كريتر نت – العرب
اعتبرت أوساط سياسية تونسية التصريحات الأميركية بشأن تونس بأنها تأكيد جديد على عجز الولايات المتحدة عن فهم الوضع في شمال أفريقيا عامة، وفي تونس بصفة خاصة، معتبرة أن هذه التصريحات زادت من التفاف التونسيين حول الرئيس قيس سعيد والإجراءات التي اتخذها منذ عام وكان آخرها الاستفتاء الذي قاد إلى تبنّي دستور جديد.
وقالت هذه الأوساط إن ثقافة الاستعلاء الأميركية لا تتماشى مع تونس وخاصة مع الرئيس قيس سعيد الذي باتت له حساسية خاصة من التدخلات الخارجية التي تحاول التأثير بشكل أو بآخر على خيارات الشعب التونسي، معتبرة أن سعيد يستمد قوّته من شعبيته ومن غضب التونسيين على الأحزاب السابقة التي كانت قد فتحت الأبواب أمام التأثير الخارجي على الوضع في تونس.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن هدوء عنجهية التعامل مع المنطقة في دول الخليج لا يغير من استمرار الولايات المتحدة في ممارسة الاستعلاء في شمال أفريقيا دون معرفة بخصوصيات المنطقة وثقافة شعوبها التي ترفض الإملاءات الخارجية.
وفي مقابل الارتباك الأميركي في التعامل مع ما يجري في شمال أفريقيا خاصة في ليبيا وتونس، يبدي الأوروبيون هدوءا أكبر في التعامل ويسعون لبناء علاقات ثنائية على قاعدة المصالح مع تفهم خصوصيات كل بلد وخياراته السياسية خاصة حين تكون هذه الخيارات قد تم إقرارها بعد اللجوء إلى الشارع مثلما هو الحال مع الاستفتاء بشأن الدستور، وقد أفضى إلى نسبة مشاركة معقولة، فضلا عن أغلبية لدى الناخبين المشاركين.
واستدعت الخارجية التونسية الجمعة القائمة بالأعمال الأميركية من أجل التنديد بـ”التدخل” وبالتصريحات “غير المقبولة” لمسؤولين أميركيين انتقدوا هذا الأسبوع الاستفتاء على الدستور الذي أجري الاثنين والمسار السياسي في تونس.
واضطرت ناتاشا فرانشيسكي بصفتها المسؤولة الرئيسية في سفارة بلادها، للتوجه إلى مقر وزارة الخارجية “على إثر البيان الصحافي الصادر عن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بشأن المسار السياسي في تونس وأيضا التصريحات – غير المقبولة – التي أدلى بها السفير المعين ببلادنا” جوي هود.
وعبّر الوزير عثمان الجرندي في البيان عن “استغراب تونس الشديد من هذه التصريحات والبيانات التي لا تعكس إطلاقا حقيقة الوضع في تونس”.
وأضاف الجرندي أن “هذا الموقف الأميركي لا يعكس بأيّ شكل من الأشكال روابط الصداقة التي تجمع البلدين وعلاقات الاحترام المتبادل بينهما وهو تدخل غير مقبول في الشأن الداخلي الوطني”.
وقبل ذلك بساعات، التقى الجرندي الرئيس قيس سعيد الذي عبر له عن “رفضه لأيّ شكل من أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد”، مؤكدا أن سيادة تونس واستقلالها فوق كل شيء.
وأكد قيس سعيد في لقاء مع وزير خارجيته على “استقلال القرار الوطني ورفضه لأيّ شكل من أشكال التدخل في الشأن الوطني”.
وأضاف في بيان على صفحة الرئاسة على فيسبوك أن “لا صوت يعلو في بلادنا فوق صوت الشعب”.
وكان قيس سعيد يشير إلى سلسلة تصريحات، صدرت خصوصا عن الولايات المتحدة، تنتقد العملية التي أدت إلى استفتاء على دستور جديد تمت الموافقة عليه الاثنين من جانب ما يقرب من 95 في المئة من الناخبين ولكن بنسبة مشاركة ضعيفة بلغت 30.5 في المئة.
والثلاثاء عبّر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس عن “مخاوف” أميركية من أن يتضمن “الدستور الجديد ضوابط وتوازنات ضعيفة قد تقوّض حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية” في البلاد.
والأربعاء أعرب جوي هود الذي اختير سفيرا في تونس ويتوجّب أن تتم الموافقة على تسميته، عن أسفه أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي حيال “تآكل مقلق للمعايير الديمقراطية والحريات الأساسية خلال العام الماضي” في تونس. وقال إن “أفعال الرئيس قيس سعيّد خلال العام الماضي لتعليق الحكم الديمقراطي وتعزيز السلطة التنفيذية قد أثارت تساؤلات جدية”.
والخميس أثار تصريح جديد لوزير الخارجية بلينكن غضب السلطات التونسية، إذ قال على حسابه في تويتر إنه يدعم “بقوة التطلعات الديمقراطية للشعب التونسي”، مؤكدا أن “عملية إصلاح شاملة وشفافة ضرورية لاستعادة ثقة ملايين التونسيين، أكانوا ممن لم يشاركوا في الاستفتاء أم من الذين عارضوا الدستور الجديد”.
وتساءل مراقبون تونسيون ما معنى أن ترسل واشنطن سفيرا إلى تونس يستبق وصوله بتصريحات عدائية، هل الأمر يحمل إشارة إلى التعاون والحوار أم هو مؤشر إلى التصعيد خاصة حين يناقش قضايا مرتبطة بالسيادة الوطنية.
وقال الاتحاد الأوروبي، الأربعاء، إن إجماعا واسعا بين القوى السياسية بما يشمل الأحزاب والمجتمع المدني ضروري للحفاظ على الديمقراطية. لكن التكتل لم يعبّر بشكل مباشر عن أيّ مخاوف تتعلق بالدستور الجديد ولا بكيفية إقراره.
وقالت بريطانيا إنها رصدت المخاوف وإنها “رصدت أيضا النسبة المنخفضة للمشاركة والمخاوف المتعلقة بالافتقار لعملية شاملة وشفافة”.
وأعرب المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشّغل، السبت، عن رفضه المطلق للتدخّل الأجنبي في الشؤون الدّاخلية لتونس، مدينا بشدّة التصريحات المتكرّرة للمسؤولين الأجانب عن الوضع في تونس.
ولفت الاتحاد، في بيان له، إلى أنه تكرّرت منذ مدّة تصريحات وزراء خارجية وسفراء أميركا وبعض الدول الأوروبية حول الوضع في تونس لإلقاء الدروس حول الديمقراطية، وبلغت حدّ التهديد والوعيد، وكان آخرها تصريحي وزير خارجية أميركا وسفيرها المرتقب في تونس اللذين ”جسّما التدخّل السافر في الشأن الداخلي التونسي واستبطنا عقليّة استعمارية مكشوفة”.