كتب : محمد عبده سعيد
تعد التنمية الريفية مدخل أساسي لتنمية المجتمعات بشكل عام، وبدون تنمية الريف اليمني فإن تنمية المجتمعات واستقرارها غير واردة ، حيث ذكرت دراسة قام بها المركز اليمني للسياسات أن أكثر من ثلثي الشعب اليمني يعيشون في المناطق الريفية، وقد عانت هذه المناطق على مدى عقود من الزمن من نقص الخدمات الحكومية وبرامج التنمية وقلة المدراس والمستشفيات والمؤسسات الثقافية الملائمة، بل إن هذه الخدمات تكاد تكون منعدمة في بعض المناطق، كما فشلت الحكومات المتعاقبة في خلق فرص اقتصادية مستدامة لسكان الريف ونتيجة لذلك أصبح ملايين من اليمنيين الريفيين محاصرين من قبل الثلاثي القاتل ، الأمية والفقر والمرض كما ذكرت الدراسة.
يشير مفهوم التنمية الريفية إلى عملية تحسين نوعية الحياة والرفاهية الاقتصادية للناس الذين يعيشون في مناطق معزولة نسبيا وقليلة السكان ، وتركز التنمية الريفية تقليديا على استغلال الأراضي كثيفة الموارد الطبيعية مثل الزراعة والرعي ، ومع ذلك تغيرت شبكات الإنتاج والتحضر (زيادة الحرف المهنية في المناطق الريفية). وتفيد الدراسات ان 70 % من فقراء العالم يعيشون في المناطق الريفية حيث تعتبر الزراعة المصدر الرئيسي للدخل وفي اليمن نلاحظ أن الزراعة المصدر الرئيسي للدخل لايزال فيها المزارعين يستخدمون الآلات التقليدية في عملية الحرث ، في حين أن الدولة لم تقدم لهم شيء خلال الفترات السابقة .
إن الريف في اليمن هو المكان الأول لنشأة الإنسان اليمني حيث يولد ويترعرع فيه قبل أن يتجه إلى المدن الرئيسية للبحث عن فرصة عمل جيدة تمكنه من إعالة أسرته ، وبدون تنميته معرفيا لايستطيع الحصول على فرصة عمل مناسبة ، أما من بقي في الريف من أبنائها يعمل في الزراعة إلى جانب الكثيرين من أبناء منطقته ، وأي زراعة يعملون بها غير تلك الزراعة التقليدية المعتمدة على الأدوات البدائية والتي لا تغطي ثمارها احتياجات الفلاحين أنفسهم ، في الوقت الذي يغيب أي اهتمام من قبل الدولة بالمزارعين وتأهيلهم وتسويق منتجاتهم ودعمهم كي يتمكنوا من الإنتاج بشكل أكبر ، وبالتالي فإن الاهتمام بالزراعة قد يكون له نتائج إيجابية حيث يستفيد منه الإنسان من مختلف الجوانب ، بحيث يستفيد من الأعلاف في تربية المواشي ، وهي كذلك سيتم الاستفادة من منتجاتها مثل الحليب الطازج واللحوم الطازجة والجلود ، وسيتم القضاء بشكل كبير على سوء التغذية الحاد والذي ضرب بعض مناطق اليمن بسبب عدم تدخل الدولة في بناء تنمية ريفية مناسبة .
أما بالنسبة للقطاع الصحي فإن المستشفيات والمراكز الصحية المجهزة تتواجد في المدن الأمر الذي يجعل الحصول على الرعاية الصحية للنساء الريفيات الحوامل صعبا للغاية بسبب وعورة الطرق وبعدها عن مراكز المدن .
إن أغلب ساكني المدن هم من أبناء الأرياف سواء الذين استطاعوا الحصول على تنمية وتأهيل أو من لم يحالفهم الحظ ، وبالتالي فإن تنمية المجتمعات الريفية مدخل لتنمية شاملة للبلاد بشكل عام، كون أغلب من يتم استقطابهم من قبل الجماعات المتطرفة هم أبناء تلك المناطق الريفية التي أهملتها الدولة ، وبالتالي كانت هذه المناطق مناطق خصبة لعمل الجماعات الجهادية بسبب قلة التعليم والثقافة والتنمية وفرص العمل التي يتمكنون من خلالها من الإنفاق على أسرهم .
كانت الحكومات السابقة والنظام السابق لا يهتمون كثيرا بتنمية الأرياف واهملت وتم اقصاءها بشكل متعمد ومقصود، حيث عمدت على تجهيل أبناء المناطق الريفية حتى تتمكن من السيطرة عليهم وجعلهم فقط تابعين وخاضعين، وإذا ما حدث وان تبرعت إحدى الدول الأجنبية أو المنظمات الدولية في مشاريع تنموية للارياف اليمنية فإن السلطات كانت تحرص على أن تصل هذه المنح إلى الشخصيات الموالية لها والمشائخ التابعين للحزب الحاكم ، والذين كانوا بدورهم يقومون بتحويلها إلى حساباتهم الخاصة وبناء أنفسهم على حساب المجتمع .
كان أبناء الشخصيات المشيخية والمرتبطين بالسلطات يتم إيفادهم إلى مراكز المدن الرئيسية كي يتمكنوا من الحصول على تعليم جيد وفي المقابل كان يتم تجهيل بقية أبناء المجتمع حتى يتمكن أبناء تلك الشخصيات المشيخية المرتبطة بالسلطات من التحكم بهم وتجهيلهم.
المرأة في المناطق الريفية كذلك كانت المتضرر الأبرز من غياب التنمية في مناطقها ، حيث أن تجهيلها وعدم حصولها على الرعاية الكاملة أثر على الأجيال المتعاقبة حيث حرمت من حقها في الحصول على التعليم الأساسي في أغلب مناطق البلاد ، وإذا ما صادف الحظ إحداهن والتحقت بالمدرسة فإنها سرعان ما تتركها بسبب بعد المدراس عن أماكن سكنها بالإضافة إلى الأرث الاجتماعي المتخلف .
وبحسب الدراسة الذي أعدها المركز اليمني للسياسات فإن نسبة الأمية بين الفتيات والنساء اليمنيات بلغت 53 % علاوة على ذلك أدى الفقر المدقع بين الأسر إلى زيادة الزواج المبكر وبلغ إجمالي الفتيات اللاتي يتزوجن قبل سن 18 عاما 52 بالمئة.
قال الثائر الأرجنتيني تشي جيفارا “بإمكاننا محاصرة المدينة من الريف ” ونحن في اليمن إذا أردنا تنمية مستدامة وسلام دائم يجب علينا تركيز جل اهتماماتنا نحو تنمية الأرياف حتى نستطيع محاصرة المدن وصناعة تنمية شاملة وسلام دائم .
في نهاية المطاف نشير إلى أن منظمات دولية تدعم عمليات السلام في اليمن غير أن المناطق الريفية لم تستهدف في أغلب مناطق البلاد إلا بالنزر اليسير عبر السلل الإغاثية لا غير .