كريتر نت – العرب
رغم أنّ أوضاع المناطق السنية في العراق لا تخلو من دواعي الغضب الشعبي حيث بطء عملية إعادة إعمار ما دمرته الحرب ضدّ داعش، وحيث ينتشر الفقر والبطالة وتكاد تنعدم الخدمات العامة، فإنّ ما يظهر حاليا من بوادر انتفاضة شعبية في بعض تلك المناطق يثير الأسئلة بشأن توقيته قبل أقل من شهرين على الانتخابات البرلمانية المبكّرة، وعن مدى استقلاليته عن صراع الفرقاء السياسيين على تمثيل المكوّن السني بعد تلك الانتخابات.
الرمادي (العراق) – تشهد مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار غربي العاصمة العراقية بغداد حالة من التململ بعد رواج دعوات لتنظيم تظاهرات احتجاجية شكّكت مصادر مطلّعة في خلفيتها المطلبية والاجتماعية، مؤكّدة ارتباطها الوثيق بالصراع الانتخابي الذي بدأ يحتدم بين قطبين متنافسين بضراوة على زعامة سنّة العراق خلال المرحلة المقبلة التي ستشهد إجراء انتخابات برلمانية مبكّرة في العاشر من أكتوبر القادم.
وبداية من ليل الخميس تقاتر العشرات من المحتجين إلى المدخل الشرقي للأنبار قادمين من عدّة محافظات وأطلقوا على أنفسهم اسم “أحرار العراق”، طالبين من القوات الأمنية في سيطرة الصقور السماح لهم بالعبور نحو مركز المحافظة للاحتجاج والتظاهر هناك، دون أن يتمكّنوا من ذلك.
وشهد العراق منذ خريف سنة 2019 انتفاضة شعبية غير مسبوقة تركّزت في محافظات وسط وجنوب البلاد موطن الغالبية العظمى من أبناء الطائفة الشيعية، لكنّها لم تشمل مناطق السنّة في محافظات شمال وغرب البلاد، باستثناء احتجاجات محدودة نسبيا في عدد من مناطق كردستان العراق.
مقتدى الصدر: محاولة التظاهر في الأنبار استهتار طفولي من أتباع الأحزاب
وأرجع متابعون للشأن العراقي اقتصار انتفاضة أكتوبر على مناطق الشيعة دون السنّة إلى كون الاحتجاجات كانت بمثابة ثورة على حكم الأحزاب الشيعية من داخل حاضنتها الشعبية، بالإضافة إلى أن هشاشة الوضع الأمني في مناطق غرب وشمال العراق وتربّص فلول تنظيم داعش بتلك المناطق كانا سيجعلان أي احتجاجات كبيرة هناك ذات خطورة عالية على السكان الذين ما زالوا يعانون تبعات حقبة الحرب الدامية ضدّ التنظيم والتي دارت في مناطقهم بين سنتي 2014 و2017.
وعلى هذه الخلفية أثار التململ الشعبي في الأنبار، أكبر المحافظات السنية في العراق، في هذا التوقيت بالذات قبل أقل من شهرين على موعد الانتخابات البرلمانية شبهة ارتباطه بالصراع المتصاعد بين كلّ من رئيس البرلمان محمّد الحلبوسي، الذي كان قد تقدّم إلى واجهة المشهد السياسي حتى وصل إلى المنصب المرموق الذي يحتلّه الآن من بوابة شغله لمنصب محافظ الأنبار في الفترة التي تلت مباشرة الحرب ضدّ داعش وكانت له بصماته في تطبيع الأوضاع في المحافظة وخصوصا الأمنية منها بالإضافة إلى إطلاقه بداية عملية إعادة إعمار وترميم للمنشآت الخدمية المدمّرة الأمر الذي انعكس نسبيا على المعيش اليومي للسكّان، وبين خميس الخنجر الذي يخشى ترسيخ مكانة الحلبوسي الذي لا يتجاوز العقد الرابع من عمره كزعيم لسنّة العراق ويحاول الإطاحة به في الانتخابات القادمة.
ويُحسب الحلبوسي ضمن معسكر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي المتّهم من قبل القوى السياسية والفصائل الشيعية المسلّحة الموالية لإيران بالانحياز إلى الولايات المتّحدة و”التبعية لها”، بينما أصبح خميس الخنجر رجل الأعمال الثري مدعوما بشكل واضح من قبل شخصيات وأحزاب شيعية تمارس الدعاية الانتخابية المبكّرة لمصلحته بهدف تقديمه بديلا عن الحلبوسي بعد أن كان بعض تلك القوى يشنّ الحملات ضدّه ويتّهمه بالتبعية لقطر وتركيا.
وكان وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف قد قام قبل عدّة أشهر بزيارة الخنجر في بيته ما اعتبره مراقبون مؤشّرا قويا على دخول زعيم تحالف “عزم” في خدمة طهران.
وجاء التململ الشعبي في محافظة الأنبار كإحدى النتائج الآنية لحالة الاستقطاب السياسي الحاد داخل الطبقة السياسية السنية التي كثيرا ما واجهت اتّهامات بالانتهازية وبمحاولة استخدام المكوّن الذي تدّعي تمثيله لتحقيق مصالحها الشخصية بدل أن تكون في خدمته وتدافع عن مصالحه من مواقعها في نظام المحاصصة الحزبية والطائفية الذي تشارك فيه.
وقالت مصادر مطّلعة إنّ القوات الأمنية تلقّت تعليمات صارمة تقضي بمنع أي نوع من أنواع الحراك الاحتجاجي في الأنبار مخافة دخول فلول تنظيم داعش على خطّه مثلما حدث سنة 2014 في مدينتي الرمادي والفلّوجة.
ومن جهتها تحدّثت مصادر محلية في مدينة الفلّوجة، ثاني أكبر مدن الأنبار، عن زيارة عاجلة قام بها الحلبوسي الخميس إلى المدينة حيث وجه القوى الأمنية ووجهاء العشائر بعدم السماح بإقامة أي نوع من الاحتجاجات.
ونشر قائد عمليات الأنبار الفريق الركن ناصر الغنام منشورا في فيسبوك قال فيه “ليطمئن الأنباريون بأنني ورجالي لن نسمح بالتجاوز على أمن واستقرار الأنبار والعراق”.
ومن جانبه عقد مجلس شيوخ وجماهير الأنبار المقرّب من رئيس البرلمان مؤتمرا صحافيا أصدر خلاله بيانا جاء فيه أن “الأنبار خرجت للتو من أتون حرب طاحنة شنتها عصابات إرهابية تكفيرية كادت تؤدي إلى تمزيق البلاد، وجعلت محافظتنا منكوبة وأهلها مشردين مهجرين”.
وأضاف البيان “حرصا منا على إدامة الأمن والاستقرار فإننا نرحب بمن يأتي ضيفا ومَضَايِفُنَا مفتوحة لهم بعيدا عن التظاهرات أو التجمعات ولغتها السياسية ورسائلها التي جعلتنا ندفع ثمنا باهظا من الدماء”، وذلك في إشارة إلى “المحتجّين” القادمين من محافظات عراقية أخرى ويطالبون بالسماح لهم بدخول الأنبار.
وتعليقا على الأحداث الجارية في المحافظة السنّية قال الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الجمعة إن “محاولة التظاهر في محافظة الأنبار من قبل بعض الجهال إنما هي محاولة لإثارة الفتنة الطائفية ليتغذى عليها بعض الساسة الفاسدين”.
ودعا الحكومة إلى “إنهاء الاستهتار الطفولي من بعض أتباع الأحزاب الذين يدعون التظاهر تحت مسمى تشرين (أكتوبر) وهو منهم براء، بل الكل منهم براء إلاّ بعض الفاسدين الذين يتغذون على أذى الشعب والتبعية للخارج من هنا وهناك”.