كريتر نت – العرب
في وقت يركز فيه الأوروبيون على روسيا كخصم مباشر يمكن أن يهدد أمنهم واستقرار وحدتهم الاقتصادية، تتجه الولايات المتحدة إلى وجهة أبعد هي الصين التي يعتبرها الكثير من الأميركيين عدوا استراتيجيا رئيسيا فيما روسيا لا تعدو أن تكون عدوا ثانويا.
ويرى إلبريدج كولبي النائب السابق لوزير الدفاع الأميركي لشؤون الاستراتيجية وتطوير القوات أنه يتعين أن تركز السياسة الخارجية الأميركية بسرعة بعد الحرب الروسية – الأوكرانية، وحتى خلالها على المنطقة الأكثر حسما في العالم وهي آسيا.
وقال إن ذلك سوف يتطلب أن تعطي السياسة الخارجية والعسكرية الأميركية الأولوية في واقع الأمر لآسيا سواء بالنسبة إلى الاستثمارات العسكرية وتخصيص رأس المال السياسي والموارد، أو بالنسبة إلى اهتمام القادة الأميركيين.
وأكد كولبي في تقرير نشرته مجلة ناشيونال أنتريست الأميركية أن الغزو الروسي لأوكرانيا لم يغير الكثير، وعلى إدارة جو بايدن ألا تنسى مجموعة من الحقائق: وهي أن آسيا هي أكبر منطقة أسواق في العالم، وأن حصتها العالمية تتنامى.
لماذا تضاعف أميركا جهودها في أوروبا بينما هناك خطر أقل من جانب روسيا فيما يزداد الخطر في آسيا؟
وفي منتصف آسيا، تقع الصين، التي تعتبر القوة العالمية الثانية إلى جانب الولايات المتحدة. وأصبح سلوكها أكثر عدائية بصورة متزايدة ويبدو أنه يستهدف ترسيخ هيمنة بكين على آسيا. وإذا ما حققت بكين هذا الهدف، فإن التداعيات التي سوف يسفر عنها بالنسبة إلى حياة الأميركيين ستكون سيئة للغاية.
ويقول كولبي إنه لذلك يجب أن يكون منع الصين من ترسيخ هذه الهيمنة على آسيا هو الأولوية بالنسبة إلى السياسية الخارجية الأميركية، حتى في وجه ما يحدث في أوروبا.
والحقيقة الواضحة هي أن آسيا أكثر أهمية من أوروبا، والصين تمثل تهديدا أكبر بكثير من روسيا. وبالمقارنة، يبلغ اقتصاد الصين حوالي ضعف اقتصاد أوروبا اليوم، وفي غضون عشرين عاما من المرجح أن يبلغ أضعافا مضاعفة. وفي الوقت نفسه، يعتبر إجمالي الناتج المحلي في الصين أكبر بكثير من مثيله في روسيا.
وتقوم الصين ببناء جيش من الواضح أن مهمته لا تقتصر على الدفاع عن أراضي بلاده. لكنه في الحقيقة سوف يكون قادرا على تمكينها من تحقيق أهداف أكبر وأكثر طموحا من خلال التهام تايوان، لكن لن ينتهي الأمر عند هذا الحد. وأعلنت بكين مرارا وتكرارا وسط الضجة حول الحرب في أوكرانيا، أنها سوف تزيد إنفاقها العسكري بنسبة 7 في المئة هذا العام.
من ناحية أخرى، أهملت الولايات المتحدة وضعها العسكري في آسيا، بينما يتخاذل الكثير من حلفائها مثل اليابان وتايوان في الحفاظ على دفاعاتهم. ونتيجة لذلك، واصل الميزان العسكري في آسيا التحول بشكل ملحوظ ضد الولايات المتحدة وحلفائها. ويمكن القول بوضوح إن الصين قد تقرر مهاجمة تايوان، وإن الولايات المتحدة ستكون خاسرة.
وأضاف كولبي أن تجنب حدوث ذلك يجب أن يكون على قمة أولويات السياسة الأميركية. وهذا لا يعني أن أوروبا غير مهمة أو يتعين على واشنطن تجاهلها أو التخلي عنها. وينبغي عليها مساندة أوكرانيا بفاعلية بالأسلحة وغيرها من أشكال الدعم مع الاحتفاظ الراسخ بالناتو، رغم أن إسهاماتها أكثر تركيزا وعلى نطاق ضيق. ولكن هذا يعني بالتأكيد أن آسيا يجب أن تكون أولوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
ونظرا إلى هذه العوامل، سيكون تحوّل التركيز إلى آسيا مهما بغض النظر عن نتيجة غزو روسيا لأوكرانيا. وعموما، فإن الحرب في أوكرانيا ورد الفعل عليها جعلا من المستساغ بدرجة أكبر اتجاه الولايات المتحدة نحو آسيا. فموسكو، رغم أنها مازالت خطيرة، أظهرت بوضوح أن قوتها أقل صلابة مما كان يخشى الكثيرون.
ومن المرجح أن تحاول روسيا استعادة قوتها ومن المحتمل أن يتسبب تأثير العقوبات في بطء العملية وصعوبتها. وفي الوقت نفسه، نهضت أوروبا وأعلنت عن زيادات كبيرة في الإنفاق العسكري، ودعمت دفاع أوكرانيا عن نفسها، وأظهرت درجة لم يسبق لها مثيل من التلاحم في تطبيق العقوبات وغيرها من أشكال الضغط على روسيا.
والنتيجة هي أن روسيا بدت تمثل تهديدا أقل مما كان يفترض الكثيرون، بينما يبذل الأوروبيون المزيد لدعم دفاعهم. وفي الواقع، فإنه يتعين أن يجعل ذلك الولايات المتحدة أكثر، وليس أٌقل، استعدادا للتركيز على آسيا.
ويتساءل كولبي قائلا “لماذا تضاعف أميركا جهودها في أوروبا على حساب آسيا بينما هناك خطر أقل من جانب روسيا والمزيد من الدعم الأوروبي الذاتي، بينما يزداد الخطر في آسيا؟”.
ويضيف أنه يبدو أن الكثيرين في السياسة الخارجية والنخبة السياسية في الولايات المتحدة يعتبرون الحرب الروسية الأوكرانية فرصة لمضاعفة الجهود في أوروبا. وأكثر من ذلك، يرى البعض أنها فرصة لمحاولة إعادة عقارب ساعة السياسة الخارجية إلى الإمبريالية الليبرالية التي غطت العالم طوال العقدين الماضيين.
وينصح كولبي الولايات المتحدة بضرورة مقاومة هذا الإغراء الذي يشبه الطاعون. حيث اتضح للأسف أن السياسات الخارجية المتعجرفة المذهلة السابقة كانت غير حكيمة، حتى في فترة القطب الواحد. ففي الوقت الذي كان القادة الأميركيون يهتمون فيه بوضع نهاية للشر، ارتقى نجم الصين على حساب واشنطن؛ وانتهت الجهود العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط بالإحباط، وفقدت أميركا تفوقها العسكري والكثير من امتيازاتها الاقتصادية.
وسوف تكون مثل هذه السياسات أكثر خطأ في الوقت الذي تخوض فيه واشنطن الآن تنافسا استراتيجيا مع دولة عظمى هي الصين والتي تعتبر أكثر قوة مما كان عليه الاتحاد السوفياتي ، أو ألمانيا، أو اليابان. فالولايات المتحدة ببساطة لا تتمتع برجحان في القوة يتيح لها تبديد مواردها بعد الآن.