كتب د. عبد العليم محمد باعباد
يعيش الناس وضعا معيشيا و اقتصاديا صعبا لا يخفى على أحد، كما أن الواقع السياسي لم يستقر على حال يمكن معه الانطلاق إلى معالجة هذه الأوضاع الأنسانية الصعبة.
وغني عن القول أن الحرب والصراعات السياسية سبب هذه الأوضاع التي بلغت حدا لا يطاق.
وعشم أي مواطن أن يلتقي الشركاء والفرقاء على حد سواء لانقاذ هذه الأوضاع من التردي في أوحال يصعب معها الإنقاذ، وتكون فيها الكلفة أكبر على الشعب الذي لن يحتمل اختلاف السياسيين ولن يسمح أو يسمع لهم بسرد الأعذار الواهية .
فما الذي يحتاجه الوطن في هذا الظرف العصيب؟
يحتاج الوطن لقيادات وطنية خالصة تقدم مشروع الوطن ومصالح الشعب على ما عداه من مشاريع أخرى.
وللوصول إلى ذلك يحتاج الوطن لأصحاب العقول المتزنة والنفوس الكبيرة التي تعتبر الوطن ملكا للجميع، وتنظر للاختلاف كسنّة إلهية مجتمعية، فتعمل على قاعدة القواسم المشتركة وتحتكم للقوانين الناظمة في جميع أعمالها وتصرفاتها.
صحيح أن لكل من الشركاء أهداف قد لا تتفق مع الآخر، فكيف يتم المواءمة بين هذا وذاك.
إن الوصول إلى الأهداف المفترضة لأي مكون مرهون بقدرة هذا المكون أو ذاك على التأثير في عموم الشعب وجعل هذه الأهداف طموح شعبي عام، وهو ما يعني عدم حرق المراحل؛ فالمرحلية أو التدرج قانون كوني واجتماعي من لم يستوعبه ويعمل وفق شروطه تصبح أعماله ضرب من العبث الذي لا معنى له.
لذلك فإن ترحيل الأهداف الخاصة للمكونات والأحزاب السياسية شرط لقيادة الوطن إلى بر الأمان في هذه المرحلة الصعبة من تاريخه المعاصر .
.
وما يحتاجه الوطن أيضا وتحتاجه قيادات المكونات في هذه المرحلة هو توعية القواعد بما يمكن تحقيقه، وما لا يمكن فعله، بدلا من الوقوع تحت ضغط القواعد، أو تحت تأثير الشعارات المجردة – بغض النظر عن مدى صوابيتها أو عدمه – وكأنه بمقدورهم أو بمقدور قياداتهم تحقيقها في الزمن الذي تتوقعه المخيلة الشعبية غير المدركة للواقع .
يحتاج الوطن كما تحتاج المكونات والأحزاب السياسية الى قيادات متحررة من تبعات الثقافة المناطقية والعصبوية والفئوية، ومن نزق الأفكار و الأيديولوجيات المتطرفة التي ترى في الآخر عدوا يجب القضاء عليه، أو إقصائه في أقل تقدير .
إن القيادة الحقيقية تؤمن بضرورة العمل على الارتقاء بتفكير الجماهير و رفع وعيهم السياسي، وضرورة استيعابهم للمتغيرات الإقليمية والدولية، وأهميتها في نضوج العوامل الذاتية والموضوعية لتحقيق الأهداف.
وليست القيادة كسب الرضى المؤقت، أو الفهلوة السياسية والإعلامية التي تتعامى عن إدراك الحقيقة وإدراك القدرة والإمكانية.
يعيش الشعب حالة من الفقر والجوع بسبب تبعات الحرب، وتبعات الصراعات فلا يجب أن يستمر البعض في العزف على ذات النغمة .
إن منطق الأولويات تجاه الشعب يفرض على جميع القيادات ما يفرضه الواجب الإنساني للطبيب تجاه الحالة المرضية الحرجة؛ فالطبيب هنا يقوم بواجب إسعاف المريض وإنقاذ من الموت، ومن العبث أن ينشغل الطبيب بمعالجة أمراض ثانوية ليست مهمة في إنقاذ المريض.
ومن الجنون سؤال المريض أو مسعفيه عن التوجه السياسي للمريض.
القيادة فن ومهارة ولن تتأتى إلا بالتعلم والممارسة والاستشارة؛ فاستشارة أهل الخبرة والاختصاص دليل على ذكاء القائد وهي شرط من شروط نجاحه.