كريتر نت – عربي بوست
انتخب البرلمان الألماني، الأربعاء 8 ديسمبر/كانون الأول 2021، النائب عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وزير المالية أولاف شولتز، مستشاراً جديداً للبلاد، ليطوي بذلك نهائياً عهد أنجيلا ميركل الذي استمر 16 عاماً.
حصل شولتز في الجولة الأولى من التصويت، على أصوات 395 نائباً من أصل 707، في حين صوَّت 303 نواب بـ”لا”، وامتنع 6 آخرون عن التصويت، إلى جانب إلغاء أصوات 3 نواب، وفقاً لوكالة الأناضول.
من المقرر أن يتوجه شولتز الذي يبلغ من العمر 63 عاماً، في وقت لاحق، إلى القصر الرئاسي، للحصول على وثيقة تعيينه من الرئيس فرانك فالتر شتاينماير، والعودة إلى البرلمان لأداء اليمين الدستورية.
بذلك يصبح شولتز تاسع مستشار لألمانيا لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
يتسلم شولتز مقاليد السلطة على رأس أول حكومة تكافؤ في ألمانيا، تتولى نساء فيها وزارات أساسية، مع تعيين أنالينا بيربوك وزيرة للخارجية، وكريستين لامبريشت وزيرة للدفاع، ونانسي فيسر وزيرة للداخلية.
كذلك تعتبر هذه الحكومة سابقة من حيث تشكيلتها السياسية، إذ تضم للمرة الأولى منذ الخمسينيات ثلاثة مكونات، هي: الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحزب الخضر، والحزب الديمقراطي الحر.
بالرغم من الاختلاف بل والتعارض أحياناً في برامج التشكيلات الثلاثة، فإنها توصلت سريعاً إلى الاتفاق على برنامج يرتكز إلى حماية البيئة والتقشف المالي وأوروبا.
من هو المستشار الجديد؟
وُلد شولتز في أوسنابروك في 14 يونيو/حزيران 1958 وكان والده تاجراً، ووالدته ربّة منزل، وانضم إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي في العام 1975 في سن السابعة عشرة.
يميل شولتز أكثر إلى التيار اليساري للحزب، وكان آنذاك شعره طويلاً ويرتدي كنزات صوفية ويشارك في عدد كبير من التظاهرات السلمية.
بالتوازي، كان شولتز يتابع دراساته في القانون، وأسس العام 1985 مكتب محاماة متخصصاً في قانون العمل، ودافع خصوصاً عن موظّفين في عدد كبير من الملفات، في أعقاب توحيد ألمانيا العام 1990، في قضايا خصخصة أو حلّ شركات في ألمانيا الشرقية السابقة.
المستشار الجديد لألمانيا تقلد مناصب وزارية مرات عدة وكان رئيساً لبلدية هامبورغ، ثاني مدن ألمانيا.
يستلهم شولتز من أسلوب ميركل، حتى إنه يقلّدها في الإيماءات، إلى درجة أن صحيفة “تاتس” اليسارية وصفته بأنه نسخة “متحوّرة” من المستشارة الألمانية، بحسب ما أوردته الوكالة الفرنسية.
نجح شولتز في فرض نفسه رغم أنه لا يزال غير معروف كثيراً بالنسبة للألمان أنفسهم، ووصفته مجلة “در شبيغيل” الأسبوعية بأنه “تجسيد للسياسي الممل”، بين كل مستويات الشأن العام منذ سبعينيات القرن الماضي.
يُلقي شولتز خطبه بنبرة رتيبة أكسبته لقب “شولتسومات” (المستوحى من كلمة تعني الشخص الذي يتصرّف كرجل آلي) وهو ما يثير انزعاجه، وقال في معرض الدفاع عن نفسه: “كنت أُسأل دائماً الأسئلة نفسها وأقدّم دائماً الإجابات ذاتها”. وأكد أنه “يضحك أكثر مما يعتقد الناس”.
منذ وقت قصير كان يُقال إن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي إليه شولتز يحتضر، إلا أن هذا الأخير تمكَّن ليس فقط من الفوز في الانتخابات التشريعية التي أُجريت في سبتمبر/أيلول 2021، بل نجح أيضاً في تشكيل ائتلاف حكومي غير مسبوق.
يُشار إلى أنه مع وصول شولتز إلى السلطة، تنسحب ميركل من الحياة السياسية بعد أربع ولايات متتالية، بفارق تسعة أيام فقط من تحطيم الرقم القياسي لأطول مدة الحكم سجلها هيلموت كول (1982-1998).
بذلك تطوي ميركل التي تنسحب فيما شعبيتها في أعلى مستوياتها، حياة سياسية استمرت 31 عاماً بينها 16 على رأس القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا.
بعد 16 عاماً من حكم أنجيلا ميركل المطلق، تستعد ألمانيا لمرحلة جديدة من ائتلاف حكوميٍّ عنوانه “إشارة المرور”، فماذا تتوقعه أوروبا، وتحديداً فرنسا ورئيسها ماكرون؟ ولماذا تبدو أمريكا سعيدة؟
وبعد أن توصلت ثلاثة أحزاب، هي الاشتراكيون الديمقراطيون وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر الليبرالي، إلى اتفاقٍ الأربعاء 24 نوفمبر/تشرين الثاني، لتشكيل حكومة، تنتهي عملياً فترة حكم المستشارة ميركل التي استمرت 16 عاماً متتالية.
وكانت نتائج الانتخابات العامة التي أجريت الأحد 26 سبتمبر/أيلول، قد مثلت مفاجأة من العيار الثقيل، إذ جاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي في المركز الأول بفارق ضئيل وحصل على 25.7% من الأصوات، بينما جاء تكتل المحافظين بزعامة ميركل في المركز الثاني وحصل على 24.1%، وثالثاً جاء حزب الخضر بحصوله على 14.8%، ثم الحزب الديمقراطي الحر رابعاً وحصل على 11.5%، وتراجع البديل من أجل ألمانيا (الحزب اليميني المتطرف) إلى المركز الخامس بأقل من 10%، ثم حزب اليسار الراديكالي “دي لينك” بنحو 5%.
وتلك هي المرة الأولى التي يفقد فيها تكتل ميركل (تحالف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي) صدارة الانتخابات العامة منذ عام 2005، كما أنها المرة الأولى أيضاً التي تقل فيها النسبة التي يحصل عليها عن 33%، وهو ما اعتبره كثير من المحللين رغبة غالبية الألمان في التغيير بمرحلة ما بعد ميركل.
الهجرة في برنامج الحكومة الألمانية الجديدة
العقد الائتلافي بين الأحزاب الثلاثة الذي جاء بعنوان “التحلي بالجرأة من أجل مزيد من التقدم. تحالف من أجل الحرية والعدالة والاستدامة”، يعطي الأولوية لحماية البيئة، لاسيما مع التخلي المتوقع عن الفحم بحلول عام 2030، بدلاً من عام 2038 سابقاً.
واتفقت الأحزاب الثلاثة، التي يطلق عليها حكومة “إشارة المرور” نسبة إلى ألوانها الثلاثة (الأخضر والأحمر والأصفر)، على تحسين حقوق طالبي اللجوء وتيسير الهجرة للعاملين المهرة وتبسيط عملية الحصول على الجنسية الألمانية.
وعلى الرغم من أن الهجرة لم تكن إحدى القضايا الرئيسية في انتخابات هذا العام، فقد احتلت مكانة بارزة على جدول الأعمال السياسي مع محاولة آلاف المهاجرين دخول الاتحاد الأوروبي عبر روسيا البيضاء في الأسابيع القليلة الماضية.
وقالت الحكومة الائتلافية إنها تخطط لجعل ألمانيا وجهة أكثر جذباً للمهاجرين، وتسهيل الحياة لطالبي اللجوء الراغبين في الاندماج. واتفق الائتلاف كذلك على تقديم قانون يتيح تعدد الجنسية. ويتطلب الحصول على الجنسية الألمانية عموماً أن يتخلى الشخص عن أي جنسية أخرى رغم وجود استثناءات، بينها مواطنو دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
وتقول الوثيقة: “كقاعدة عامة، يجب أن يكون الحصول على الجنسية أمراً ممكناً بعد خمس سنوات، وبعد ثلاث سنوات في حالة وجود إنجازات تتعلق بالاندماج”، وذلك بالمقارنة مع ثماني سنوات وست سنوات على التوالي حالياً، بحسب رويترز.
وسيمنح القانون الجديد الجنسية الألمانية للأطفال الذين يولدون في ألمانيا لوالدين أجنبيين لو كان أحدهما مقيماً في ألمانيا بشكل قانوني لمدة خمس سنوات. ويستهدف القانون جيل مهاجري العمالة الوافدة في ألمانيا الذين قدموا من جنوب أوروبا وتركيا في الستينيات والسبعينيات وساهموا في تحقيق “المعجزة الاقتصادية” بعد الحرب.
ولم يحصل بعضهم على الجنسية الألمانية بعد العيش في ألمانيا على مدى عقود، بسبب متطلبات اللغة أو لأنهم لا يريدون التخلي عن جنسياتهم الأصلية. وسيتم استبدال الشرط الأساسي للحصول على الجنسية والمثير للجدل وهو “العيش وفقاً لأسلوب الحياة الألماني” بمعيار أوضح في القانون الجديد.
مرحلة جديدة مختلفة عن عهد ميركل
يرى كثير من المحللين أن حكومة “إشارة المرور” ستكون مختلفة كثيراً عن سنوات وجود ميركل كمستشارة لألمانيا، ليس فقط لأن أولاف شولتز– زعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي وخليفتها– سياسي مختلف كثيراً عن المرأة التي تركت وراءها إرثاً هائلاً من الاستقرار والنمو الاقتصادي وحافظت على تماسك الاتحاد الأوروبي- رغم خروج بريطانيا منه- وعلى حلف الناتو، رغم رئاسة دونالد ترامب العاصفة وسعي ماكرون المستمر لإنهاء الحلف العسكري.
لكن الاختلاف الأبرز بين فترة حكم ميركل وما ينتظر المستشار شولتز يتمثل في أن المستشارة كانت تتمتع بأغلبية سمحت لحزبها بالحكم منفرداً، ومن ثم كانت أكثر قدرة على اتخاذ القرارات الهامة دون ضغوط حلفاء ربما يختلفون معها. أما شولتز فهو مستشار يقود حكومة ائتلافية، طرفاها الآخران الخضر والليبراليون أقوياء للغاية ولدى كل منهما أجندة مختلفة عن أجندة الاشتراكيين الديمقراطيين.
ورصد تحليل لهيئة الإذاعة البريطانية BBC التغييرات المتوقعة في السياسة الألمانية بعد تولي “فريق شولتز” المسؤولية خلفاً لميركل، ألقى الضوء على حديث كثير من الألمان عن “تغيير جذري في هندسة السياسة الألمانية” سيؤثر على أسلوب صياغة السياسات الداخلية والخارجية.
فقد انفردت ميركل، في أغلب الأوقات طوال 16 عاماً، باتخاذ القرارات الهامة، وكان الوزراء أقل ظهوراً في الإعلام بينما كانت ميركل الرمز والوجه الأوحد الذي يمثل ألمانيا، وفي فترتها الأخيرة اشتكى حلفاؤها من “التهميش” بشكل عام.
أما بالنسبة للحكومة الجديدة فالأمر مختلف تماماً، فشركاء الائتلاف، من الخضر والليبراليين، يمتلكون جزءاً كبيراً من السلطة، ليس فقط بسبب الوزارات الرئيسية التي يشغلونها كالخارجية والاقتصاد والمالية والبيئة، لكن أيضاً لأن قادة الحزبين أصغر سناً وأكثر حضوراً وكاريزما مقارنة بشولتز.
وقد عبر محلل سياسي ألماني عن هذا التغيير المتوقع، بقوله للـ”بي بي سي” إن الخضر والليبراليين على الأرجح سيكونون أصحاب القرارات السياسية الهامة داخل الحكومة، بينما سيتولى شولتز “توصيل” تلك القرارات للبرلمان وللمجتمع الألماني.
أمريكا سعيدة، والسبب الصين وروسيا
من المهم في البداية تأكيد أن القضايا والملفات التي تم التركيز عليها في المؤتمر الصحفي للائتلاف، جاءت موجهة بالأساس إلى الداخل الألماني، وليست للعالم الخارجي. لكن هذا لا يعني أن العلاقات الخارجية لبرلين ستظل على حالها كما كانت خلال حكم ميركل.
فتولي الخضر وزارة الخارجية يشير إلى أن الدبلوماسية الألمانية ستكون أكثر تشدداً تجاه الصين وروسيا عما كانت عليه أيام ميركل، بحسب محللين. وكانت ميركل تتعرض لانتقادات حادة بسبب “لهجتها التصالحية” مع بكين وموسكو في أغلب الأحيان، إذ كانت المستشارة تفضل دائماً المصالح الاقتصادية لألمانيا على أي شيء آخر.
كما تعرضت ميركل لانتقادات، بسبب موقفها “المتساهل” من المجر وبولندا، على خلفية قضايا تمس حرية الإعلام واستقلال القضاء في البلدين العضوين بالاتحاد الأوروبي، لكن الحكومة الجديدة قدمت بالفعل وعوداً بأن تتخذ “طريقاً مختلفاً” وأن تمنع مساعدات وباء كورونا عن دول الاتحاد الأوروبي التي لا تحترم حقوق الإنسان.
وفي ضوء هذا التوجه، يتوقع كثير من المحللين أن تتغير علاقة ألمانيا مع الصين وروسيا وتكون أكثر قرباً من السياسة الأمريكية، وهو ما يسعد واشنطن بالتأكيد.
وقد عبرت إدارة الرئيس جو بايدن عن ذلك بالفعل، إذ أعربت الولايات المتّحدة، الأربعاء، عن توقّعاتها بإقامة علاقات وثيقة مع الحكومة الألمانية المقبلة، وقال متحدث باسم الخارجية الأمريكية: “لدينا كلّ التوقّعات بأن العلاقة بين الولايات المتحدة وألمانيا ستستمر لتكون وثيقة وفعالة بشكل كبير”.
وأضاف أنّ العلاقات الأمريكية الألمانية “مبنية على القيم المشتركة للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون”. وتابع المتحدث: “نتطلع إلى العمل مع الحكومة الألمانية الجديدة بشأن أهدافنا المتمثّلة في تعزيز الشراكة عبر الأطلسي وزيادة التعاون مع حلفائنا في حلف شمال الأطلسي ورفع مستوى طموح علاقتنا مع الاتحاد الأوروبي”.
وإذا كانت المواقف المتوقعة خارجياً للحكومة الألمانية الجديدة تمثل ارتياحاً في واشنطن، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو الآخر قد ينتابه الشعور نفسه. إذ يرى كثير من المحللين أن مانويل كان يشعر بالإحباط من موقف ميركل تجاه أفكاره الطموحة “لإصلاح الاتحاد الأوروبي”.
وأحد تلك الطموحات يتمثل في رغبة الرئيس الفرنسي في تخفيف وربما التخلي نهائياً عن القواعد الخاصة بتقديم الاتحاد الأوروبي مساعدات مالية لأي عضو من دوله يعاني من أزمات، لكن ميركل كانت تتمسك بصرامة بتلك القواعد وتعتبرها أحد أعمدة الحفاظ على تماسك الاتحاد الأوروبي.
الآن وقد صدرت تصريحات عن الائتلاف الجديد بقيادة شولتز، تشير إلى انفتاح على مراجعة تلك القواعد، لابد أن ماكرون يشعر بالارتياح.