لا تمتلك من النفط والغاز الا كميات متواضعة حسب ما هو معلن وذلك مقارنة بدول مثل المملكة العربية السعودية ، والعراق والامارات العربية المتحدة وقطر .
ولكن جغرافية اليمن وموقعها الجيو استراتيجي من باب المندب الي خليج عدن والمحيط الهندي يمثل خطورة بالغة علي المصالح الامريكية والمجتمع الدولي ، اذا وقع تحت هيمنة وكلاء ايران في المنطقة مما سيجعل إيران تعزز سيطرتها في آن واحد علي مضيق هرمز وباب المندب ، أضف الي ذلك موقع اليمن في محاذات أكبر مخزون للنفط للدول العربية وعلي رأسها أهم احتياطي للنفط العالمي الذي تمتلكه المملكة العربية السعودية وهي الدولة الحليفة الرئيسية في المنطقة منذ أمد بعيد لعدة عقود ولذلك كان اهتمام أميريكا بالحفاظ علي مناطق نفوذها التقليدية في العالم ومنها منطقة الخليج واليمن وذلك لمواجهة القوة الدولية الصاعدة مثل الصين .
واشار البيان المشترك بعد قمة الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الي هذا الجانب الحيو استراتيجي في الفقرة السابعة من البيان “ بتاكيد القادة التزامهم المشترك بالحفاظ علي الأمن والاستقرار الإقليمين ..وضمان حرية الملاحة عبر الممرات المائية وأمنها ورحب قادة مجلس التعاون الخليجي بتاكيد الرئيس بايدن علي التزام الولايات المتحدة شراكتها الاستراتيجية مع دول المجلس واستعدادها للعمل بشكل مشترك مع شركائها في المجلس لردع كافة التهديدات الخارجية لأمنهم والتهديدات للممرات المائية الحيوية ، وبخاصة مضيق هرمز وباب المندب .
وقد أفرد البيان المشترك بين السعودية والولايات المتحدة حيزا اكبر واهتماماً أوسع بالشأن اليمني بتأكيد دعمهما الثابت للهدنة في اليمن وشددا علي اهمية استمرارها وإحراز تقدم لتحويلها الي اتفاق سلام دائم . وأعرب الرئيس بايدن عن تقديره لدور القيادة السعودية في تحقيق الهدنة وتجديدها ، داعين المجتمع الدولي لاتخاذ موقف موحد يطالب الحوثيين بالعودة الي محادثات السلام تحت رعاية الأمم المتحدة ، بناءً علي المرجعيات الثلاث بما في ذلك قرار مجلس الأمن 2216 الصادر في عام 2015 ، حيث أن الاتفاق السياسي بين الأطراف اليمنية هو الكفيل بحل النزاع بشكل دائم وعكس مسار الأزمة الانسانية البالغة .
واشار البيان قبل هذه الفقرة المتعلقة بالشأن اليمني الي تأكيد الرئيس بايدن علي “ التزام الولايات المتحدة القوي والدائم بدعم أمن المملكة العربية السعودية والدفاع عن أراضيها ، وتسهيل قدرة المملكة علي الحصول علي جميع الإمكانات اللازمة للدفاع عن شعبها وأراضيها ضد التهديدات الخارجية . وشدد الجانبان علي ضرورة ردع التدخلات الايرانية في الشئون الداخلية للدول ، ودعمها للإرهاب من خلال المجموعات المسلحة التابعة لها لزعزعة أمن واستقرار المنطقة ، مؤكدين علي أهمية منع إيران من الحصول علي سلاح نووي .
وتم أشارة الي المسألة اليمنية من خلال اهمية الحفاظ علي الممرات البحرية الدولية ولاسيما باب المندب ومضيق هرمز ورحب البيان “بقوة المهام المشتركة 153 المنشأة حديثاً للتركيز علي أمن مضيق باب المندب في البحر الأحمر ، وزيادة ردع التهريب غير الشرعي إلي اليمن . كما رحب الجانبان بتولي المملكة قيادة قوة المهام المشتركة 150 التي تعزز أهداف الأمن الملاحي المشترك في خليج عمان وشمال بحر العرب .
هذه الفقرات الهامة جداً التي اوردناها وتشكل مفارقة كبري مقارنة بالمواقف الأمريكية السابقة إزاء السعودية والازمة اليمنية ان دل علي شيء وانما يدل علي ان نتيجة صلابة الموقف السعودي أعطت ثمارها في التخاطب الند بالند وادراكها هي وبقية الأطراف العربية المشاركة في قمم جدة ان هذا التطور الايجابي في الموقف الأمريكي ازاء المنطقة اما بسبب تبعات الأزمة الأوكرانية تطوي صفحاته بانتهاء الأزمة واما استشعار امريكي بالخطأ الجسيم الذي ارتكبته بتأكيد الرئيس بايدن نفسه بانهم لن يتخلو عن الشرق الأوسط ولن نترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو ايران . المهم ألان وفاء جميع الأطراف لالتزاماتها التي توافقوا عليها في قمم جدة والعمل حثيثاً لانهاء الأزمة اليمنية لانها جزءاً لا يتجزء من الامن القومي العربي وتمثل خطراً علي الأمن والسلم الدوليين