بقلم : أ.مريم العفيف
آلة الحرب لم تتسلل لها حرارة الصيف وانحطاط العملة وتدهور الاقتصاد فعلى أعتاب هذه المدينة بدأ التمكين الاجتماعي للنازحين يشكل ثقلًا ومنعطفًا خطيرًا إذ يعتبر هالة عميقة للتغيير الديمغرافي الذي يهدد نسيج المجتمع وهذا ما نراه يحدث بطريقة متسارعة وإن التغيير الديمغرافي يشكل خطرًا مضاعفًا باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الجهود التي تعبث بالشأن الداخلي لصناعة واقع ديمغرافي يشكل ركيزة لمشروع جيوسياسي ومحاولة إلى تنامي هوية جديدة (الهوية اليمنية ) تبلورت إلى ملامح أزمة ديمغرافية يراها العالم من وجهة نظره طبيعية وتراها عدسة منطق واقع الجنوب على خلاف ذلك كحالات النزوح لكن الخطر الأكبر هو تغيير ممنهج تمارسه الأطراف المتربصة بالجنوب بهدف احداث أمر واقع من خلال التهجير والاحلال السكاني من المناطق الشمالية في ظل حدوث انزياحات سكانية واسعة الأفق وهذا ما برمجته الجهات المسؤولة ( الشرعية ) عن إدارة الأزمة وارتأت عن ذلك وتركها تُفرغ في حواضن ( الإنسانية والتكافل الاجتماعي والتآزر والمجتمع الواحد ) . ماكينة الديمغرافية نشطت منذ زمن لكنها لم تكن كهذه التي تحدث ربكة في المشهد العام اليوم حيث بات كل شيء مهددًا منها العادات والسلوكيات المجتمعية على رأس الهرم إذ يمتاز المجتمع الجنوبي بدءًا من عدن بخاصية وهوية خاصة .
النزوح ليس طارئًا أو حالة تحدث مصادفة بل هي تمكين اجتماعي ممنهج وليس وليد اليوم وإنما ظاهرة تحمل في طياتها مآسي معاناة على مختلف الصعد السیاسیة والاقتصادية والاجتماعية .
إن البعد الديمغرافي للصراعات والحروب من مسببات استمراره وهذا ما نتج عنه نزوح المدنيين من مناطق متفرقة من خارج رقعة جغرافية الجنوب بشكل متخم وغير متوازن في ظل الركود الاقتصادي وتردي الخدمات نتيجة زيادة التعداد السكاني وذلك يعود ويرجح لحركة النزوح التي تنظمها الأطراف السياسية لدى السلطة متمثلة بالشرعية أو حزب الإصلاح ، إن النظر إلى نسبة السكان بالإضافة إلى القدرة على الادخار من نسبة الإنتاج والاستثمار الصافي والاقتصادي وحاصل نمو الدخل السنوي فإن زيادة نسبة السكان في ظل غياب القدرة على الادخار يرهق الكاهل فلو أنها تحولت إلى استثمارات فعلية فإنها ستحسن من الأداء الاقتصادي .
ومن عمق فحوى مفهوم النازح بأنه الشخص الذي اكره أو أضطر على ترك محل إقامته المعتاد إلى مكان آخر داخل حدود دولته لتجنب آثار نزاع مسلح أو لتجنب حالات العنف العام أو انتهاك حقوقه الإنسانية أو نتيجة كارثة طبيعية أو بفعل الإنسان أو درء تعسف السلطة يتأتى السؤال الذي يفرض نفسه : كيف لجغرافيا الجنوب أن تكون ملاذًا آمنًا لهؤلاء وهي منطقة لم ترفع الحرب اوزارها عنها بعد ؟ ثم كيف يذهب هؤلاء النازحون في المناسبات الوطنية والدينية إلى مناطقهم التي بسببها نزحوا تحت ذريعة أنها ليست آمنة ؟ اهي آمنة أم غير آمنة .
وتحت جناح متخبط الاتجاه كالذي تعيشه الحكومة ولا استقرار سياسي تشهده مما يشكل ناقوس خطر وهو ما تؤول إليه الأحداث المتسارعة على الأرض بشتى أنواع الحوادث الإرهابية التي تفرغها التبعية السياسية الرعناء التي تريد بالجنوب عامة وعدن خاصة أن تظل في دوامة اللاستقرار واللامن ، والنزوح عامة لا يشكل حجر عثرة أمام استقرار الأمن فقط بل يثقل كاهل الخدمات التي لا تستطيع تلبية الحجم السكاني المتزايد العدد الذي بدوره يغير من منظومة الخاصية الثقافية التي تتمتع بها عدن بشكل خاصة كونها العاصمة للجنوب قاطبة .
الكثير من النازحين محجبون عن الأنظار بمعنى لا يعرف عن تفاصيلهم شيء ولا بياناتهم وملف النزوح حتى اللحظة لم يلتفت له بشكل حقيقي وملموس مع أن كل الرؤى تشهد أن هذا الملف يعد من أهم الملفات التي لابد أن تكرس لها الجهود نظرا لأنه بوابة للعديد من المشكلات والظواهر المجتمعية التي تغربل الواقع الفعلي للمجتمعات وتتسبب بانفلات الأمن الإنساني والسلام المجتمعي .
وللنزوح عامة أسباب متشعبة وواسعة الأفق وكثيرة الحيثيات إلا أن أهمها على مستوى الساحة اليوم هو النزاعات المسلحة والحروب حيث عمدت سياسة النظام في اليمن بكل اقطابها إلى خلخلة توازن الوضع العام مما تسبب في خلق عذر للنزوح الا وهو الخوف والرعب وانعدام السلطة وهنا يجدر الإشارة إلا أن النزوح لابد أن يكون مؤقت وهذا ما نشهد عكسه تمامًا ،إذ ينزح الناس من المناطق الشمالية مباشرة للمناطق الجنوبية رغم وجود مناطق تشكل أفضل حال من المناطق الجنوبية استقرارًا وهذا ما يبرمجه الهدوء النسبي عندهم مقارنة بمحاولات حوادث الإرهاب المختلفة التي تستهدف العاصمة عدن . ومن الأسباب المهمة أيضًا العامل السياسي وهذا الذي يشعر به المواطن أن حريته مقيدة وأنه مضطهد أو مطارد وتفاقم مثل هكذا أمر أدى نشر الفوضى وتغيب الدور الحكومي . إن الأسباب لم تقف هنا فقط فكلما حدث شيء لو كان بسيطًا لا يستدعي خروجًا من مناطقهم اتخذوا الحجج في ذلك كالكوارث البيئية .
إن عدم المبالاة والاكتراث لأمر النزوح يؤثر بعمق أي مجتمع ويضرب في خاصرته لأن الآثار التي تمخضها ظاهرة كهذه كبيرة جدًا وقد لا يلاحظ منها إلا ما يظهر على السطح لأن أبعادها عميقة جدًا منها تغيير أيقونة الهوية الثقافية والثقافة الدخيلة لا تقتصر على نمط الحياة الفكرية التي يتعود عليها الناس بل يتصل بالنفس والسلوك والفكر . لابد من حراك فعلي وتعزيز الشراكة مع منظمات المجتمع المدني الإنسانية والتنموية لأن مسألة كهذه تحتاج إلى تعاون انساني انمائي وذلك بتفعيل القوانين الدولية الإنسانية في حالة النزاعات والكوارث . ثم على الصعيد الآخر لابد من عمل قاعدة بيانات للنازحين مما يعرف بهويتهم ويمكننا من عملية حصرهم .