كريتر نت – متابعات
دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال أبريل الماضي إلى حوار وطني مع المعارضة، وحث على إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي للإفراج عن المعتقلين السياسيين، وذلك بحضور عدد من المعارضين كانوا أقصوا من المشهد السياسي منذ 2014، ومن بينهم حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق، وخالد داود، وهو معتقل سياسي سابق ورئيس سابق لحزب الدستور.
وسلّط الرئيس المصري الضوء على الوضع الاقتصادي السيء الذي تواجهه البلاد، وأعلن عزمه بيع ما قيمته 10 مليارات دولار من الأصول التي تملكها الدولة سنويا على مدى السنوات الأربع المقبلة، وأمر الحكومة بإدراج الشركات المملوكة للجيش في البورصة المصرية بنهاية العام.
وتوضح الدعوة إلى الحوار الوطني عمق الأزمة الاقتصادية التي يواجهها السيسي الأمر الذي دعاه إلى التلويح بتقديم تنازلات للمعارضة في محاولة لدرء الاضطرابات الاجتماعية المتوقعة مع تدهور الوضع الاقتصادي، الناجم عن تنفيذ إصلاحات قاسية وغلاء الأسعار بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.
وقال مراقبون مصريون إن لجوء السيسي إلى معارضة ضعيفة ومهمشة بالكامل يبدو في غير وقته، مشيرين إلى أن المعارضة ستضطر إلى مجاملته وعينها على ما جرى خلال السنوات الماضية من استهداف لكل منتقدي سياسة النظام ولجوئه إلى السجن لمواجهة تحركات محدودة لمجموعات شبابية كانت قد دعمت ثورة يونيو 2013 التي قادها بنفسه.
واعتبر المراقبون أن اللغز الأكبر الذي يواجهه الرئيس المصري هو استبعاد جماعة الإخوان المسلمين، فهو لا يقدر على ضمها إلى الحوار لأن ذلك سيكون بمثابة انتحار أيديولوجي لنظام استثمر بشكل كبير في تصنيف الجماعة كجماعة إرهابية.
وتبقى القضية الثانية التي يواجهها النظام هي إضعافه المعارضة العلمانية بشدة واستهداف رموزها بالسجن والمتابعة، ما يجعل من الصّعب عليها الآن أن تلعب دورا فعالا في المساعدة على إدارة المعارضة في مواجهة الأزمة الاقتصادية المتنامية، حتى لو قبلت ذلك.
وأصبح كل ما يمكن للنظام أن يأمل فيه هو ألا تستغل المعارضة العلمانية الاضطرابات الاجتماعية للتظاهر ضده بدل إنجاده.
كما يواجه السيسي معضلة أخرى تكمن في المقاومة داخل الأجهزة الأمنية، وهي أجهزة تعتبر أن كل المنتقدين أعداء وجوديون للدولة، حتى بعض القادمين من الخارج. وأبرز مثال على ذلك طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني، الذي تُتّهم عناصر من قوات الأمن المصرية بتعذيبه في 2016.
وعندما قُبض على ريجيني، أشارت أدلة كثيرة إلى أن المتهمين باعتقاله ووفاته اعتقدوا حقا أنه جاسوس. كما تكشف الحادثة تحالف الأجهزة الأمنية داخليا لمنع تقديم المتهمين إلى القضاء، وتكشف كذلك أن عمليات التعذيب قرار يتخذه أصحاب الرتب الصغرى دون تنسيق مع قيادات الصف الأول.
واستمر نمط التعذيب مع وفاة الخبير الاقتصادي أيمن هدهود، الذي اعتقل في فبراير 2022 قبل ظهور جثته في أبريل 2022 مع أدلة تشير إلى وفاته بسبب صدمة شديدة. وفي مفارقة قاسية، كان هدهود عضوا في حزب الإصلاح والتنمية الذي يلعب رئيسه محمد أنور السادات دورا بارزا في التفاوض مع الأجهزة الأمنية للإفراج عن المعتقلين السياسيين.
وتجعل هذه العوامل أيّ محاولة لكسب ود المعارضة، وخاصة نشطاء المجتمع المدني، أمرا صعبا، كما أن نتائج الحوار ستكون دون المأمول.
ويسود الشك لدى المعارضين في مصداقية هذا الحوار، ويتجلى هذا بالفعل في نتائج الحوار المقترح وهيكله. فعلى سبيل المثال، أطلق النظام سراح 41 سجينا سياسيا في نهاية أبريل الماضي مع وعود بالإفراج عن المزيد. لكن هذا لم يحدث بعد. بالإضافة إلى ذلك، فإن معايير الإفراج عن السجناء السياسيين ليست واضحة، ويبدو أنها تتم على أساس كل حالة على حدة، حيث يُطلب من عائلات المسجونين طلب الإفراج عبر موقع على شبكة الإنترنت.
ومع تعثر السيسي في محاولاته لتخفيف التوتر السياسي، أفرج عن موازنة 2022 – 2023، مما يدل على عمق أزمة ديون النظام، حيث تم تخصيص 54 في المئة من ميزانية الدولة لسداد الديون والفوائد. ويقترن ذلك بمعدل تضخم قفز إلى أعلى مستوى له منذ ثلاث سنوات، حيث وصل إلى 14.9 في المئة.
وبالتأكيد، فإن إطلاق سراح بضع مئات من السجناء السياسيين لن يخفف من حقيقة الوضع الصعب الذي تعيشه البلاد، مع ارتفاع معدلات الفقر والاستقطاب السياسي والاضطرابات الاجتماعية التي لا مفر منها. وإذا كان التاريخ دليلا، فإن نظام السيسي سيرد بالطريقة الوحيدة التي يعرفها: عنف الدولة ضد الحراك الاجتماعي.