كتب – صالح عبد الله مثنى
رحل عنا الاخ الاكبر المناضل محمد علي الجعدي بعد حياة حافلة بالعطاء والتضحية ، شارك فيها بفعالية في اطارمناضلي الصفوف الأولى لثورة ١٤ اكتوبر ١٩٦٣ م الخالدة ، والذين حققوا الحرية لشعب الجنوب ، وانتزعو استقلاله الوطني ، وبنوا دولته المجيدة ودافعوا عن سيادته وكرامته الوطنية ، وكانوا يحلمون ويعملون لبناء تنمية شاملة وناهضة ، تؤمن لكل المواطنين حياة آمنة ومزدهرة ، كان القادة فيصل عبد اللطيف الشعبي وسيف الضالعي يتحدثون عن استثمار الموقع الجيو استرتيجي لبلدنا في قلب العالم وتطوير ميناء عدن والاراضي المحيطة به كمنطقة حرة واسعة ، وهما اللذان كانا يشغلان وزارتي الاقتصاد والخارجية ، كانا يقولان انها ستستوعب كل شباب الوطن وغيرهم من العمالة الماهرة من الخارج ، بيد ان الخلافات الداخلية التي صعدتها الدسائس والتدخلات الخارجيه الى مواجهات دامية محزنه حالت دون ذلك .
كان المناضل محمد علي الجعدي يتميز بالذكاء والصلابة والمهارات القياديه ، انخرط في العمل الوطني منذ بداياته الاولى ، وفي التحضير للثورة ، ذكر لي الاخ المناضل محمد مثنى ناصر انه ذهب مع اخيه المناضل الفقيد علي مثنى ليلتقيا بالاخ الجعدي حين كان الاخ القائد علي عنتر يؤمن نقل الاسلحة لجيش التحرير بجبهة ردفان في العام ١٩٦٣ م قبل اندلاع الكفاح المسلح في الضالع في يوليو ١٩٦٤م ، قال لهم الاخ محمد للتمويه على العمليه اذهبا لزيارةالامير شعفل وخذا له رأس غنم جدي كبير وقات مليح ، واسمروا هناك في ديوان داره بدار الحيد مع بقية الزوار الذين يذهبون للمقيل عنده في تلك الامسيات من شهر رمضان ، حتى اذا وشى احداً بان منزلكم هو نقطة تجميع ونقل الاسلحة الى ردفان سيشكك في ذلك ، فحضوركم لزيارته يشكل موقف ودي وتعبير عن ولاء يستبعد الاشتباه .
وفي الاساس كان دور المناضل محمد علي الجعدي محدد في الجانب التنظيمي والسياسي المكرس لاستقطاب الكثير من رجال وشباب الوطن ، وتعبئتهم بالقيم الثورية والوطنية والانسانية ،وبروح التضحية من اجل تحقيق اهداف الثورة ومبادئها في الحرية والعدالة والمساواة والتقدم والتعايش والسلام ، وتأهيلهم لنشر تلك القيم والثقافة داخل المجتمع لكسب تأييده للثورة ودعمها . وفي الواقع لعبت تلك المشاركة ادواراً رئيسية وحاسمة في التحضير للثورة واستمرارها وانتصارها ، وفي التصدي لكل التحديات والصعوبات التي واجهتها ، فحين اوقفت القيادة المصرية دعمها المادي واللوجستي للجبهة القومية لرفضها الاندماج في اطار جبهة التحرير لخشيتها من احتواء الثورة من الداخل بعد انظمام وزراء حكومة الاتحاد وبعض السلاطين الى صفوفها .
اعتمدت الجبهة القومية استراتيجية الاعتماد على الشعب في مواجهت ذلك التحدي ، ولتعويض انخفاظ العمليات العسكرية في البداية بحكم ايقاف الدعم العسكري من قبل القيادة العربية التي كانت تعني القيادة المصرية اسندت قيادة الثورة للعمل التنظيمي والسياسي تحقيق المهام التالية :
– توسيع العمل التنظيمي بين مختلف فئات المجتمع في الريف والمدينة ، وتركيز وتعزيز جهودها لبناء منظمات ثورية في المجتمع المدني كالنقابات العمالية واتحادات الطلاب وجمعيات المرأة والنوادي الرياضية وتجمعات المثقفين والحقوقيين ، والجمعيات الخيرية لمختلف مناطق البلاد ، وحولتها الى بؤر ثورية نشطة .
– تحريك تلك الفعاليات لتنظيم المضاهرات والاضرابات بين الحين والاخر ، حتى بدى ان الشعب كله يشارك بالثورة ، اضطرت معها الامم المتحدة الى ارسال بعثات ومندوبين لتقصي الحقائق ، فخرج الشعب كله لاستقبالها والمطالبة برحيل الاستعمار ونيل الحرية والاستقلال .
– تأطير الشباب للمشاركة في العمليات الثورية ضد قوات الاحتلال .
– جمع التبرعات لدفع مرتبات جيش التحرير .
– التواصل مع المنتسبين الى صفوف قوات الجيش والشرطة والعمل لتوسيع انتشار منضمات الجبهة القومية داخل معسكراتهم والحصول منهم على الذخائر المختلفة ، اذكر على سبيل المثال عندما كان يأتينا الى جبل جحاف الاخ المناضل صالح محسن الشيمة الذي كان ضابطاً في الارم بوليس بعدن ،حينها كنت مدرساً هناك ، كانت له صلات بالضباط في سرية الجيش المتمركزة راس نقيل وطريق جحاف في التلة المواجهة لقرية قرنه ، كان يدعوني للخروج معه ليلاً لحمل قذائف التوهنش منهم واخفائها حتى يتم نقلها لجيش التحرير .
لانجاز كل تلك المهام والعمليات والاتصالات كان الفقيد محمد علي الجعدي يمارس دوراً قيادياً نشطاً وفعالاً ، وصل معها النضال بجبهة الضالع الى ذروته بتوالي تسيير المضاهرات حتى نضجت الضروف لاعلان العصيان المدني وتشكيل اللجان الشعبيه والتحضير للانتفاضة الكبرى لاسقاط منطقة الضالع في ٢١ يونيو لتكون اول مناطق الجنوب يتم تحريرها من الاستعمار ، ويتم الانطلاق منها للمشاركة في اسقاط مشيخات وسلطنات خله والشعيب والعلوي والحواشب ولحج حتى دعم الفدائيين بتحرير عدن ورحيل قوات الاحتلال وانتزاع الاستقلال الوطني المجيد في ال٣٠ من نوفمبر من العام ١٩٦٧ م .
اهتمت القيادة باستمرار ادارة المنطقة من اول يوم للاستقلال ، واكتفت بتعيين الاخ القائد علي شايع مديراً للمديريه , والوالد علي محمد ناجي حاكماً في مقام القاضي ، وكان قبلها قد عين رئيسا للجنة الشعبية العليا لادارة المنطقة عند اعلان العصيان المدني ، ببنما جرى المحافظة على كل كوادر وموظفي الادارة السابقة ، وفي تلك العملية لعب الاخ محمد علي الجعدي دوراً اساسيا لانجاحها ، في الوقت الذي اكتفى فيه البقاء على وضعه السابق في الادارة المالية وتحمل مسؤليتها ، ومعاً تزاملنا في اطار القيادة المحلية لتنظيم الجبهة القومية ، التي حرصت على ممارسة رقابة حازمة على مختلف ادارات المديريه ، وبين الحين والأخر كنا نستدعي للمسائلة اي مدير يبلغنا اعضاء التنظيم او المواطنين عن تقصيره في تأدية واجباته اويؤخر معالجة قضايا المواطنين المنضورة امامه او تقع تحت مسؤلياته ، ذلك باعتبار التنظيم كان يعتبر الحزب القائد للدولة كلها .
في تجربة الثورة والدولة الجنوبية وسيرة مناضليها وبُناتها دروس حيوية كثيرة ينبغي الاستفادة منها اليوم ، والمسؤلية تقع على عاتق المجلس الانتقالي والتنظيمات الحليفة له ، لتفادي استمرار الاخطاء والانحرافات لبعض منتسبيها ، وضمن ذلك بناء الأداة التنظبمة ، واعلاء مكانة القيم الثورية والوطنية والانسانية ، وتثقيف كوادر ها ومنتسبيها بها ، والمحاسبة على مرتكبي اخطائها ، وبناء نقابات ومنضمات مجتمع مدني ثوريه لمكافحة الفساد والتخريب ، وابعاد الفاشلين والفاسدين من ادارة مرافق الدولة ومؤسساتها الانتاجية والخدمية ، واعتماد استراتيجية النضال من داخل السلطة وخارجها للضغط على الاجهزة الحكومية لتأدية واجباتها بنزاهة وشرف ، والوقوف الى جانب الشعب بحل قضاياه الاجتماعية ونيل اهدافه الوطنية الكاملة.
لقد فقد الوطن برحيل الاخ محمد علي الجعدي مناضلاً صلباً ووطنياً وفياً ، والى ابنه عبد الفتاح محمد علي الجعدي وكل اخوانه واسرته وكافة ال الجعدي ورفاقه ومحبيه اسجل اخلص التعازي ، ومشاطرتنا احزانهم ، ودعواتنا لهم بالصبر وللفقيد المجد والخلود .
قبل اسابيع كنت قد بعثت له رسالة طويلة كتحية اجلال واكبار لدوره الوطني الكبير ، على أمل ان بتمكن من فرائتها قبل الرحيل ، وليعرف ان دوره الوطني البارز لن ينسى ، واننا سنسجل لأبنائه وللاجيال القادمة وللتاريخ مآثره النضاليه في سبيل حرية شعبه ووطنه ، واليوم هانحن نودعه فعلاً ، فقد رحل عنا ولكنه سيبقى خالداً بسيرته الكفاحية الى الابد .