مختار الدبابي
وزير الشؤون الدينية التونسي، شاب جنوبي لطيف يلبس على الموضة ويعطي الانطباع أنه مختلف عن رجال الدين المتجهمين، لكن يبدو أنه لا يصدق أنه صار وزيرا، ويريد أن يفرض نفسه على وزارته. فقد كتب بيانا باسمه يقول فيه إنه يأذن بأن تفتح المساجد في العشر الأواخر لصلاة التهجد بعد أن توقفت في السنتين الماضيتين بسبب كورونا.
القصة ليست في صلاة التهجد، فهذا تقليد في مساجد تونس، لكن في خطاب الوزير الذي بدا وكأنه خطاب من أمير للمؤمنين في عهود غابرة إلى رعاياه وليس من وزير في حكومة لديها رئيسة، وفوق الرئيسة رئيس جمهورية، وأن الإذن بصلاة التهجد هو تفصيل صغير لا يستحق ليسنده إلى نفسه. كان يمكن أن يعمم في منشور داخلي.
بيان الوزير ردت عليه نقابة الأئمة ببيان آخر أثار الكثير من السخرية على مواقع التواصل، فقد سألت النقابة إن كانت الوزارة ستدفع للأئمة مقابلا ماليا (منحة الاستمرار) لأداء صلاة التهجد كعمل إضافي ليس من مشمولات عملهم المعروفة، ولا التوقيت الذي يعملون ضمنه.
ورد الوزير على البيان بأسلوب فيه استهانة بدور النقابة ومنتسبيها بأن كتب تدوينة صغيرة على صفحة الوزارة بفيسبوك “أقول للنقابيين الذين يريدون ثمنا على صلاة التهجد اخلدوا للنوم تونس برجالها”.
والمقصود من كلام “سيادة الوزير” أن وزارته لا تحتاج إلى أن يقود الأئمة المعترضون صلاة التهجد، لكنه لم يقل من هم هؤلاء “الرجال” الذين سيعوضونهم، هل سيفتح الوزير المهمة أمام العموم ليتولى إمامة الصلاة من حضر، هل سيتركها بيد “تيارات” معروفة تنشط في المساجد وتملأ الفراغات التي تتركها الوزارة باستمرار، وتستفيد من رخاوة مواقف الوزير الحالي ومن قبله من وزراء “تكنوقراط”.
ما أثار سخرية النشطاء على مواقع التواصل أن التراشق بالبيانات بين الوزير و”رعيته” أظهر أنهم يناقشون مسألة روحية بعقلية مادية جافة، فالنقابة تريد الدنانير قبل أن تفرش السجادة وتؤم الناس، ولا يعنيها ثواب التهجد، لا تريد سنة الأولين بل سنة عصرها التي تقيس كل عمل إضافي بالفلوس، ولو كان ركعات محدودة وأدعية خالصة لوجه الله.
أما الوزير فتعامل مع مطلب النقابة كصاحب شركة: إذا لم تعملوا ما دعوتكم إليه، فلدي بدائل، سأغيركم فورا، ولو فتحت باب الإمامة لمن هب ودب.
كل شيء تحول إلى نقاش في الفضاء العام حتى لو كان تفاصيل خاصة بالوزارة كان يمكن أن تحل داخلها ودون ضجيج، لكنّ ولأن كل طرف يبحث لنفسه عن الشهرة وتجميع علامات الإعجاب على مواقع التواصل، فإن الكل بات يتسابق لنشر الغسيل أمام الجميع..
هذا هو الترف الديمقراطي..
نقلاً عن العرب اللندنية