كتب د عبدالعليم محمد باعباد
الفئة المستهدفة من الاغتيالات السياسية في عدن – كان آخرها محاولة اغتيال أ.د. محمد عقلان نائب رئيس جامعة عدن للدراسات العليا – وغيرها من المدن اليمنية، هي طليعة المجتمع العلمية والثقافية والاجتماعية؛ ما يعني أن الهدف من وراء هذه الاغتيالات هو إبقاء المجتمع يمشي في ظلمات الجهل والتخلف والفقر والفساد .
ليس المستهدف هو الحزب السياسي الذي ينتمي إليه هذا الضحية فحسب ؛ فبمقدور الساسة – لا القتلة – أن يتنافسوا بشرف، و باستخدام الوسائل القانونية السلمية يمكنهم أن يسبقوا هذا الحزب أو ذاك !
المستهدف في الأساس هو نسيج هذا المجتمع، مستقبل هذا المجتمع ؛ المستهدف هو أنا وأنت وهذا وذاك وهؤلاء وأولئك.
المستهدف هو ابني وابنك؛ فالذي يخطط لاغتيال شخصية علمية أكاديمية هو في الحقيقة يغتال العلم و الجامعة التي تحرص على أن يكون ابنك في طليعة المجتمع علما وثقافة وأخلاقا وأدبا..
كذلك عندما يغتال داعية أو خطيب يصم البعض آذانهم – ربما عن قصد وربما عن جهالة – لأن المستهدف ينتمي إلى تيار ما، أو إلى حزب ما.
ولو تدبرنا الأمر لفهمنا أن اغتيال مثل هؤلاء يعني أن نترك الجيل فريسة سهلة ليقع ضحية الضلال والفساد الأخلاقي.
يستبد بالبعض الحقد والضغينة، أو الحمق والجهالة فيغض الطرف ويسكت عما يعصف بالمجتمع من منكرات وصلت حد التفجيرات والاغتيالات التي تطال الفئة المتنورة في المجتمع !
تتوجه السهام لاغتيال أهل الفضيلة و رواد التنوير، ومن لهم باع في حل مشكلات المجتمع وإصلاح ذات البين، ويساهمون بقدر استطاعتهم في الحد من استشراء الفقر ومنع الرذيلة في المجتمع، والمجتمع في أشد الحاجة إليهم .
تتوجه أيادي الغدر لاغتيال خيرة الكوادر الأمنية والمدنية في المجتمع حتى يصبح المستقبل مظلما يستطيع من خلاله أعداء الشعب أن يجعلوا من الوطن منطلقا وهدفا لتنفيذ خططهم الحقيرة خدمة لدوائر عالمية ودول غادرة لا تعيش إلا في ظل تمزيق الشعوب وقتل أبنائها ونهب مقدراتها.
الأطراف التي تُستغل لتنفيذ مثل هذه المخططات القذرة يتم وضعها في خانة الأدوات الرخيصة التي سرعان ما يتم فضحها من قبل تلك الأطراف الراعية نفسها .
لن يتحقق هدف من تلك الأهداف التي يوهم فيها الرعاةُ تلك الأدوات أنها ستتحقق من وراء تلك الاغتيالات والتفجيرات .
كل ما في الأمر أن الضحايا هم من أبناء جلدتنا أبناء مجتمعنا من نعيش وإياهم في سفينة واحدة إن غرقوا غرقنا جميعا.
هذا التفجير الإرهابي الذي راح ضحيته أطفال و أشخاص أبرياء مدنيين أو عسكريين، جعل من الأطفال ضحايا أو أيتاما، ومن النساء ثكالى و أرامل.
جعل الحزن والدموع في بيوت كانت آمنة سعيدة مطمئنة، و لم يحقق لفاعله سوى الخزي والعار والجرم المعاقب عليه بأشد العقوبات دنيا وآخرة.
وهذه الاغتيالات السياسية التي نالت من الأبرياء زادت من نسبة الضحايا في المجتمع، وجعلت الأسر التي كان يعيلها هؤلاء عرضة للفقر والضياع.
لم يبنِ الفاعلُ بقتلهم مدرسة، ولم يعالج مريضا، ولم يداوِ جريحا، ولم يُشبع جائعا، بل زاد من عكس ذلك تماما؛ و زرع الخوف في أوساط المجتمع.. فماذا يظن أنه سيلقى !
الأيام تتقلب، والحياة لا تدوم على حال، والجريمة لا تُخفي أثرها مهما ظن الفاعل أنه في سرية تامة، لتخفّيه عن أعين الناس؛ فإن عين الله لا تنام، ولا يخفى عليه شيئ في الأرض ولا في السماء .
يا من سخّرك غيرك لقتل الناس الأبرياء سواء كنت منفذا أم مشاركا أم على علم، لقد وقعت في شر عظيم، إن نجوت منه اليوم فغدا لن تنجوَ منه؛ فغدا حساب ولن تنفعك فيه الأموال التي غرروك بها، ولا يشفع لك من وجهوك وأمروك ولن ينفعك أحد .
إن قتل النفس أكبر الجرائم على الإطلاق فمن قتلها فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.
فيا أيها السياسي الذي يسكت عن إدانة مثل هذه الجرائم، ربما بسكوتك ورضاك تكون مشاركا فيها أو في حكم المشترك بها .
و ماذا بقي للسياسيين من فضيلة وهم يرون هذه الجرائم أمام أعينهم فلا يدينونها ولا يستنكرونها !
الكوادر العلمية هي عيونكم التي تبصرون بها فلا تفقأوا عيونكم فإنكم – إن فقأتموها – لن تبصروا حتى في عز النهار .
و للساكتين نقول : قولوا كلمة الحق هداكم الله فإن ذلك لن ينقص رزقا ولن يقدم أجلا .