كريتر نت – ووكالات
على الرغم من غياب روسيا عن مناقشات الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس هذا العام، إذ حجب منظمو المنتدى الدعوات الموجهة إليها بسبب حربها في أوكرانيا، إلا أن موسكو كانت “الغائب الحاضر” في كل الفعاليات، ويعتبر غياب الروس مشحوناً بالرمزية، إذ تمتد مشاركتهم على مدى 30 عاماً من العولمة والتكامل الاقتصادي الذي يتحطم اليوم على صخرة المنافسة بين القوى العظمى وتجزئة سلاسل التوريد العالمية.
وجاءت اجتماعات دافوس للنخب السياسية والمالية والشركات العالمية لترمز إلى عصر العولمة، وذلك للأفضل في أذهان المدافعين عنها وللأسوأ في نظر منتقديها، واليوم هناك العديد من المشاركين مقتنعون بأن العصر قد انتهى وأن زواله تسارع بسبب الحرب في أوكرانيا.
وقال المليادير الأميركي جورج سوروس لجمهور “دافوس” إنه “حتى عندما يتوقف القتال كما يجب في النهاية، فلن يعود الوضع أبداً إلى ما كان عليه من قبل”.
ويعرف عن سوروس حبه لفعل الخير، فهو الرجل الذي كان صافي رأسماله 8.6 مليار دولار حتى مارس (آذار) 2021، بعد أن تبرع بأكثر من 32 مليار دولار لمؤسسات المجتمع المفتوح.
ويقول سوروس “لقد بشر الصراع بتحول آخر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثة عقود، إذ فككت الحكومات الغربية مؤسساتها الدفاعية مما أدى إلى عائد سلام حرر الموارد الحكومية للبرامج الاجتماعية وغيرها، لكن اليوم تعود الحكومات نفسها لتكثيف الإنفاق العسكري”.
من جهته، قال رئيس “مجموعة أوراسيا” الاستشارية إيان بريمر، “نحن الآن في بيئة جديدة وأنهينا عقد السلام”.
وكان الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي ألقى خطابين مختلفين موجهين بعناية إلى جماهير “دافوس” من طريق الفيديو يوم الأربعاء، متهماً بوتين بالعيش في “فقاعة من الواقع البديل”.
وقال نائب رئيس “إس إند بي غلوبال” والمؤرخ في مجال الطاقة دانييل يرغين إنه “خلال السنوات التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفياتي العام 1991 خرجت روسيا وغيرها من الجمهوريات السوفياتية السابقة للمرة الأولى إلى العالم الأوسع، وبدأت تكاملها مع الاقتصاد العالمي”. وأضاف، “روسيا كانت تحضر بقوة في هذا الحدث منذ أوائل التسعينيات”.
تاريخ روسيا في “دافوس”
وفي اجتماع دافوس العام 1996، وضعت مجموعة من الـ “أوليغارشية”، وهي شكل من أشكال الحكم تكون السلطة السياسية فيه محصورة بيد فئة صغيرة من المجتمع تتميز بالمال أو النسب أو السلطة العسكرية، خطة لدعم إعادة انتخاب الرئيس بوريس يلتسين، ثم تراجعت بشكل يائس في استطلاعات الرأي ضد خصمه الشيوعي جينادي زيوغانوف.
وبعد صعود بوتين إلى السلطة عام 1999 أصبح الروس من العناصر البارزة في “دافوس”، إذ بات بعض الـ “أوليغارشية” اليوم خاضعين لعقوبات غربية بعد أن أسسوا أحزاباً مترفة وحصرية.
واشتهر قطب الألومنيوم الروسي أوليج ديريباسكا باستضافته في “دافوس”، وكان الأكثر إسرافاً في هذا الحدث بحسب “وول ستريت جورنال”، ففي دورة المنتدى العالمي الذي أقيم في يناير (كانون الثاني) 2018 أحضر ديريباسكا فرقة من الراقصين القوزاق، وكانت هناك وفرة من الكافيار الأسود وأقدم أنواع الشمبانيا.
ولم تكن تلك السنة هي المرة الأولى التي يشكل فيها الروس البارزون، بمن فيهم ديريباسكا، تحدياً لمسؤولي المنتدى، إذ أدرجت الولايات المتحدة ديريباسكا في القائمة السوداء مع عشرات من رجال الأعمال والمسؤولين الروس الآخرين عام 2018، رداً على التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأميركية والهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة، ودعم تدخل الكرملين العسكري في أوكرانيا عام 2014، وتزويد نظام الرئيس السوري بشار الأسد بالقنابل والعتاد.
وقد دفع ذلك مسؤولي المنتدى إلى مطالبة ديريباسكا وملياردير البناء فيكتور فيكسيلبيرج والمصرفي أندريه كوستين بعدم حضور التجمع السنوي المقبل، وفقاً لمسؤولين روس في ذلك الوقت، وانتهى الأمر بمنظمي المنتدى إلى عكس مسارهم بعد أن هددت موسكو بمقاطعة التجمع السنوي.
وقال المتحدث باسم ديريباسكا، روبن بوناتيان، إن “(دافوس) ليس قضية ذات أولوية بالنسبة لديريباسكا” الذي يخضع أيضاً لعقوبات من الاتحاد الأوروبي وحكومات غربية أخرى، واصفاً القيود المفروضة عليه بأنها ضالة ولا أساس لها.
وبعد انطلاق الحرب الروسية في أوكرانيا أواخر فبراير (شباط) الماضي، أصدر المنتدى بياناً يدين “عدوان روسيا على أوكرانيا والهجمات والفظائع، معلنين تضامننا الكامل مع الشعب الأوكراني وكل من يعانون ببراءة من هذه الحرب غير المقبولة على الإطلاق.”
وقال المتحدث باسم المنتدى يان زوبف خلال مقابلة الثلاثاء، إنه كان “قراراً واعياً لإدانة العدوان الروسي، ونتيجة لذلك لم ندعُ المسؤولين الروس، وفي الوقت نفسه يجب الامتثال للعقوبات الدولية”.
20 من أعضاء “دافوس” روس
ويضم المنتدى حوالي 1000 شريك يدفعون ليصبحوا أعضاء، مما يمكنهم من حضور “دافوس”. وقال زوبف إن نحو 20 عضواً هم من الروس.
وكان غياب روسيا واضحاً على شريان “دافوس” الرئيس للمناسبات العامة والخاصة، فخلال السنوات السابقة نظمت “مؤسسة روسكونغرس” التي تعرف نفسها بأنها مؤسسة تنمية غير مالية ومنظمة لاتفاقات وطنية ودولية، البيت الروسي في “دافوس”، إذ استضافت فعاليات للترويج للمبادرات الروسية في مكان بارز.
وهذا العام دعم “دافوس” والحكومة الأوكرانية منظمة خيرية أوكرانية تسمى نفسها “دار جرائم الحرب الروسية” بمعرض للصور، لما قال الرعاة إنها جرائم حرب موثقة ارتكبها الجنود الروس.
وقالت عضو البرلمان الأوكراني ألونا شكروم إن “كل ما أنشئ (دافوس) من أجله يتعرض اليوم للهجوم” من قبل روسيا.
وأضافت أنها تعتبر المنتدى داعماً للقيم الديمقراطية والحوار لتطوير الإجماع وإيجاد سبل لجعل العالم أفضل.
وقال دينيس دينيسوف الشريك ورئيس “إيه إم”، وهي شركة استشارات اتصالات دولية تركز على العملاء من الأسواق الناشئة ولديها مكاتب في موسكو وبكين، إن غياب الوفد الروسي يمثل فرصة ضائعة للتواصل. وأضاف، “هناك نقص شامل في الحوار في وقت تشتد فيه الحاجة إلى ذلك أكثر من أي وقت مضى”.