كريتر نت – متابعات
ينظر الغرب للحياد المصري في الحرب الروسية – الأوكرانية على أنه انحياز غير مباشر لموسكو، لذلك أصدر سفراء مجموعة السبع الصناعية بيانا حثوا فيه القاهرة على إدانة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
وبدأت الدول الغربية تضاعف تحركاتها لتوفير حشد دولي كبير ضد التدخل الروسي في أوكرانيا بعد أن استشعرت اقتصار غالبية الإدانات عليها وعدد قليل من الدول القريبة منها، وكي تظهر أن موسكو منبوذة شرع العديد من السفراء في التحرك لتوسيع نطاق الحلفاء وعدم حصرهم في دول أوروبية والولايات المتحدة.
وهي الرسالة التي وجهها بيان أصدره سفراء مجموعة الدول السبع الصناعية وتضم كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، في القاهرة الثلاثاء، ودعا مصر إلى تقديم إدانة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وخلا القاموس المصري عقب التدخل الروسي من أي إشارة إدانة، وهو ما رأت فيه دوائر سياسية أنه تأييد ضمني من القاهرة لموسكو، وقد ينطوي لاحقا على انحياز لها في المنظمات الدولية التي يمكن أن تتطرق للعملية الروسية.
وتبنت وزارة الخارجية المصرية في بيان سابق لها خطابا يقوم على تغليب الحوار والحلول الدبلوماسية والمساعي التي من شأنها تسريع تسوية الأزمة سياسيا بما يحافظ على الأمن والاستقرار الدوليين، ويضمن عدم تصعيد الموقف أو تدهوره.
وتتجنب غالبية وسائل الإعلام المصرية إدانة موسكو وتبتعد عن استخدام عبارات من قبيل “الغزو أو الاحتلال أو الاجتياح” التي تحمل معاني سياسية محددة، وربما على العكس يميل عدد كبير منها إلى تأييد روسيا على حساب أوكرانيا التي تحولت إلى فناء خلفي يتحرك فيه حلف الناتو ويمثل تهديدا للأمن القومي الروسي، وهي قريبة من المخاوف والتحديات التي تواجهها مصر أحيانا.
ومن غير المستبعد أن تتعرض القاهرة لضغوط غربية في ظل تمسكها بالاحتفاظ بعلاقة متوازنة مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، والحرص على أن يبدو موقفها محايدا، غير أن الحياد بات الآن كأنه دعم لموسكو التي تواجه حصارا غربيا متزايدا.
وشعرت الدول الغربية بارتباك واضح في خطابها السياسي الموجه للعالم، وفي ظل عدم وجود دول من خارجها مؤيدة لموقفها قررت شن حملة دبلوماسية للحصول على مؤيدين جدد وتصوير الحرب في أوكرانيا على أنها حرب على العالم.
لذلك حرص بيان سفراء مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي بالقاهرة على الإشارة إلى أن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا “يمثل خطرا على استقرار النظام الدولي، وسوف يكون له صدى أيضا على منطقة الشرق الأوسط”.
واستخدم السفراء لغة تمزج بين المبادئ والعواطف والمشاعر الإنسانية والمصالح الاقتصادية المتداخلة، وقالوا “نحن على يقين من أن الحكومة المصرية تتمسك بالمبادئ المتعلقة بالسلم والأمن والاستقرار والسيادة القائمة على القواعد الدولية”.
ولجأ هؤلاء السفراء إلى لهجة سياسية ربطت بين ما تعاني منه أوكرانيا من عدوان سبق أن عانت منه مصر خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي تمسك بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية كأساس للنظام الدولي.
واعتبر وزير الخارجية المصري الأسبق السفير محمد العرابي بيان الدول الغربية “ترجمة لتوجهات زعماء الدول الصناعية التي أقرت التوجه نحو إيجاد مساع للتقارب مع أعضاء الأمم المتحدة لتبني مواقف مناهضة لروسيا”.
وأوضح لـ”العرب” أن مواقف الدول من الحروب والصراعات العسكرية من صميم التوجهات السيادية للدول ولا يجب التدخل فيها، لأن الموقف المصري تحدث بموضوعية عن أهمية اللجوء إلى المفاوضات لتسوية الأزمة سياسيا.
ولفت السفير العرابي إلى وجود تناقض في بيان الدول الغربية، حيث تحدث عن تاريخ مصر في عدم الانحياز لأحد بينما طالبها بشكل مباشر بأن يكون لها موقف منحاز مناهض لروسيا ويدعم الرؤية الأوروبية – الأميركية، ما يشي بوجود مواقف غربية “غير عقلانية تحاول بشتى الطرق تشكيل تكتلات دولية ضد روسيا”.
وكشفت مصادر مصرية أن استعانة الدول الغربية بالمظلومية وخطاب يتسم بالنعومة ويبتعد تماما عن الخشونة تعكس فقدان السفراء للورقة التي درج بعضهم على استخدامها للضغط على مصر، وهي ورقة حقوق الإنسان والتضييق على الحريات.
وأكدت المصادر لـ”العرب” أن رؤية النظام المصري في تنويع علاقاته بين الشرق والغرب وفرت له مرونة في المناورة بين كل من معسكري روسيا والولايات المتحدة، ظهرت تجلياتها في أزمة أوكرانيا واختياره دبلوماسية فضفاضة تجعله غير منحاز.
وتكمن المشكلة في أن الحياد لن تقبل به واشنطن والمتحالفون معها في أوروبا بعد أن تحول إلى حيلة لعدم إدانة موسكو، ويفهم على أنه دعم لها، وهو دليل على أن المعسكر الغربي يفتقر لأدوات تطويق روسيا بإحكام ويخشى ألا تحقق حزمة العقوبات أهدافها المرجوة، ما اضطره إلى التذكير بتداعيات أزمة أوكرانيا الخارجية.
فقد أشار بيان سفراء الدول الغربية بالقاهرة إلى التنبيه لخسائر مصر الاقتصادية كأكبر مستورد للقمح في العالم، وأن أوكرانيا من أهم مصدريه، وهذه التجارة “مهددة بفعل حرب عبثية، ما يعني ارتفاع أسعار القمح والسلع الغذائية في مصر”.
ولفت إلى أن خسارة مصر مضاعفة وممتدة لأن الملايين من السائحين الأوكرانيين “ممن يحبون ويقدرون مصر وكرم الضيافة بها سوف يتعذر عليهم القدوم إليها، ما يتسبب في ضرر مباشر لقطاع صناعة السياحة”.
وجاءت خطوة سفراء مجموعة الدول الصناعية السبع والاتحاد الأوروبي كتوجه دولي يسعى نحو حث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على تقديم إدانات جماعية للموقف الروسي والوقوف بجوار أوكرانيا والتأكيد على سيادتها واستقلالها.
ويمهد هذا التحرك الذي لن يقتصر على القاهرة لجلسة ستعقدها الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة الأزمة الأوكرانية، ويتطلع السفراء لأن يقوم الشركاء الفعليون والمحتملون بالتمسك بالقواعد الأساسية الخاصة بميثاق الأمم المتحدة، في إشارة إلى تفكيك شبكة العلاقات التي تمثل غطاء جيدا لموسكو.