كريتر نت – العرب
ترى أوساط سياسية أن القيادة السعودية نجحت إلى حد بعيد في إدارة الأزمة مع الولايات المتحدة، وهي بصدد فرض قواعد جديدة على صعيد العلاقات الثنائية تستند أساسا على مفهومي الشراكة والندية.
وتقول أوساط سياسية خليجية إن المواقف المتتالية الصادرة عن البيت الأبيض بشأن العلاقة مع المملكة العربية السعودية، ولاسيما مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تستهدف تهيئة الرأي العام الأميركي والدولي لاستدارة، بعد أن كانت الإدارة الأميركية تبنت في السابق خطابا معاديا توعدت فيه بجعل المملكة “دولة منبوذة” دوليا وأن عليها أن “تدفع الثمن”، على خلفية مقتل الصحافي جمال خاشقجي في العام 2018.
وتوضح الأوساط الخليجية أن الرئيس بايدن عند وصوله إلى البيت الأبيض في العام 2020، ما كان ليتوقع أن يجد نفسه ضحية لمواقفه المتطرفة تجاه المملكة وقيادتها، وهو يسعى اليوم بمساعدة مستشاريه لتدارك الأمر والنزول من الشجرة التي اعتلاها.
وتوضح الأوساط أن هناك حاجة أميركية ملحة للرياض في مواجهة التحديات الطارئة على الساحة الدولية، لاسيما في علاقة بالأزمة الأوكرانية المتفاعلة وتداعياتها على الوضع الداخلي الأميركي وخصوصا الاقتصادي في الوقت الذي يتحضر فيه الديمقراطيون لخوض معركة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وبالتالي فإن البيت الأبيض مضطر لتقديم تنازلات لتحسين علاقته مع المملكة.
ودافع البيت الأبيض الاثنين عن خطط الرئيس بايدن لزيارة السعودية ولقاء ولي عهدها، واعتبر مسؤولون أميركيون أنه بينما لم يتم حتى الآن تأكيد رحلة بايدن إلى السعودية، إلا أن الزيارة المتوقعة سوف تخدم مصالح الولايات المتحدة القومية، بغض النظر عن الموقف من مقتل خاشقجي.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان – بيير إن “هذه الرحلة إلى إسرائيل والسعودية، عندما يحين وقتها، سوف تكون في سياق أهداف هامة للشعب الأميركي في منطقة الشرق الأوسط”.
وأضافت “إذا قرر بايدن أنه من مصلحة الولايات المتحدة التعامل مع زعيم أجنبي، وأن تعاملا كهذا يمكن أن يأتي بنتائج، عندها سيقوم بذلك”. وأشارت المتحدثة إلى أن السعودية “شريك استراتيجي للولايات المتحدة منذ نحو ثمانين عاما. ولا مجال للشك في تداخل مصالح هامة” مع المملكة.
وتحدث بايدن مؤخرا عن إمكانية زيارة المملكة مشيدا بخطوتها في زيادة إنتاج النفط التي وصفها بالإيجابية، فيما أثنى البيت الأبيض على دور الأمير محمد في هدنة اليمن، في بادرة نادرة لاقت تفاعلا واهتماما كبيرين من قبل الأوساط السياسية، التي عدته بداية العد التنازلي لانقلاب في موقف الإدارة الديمقراطية.
وكان بايدن قد هاجم بشدة السعودية خلال حملته الانتخابية متوعدا بعزلها دوليا، وعند وصوله إلى السلطة، اتخذ جملة من الخطوات التي بدت غير ودية تجاهها، من بينها رفع السرية عن تقرير للمخابرات الأميركية حول مقتل خاشقجي، والذي رفضته بشدة الرياض معتبرة أنه تضمن “استنتاجات مسيئة وغير صحيحة تجاه قيادة المملكة”.
وعلى مدار العامين الماضيين رفض بايدن الالتقاء بالأمير محمد، الذي يعد الحاكم الفعلي للمملكة، حاصرا تعامله مع الملك سلمان، كما تجاهل البيت الأبيض الهواجس السعودية بشطب المتمردين الحوثيين في اليمن من قائمة الإرهاب الأميركية، واندفاعه صوب إبرام صفقة نووية مع إيران.
وقوبلت هذه الخطوات غير الودية والمثيرة للشك في حرص واشنطن على الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية مع الرياض، بتعاط هادئ وواقعي من قبل قيادة السعودية، وذلك نابع من وعي ذاتي سعودي بأن للمملكة الكثير من المقومات والإمكانيات التي تعزز استقلاليتها عن الحليف الأميركي، خصوصا وأن هناك قوى دولية وازنة مثل الصين وروسيا حريصة على تعزيز الشراكة معها.
ومع تفجر الصراع الروسي – الأوكراني، ومحاولة واشنطن وحلفائها الأوروبيين معاقبة موسكو بعزلها عن المنظومة الدولية، وجد البيت الأبيض نفسه مجددا في حاجة ماسة لدعم السعودية وباقي دول الخليج، لاسيما في علاقة بغلق حنفية العائدات الروسية من النفط والغاز.
وعمد بايدن وفريقه في البداية إلى التعاطي بنوع من الفوقية من خلال الضغط على السعودية وباقي حلفائها في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) للتخلي عن الشراكة مع روسيا وضخ المزيد من النفط، لكن الرياض امتنعت عن التجاوب معلنة أن عهد التوجيهات انتهى وأن على وشنطن تغيير سياستها في حال أرادت فعلا الحفاظ على الشراكة معها.
وأمام الموقف السعودي الحازم أدركت واشنطن أن عليها النزول من عليائها، وفتح قنوات تواصل على أعلى مستوى لمناقشة القضايا الخلافية التي تحول دون إعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي.
الرياض تفرض قواعد جديدة في العلاقة مع واشنطن
وتقول الأوساط الخليجية إن السعودية أظهرت تفوقا كبيرا في إدارة الأزمة مع الرئيس الأميركي، الذي يجد نفسه اليوم ملزما بطرق أبواب المملكة بنفسه ولقاء الأمير محمد، وتشكل هذه الخطوة ليس فقط رد اعتبار للقيادة السعودية، بل وأيضا نجاحا سعوديا في فرض قواعد جديدة للعلاقة مع واشنطن قائمة على الندية.
وكانت سرت تكهنات عن زيارة أولى يقوم بها بايدن كرئيس الى إسرائيل والسعودية خلال جولته المقررة إلى ألمانيا وإسبانيا لحضور قمتي مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي الشهر الجاري، لكن وسائل إعلام أميركية ذكرت أنه ربما أرجئت الزيارة إلى شهر يوليو.
ولم تؤكد جان – بيير هذه الأنباء أو تنفي تغيير الإدارة لخططها، وقالت “الناس يسألون إن كانت الزيارة قد أرجئت. الرئيس قال بنفسه إن هناك زيارة قيد الدراسة. لكن لم يتم تغييرها أو تأجيلها. التقارير الصحافية لم تكن دقيقة”. وأضافت أن رحلة خلال يونيو “قيد الدراسة لكن لم يتم تجميدها”.
وكان عضو مجلس الشورى السعودي إبراهيم النحاس تحدث في وقت سابق على أن زيارة بايدن ستتحدد بعد استكمال واشنطن النظر في مطالب الرياض.
وأوضح النحاس في تصريحات إعلامية أن هذه الزيارة يجب أن يسبقها “استكمال للترتيبات بما يتوافق مع مصالح المملكة والإقليم، فهذا هو الأصل، والذهاب بعيدا إلى القضايا التي تثار في هذه المنطقة”. وأكد أن زيارة بايدن في حال تحققت إلى السعودية “ستضيف الكثير إلى المنطقة والولايات المتحدة والمملكة”.