كريتر نت – متابعات
بينما تتسع قاعدة اللبنانيين المناوئين للتصعيد العسكري المفاجئ مع إسرائيل على الجبهة الجنوبية واعتباره تعميقا لأزمة الداخل خدمة لأجندات إقليمية، وجد حزب الله في توجيه تهم العمالة والخيانة سبيلا لمواجهة مناوئيه.
بيروت – لجأ حزب الله اللبناني إلى العزف على وتر إثارة النعرات الطائفية والمذهبية وتوظيفها ضد مناوئي أجنداته الإقليمية الموالية لإيران بعد أن أوعز لأنصاره على شبكات التواصل الاجتماعي بتخوين البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الذي دعا الجيش اللبناني إلى إيقاف إطلاق ميليشيات الحزب الصواريخَ على إسرائيل من أجل مصلحة لبنان الذي يعاني أزمات داخلية حادة.
وأدان الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري الحملة التي استهدفت البطريرك الماروني.
ووفق بيان أصدرته الرئاسة اللبنانية الثلاثاء، قال عون في اتصال هاتفي مع البطريرك الراعي إن التعرض للمقام البطريركي وشخص البطريرك “مدان ومرفوض”. وأكد عون أن “حرية الرأي والتعبير مصانة بالدستور، وأي رأي آخر يجب أن يبقى في الإطار السياسي ولا يجنح إلى التجريح والإساءة”.
والأحد طلب البطريرك الماروني من الجيش اللبناني “السيطرة على كامل أراضي الجنوب ومنع إطلاق صواريخ من الأراضي اللبنانية حرصا على سلامة البلاد”، وهو ما دفع ناشطين مؤيدين لجماعة حزب الله إلى شن حملة ضده على مواقع التواصل الاجتماعي وصلت إلى حد اتهامه بالعمالة لإسرائيل تنديدا بالمواقف التي أطلقها.
ميشال عون: التعرض للمقام البطريركي وشخص البطريرك مدان ومرفوض
وشجب الراعي “تَسخينَ الأجواءِ في المناطق الحدوديّة انطلاقًا من القرى السكنيّةِ ومحيطِها”، وعبّر عن عدم قبوله -بحكم المساواة أمام القانون- “إقدامَ فريقٍ على تقريرِ السلمِ والحربِ خارجَ قرارِ الشرعيّة”.
وكتب جنبلاط على تويتر “كنت أتساءل عن الجريمة التي ارتكبها البطريرك الراعي إذ ذكّر باتفاق الهدنة فانهالت عليه راجمات الشتائم من كل حدب وصوب. وأذكّر بالاستراتيجية الدفاعية التي ناقشناها مع الرئيس ميشال سليمان ثم أجهضت. يبدو أنه ممنوع أن نناقش أي شيء خارج الأدبيات لجماعة الممانعة. جو ديمقراطي بامتياز”.
ومن جهته أدان جعجع في مؤتمر صحافي الحملة التي شنت على الراعي معتبرا أنها “خرجت عن الحدود”.
وتوجّه جعجع إلى أمين عام حزب الله حسن نصرالله قائلا “يا سيد نصرالله لو حدثت نفس الظروف في منطقة أخرى كان حدث نفس الأمر وأكثرية ساحقة من الشعب اللبناني لا يريدون هذه الأحداث وما حدث في شويا ليس خيانة ولا عمالة، وأصدق كلام ممكن أن تسمعه يا سيد نصرالله جاء من قرويين يزرعون ليعيشوا، والناس قالت نفس الأمر في كل لبنان خلال الانتفاضة الشعبية وتعبت من معادلتكم”.
واعتبر أن “المسؤولين في حزب الله كالعادة، يتجهون نحو الاتهام بالعمالة بدل التوقف عند حادثة بلدة شويا والتفكير فيها بمنطق”.
واعترض أهالي شويا قضاء حاصبيا (جنوب) عناصر من حزب الله يستعدون لإطلاق صواريخ على إسرائيل من البلدة، ثم قاموا بتوقيفهم وتسليمهم إلى الجيش رفضاً لاستخدام قريتهم منصة، ما أدى إلى احتكاك طائفي في أكثر من محافظة. وكادت الواقعة التي نفخ فيها أنصار حزب الله تتسبب في أزمة بين اللبنانيين.
وانتشر شريط فيديو لأهالي شويا الذين يمثلون الدروز، وهم يعترضون شاحنة محملة براجمات صواريخ، بينما كان حزب الله يُعلن مسؤوليته عن هذه العملية في بيان، واعتبرها رداً على القصف الذي استهدف منطقة الدمشقية جنوبي لبنان ليل الأربعاء – الخميس الماضيين.
وتدخل الجيش اللبناني وعدد من أهالي القرية لتهدئة الوضع. وبعد فترة من احتجاز الشاحنة وسائقها ومرافقيه، وعددهم أربعة، تحركت عناصر من الجيش ومخابراته، وعملت على التحفظ على الشاحنة، وكذلك الُشبان، في ظل اعتراض بعض أهالي المنطقة، فيما حاول بعضهم إنهاء المشكلة سريعا ومساعدة الجيش على سحب الآلية وترك المحتجزين، وهو ما حدث بالفعل.
وبعدما أصدر حزب الله بيانه الخاص بتبني عملية إطلاق الصواريخ عاد فقال في بيان لاحق “لدى عودة المقاومين من عملهم، وأثناء مرورهم بمنطقة شويا في قضاء حاصبيا، أقدم عدد من المواطنين على اعتراضهم، بعدما قاموا عند الساعة 11:15 من ظهر يوم الجمعة بالردّ على الاعتداءات الصهيونية على لبنان باستهداف محيط مواقع العدو الإسرائيلي في مزارع شبعا بصليات صاروخية من مناطق حرجية بعيدة تماماً عن المناطق السكنية، حفاظاً على أمن المواطنين”.
سمير جعجع: مسؤولو حزب الله كالعادة يتجهون نحو الاتهام بالعمالة
واعتبر حزب الله في بيانه أن “المقاومة الإسلامية كانت ولا تزال وستبقى من أحرص الناس على أهلها وعدم تعريضهم لأيّ أذى خلال عملها المقاوم، وهي التي تدفع الدماء الزكية من شبابها لتحافظ على أمن لبنان ومواطنيه”.
وعلى الفور بدأت حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، فظهر من يرفض قيام حزب الله بإطلاق صواريخ من مناطق قريبة من السُكان، كما ظهر من يعترض على هذه العملية بوصفها عملاً إيرانياً.
ويرى مراقبون أن حزب الله أعطى أنصاره على مواقع التواصل الاجتماعي الضوء الأخضر لتخوين الطوائف اللبنانية غير المسلمة واتهام من رفض تصعيده وتسخينه لجبهة الجنوب بالعمالة لإسرائيل عندما أشار في بيانه إلى أن “المقاومة الإسلامية تدافع من أجل أمن لبنان” ما يجرد غير المسلمين من الموارنة الذين يمثلهم الراعي والدروز من صفة المقاومين والمدافعين عن لبنان.
وكشف حادث منع الحزب من إطلاق الصواريخ رفض فئات من اللبنانيين لأنشطة حزب الله التي تجر البلاد إلى معارك غير محسوبة مع إسرائيل، خاصة أن الحزب يفكر فقط في مكاسبه السياسية ومكاسب إيران من المواجهة دون أن يضع في اعتباره الخسائر في الأرواح والممتلكات التي يتعرض لها السكان خلال كل مواجهة.
ويظهر تصدي مجموعة من اللبنانيين وبشكل علني لمقاتلي الحزب أن الأوضاع لم تعد في صالحه، وأن اللبنانيين لم يعودوا قادرين على السكوت عن أجندات الحزب العسكرية والسياسية التي تضع لبنان كواجهة لها.
وفي أبريل الماضي هاجم الراعي حزب الله، مؤكداً أن الحزب يشكل “قوة عسكرية إيرانية وليست لبنانية”.
وفي حديث متلفز قال الراعي إن حزب الله “قوّة عسكرية إيرانية في لبنان”، مذكراً بـ”القرارات الدولية الصادرة والتي تتعلق بموضوع السلاح وكل الميليشيات على الأرض اللبنانية وبقضية بسط سيطرة الدولة على أراضيها”.
وأكد على “ضرورة اعتماد الحياد في النزاعات الإقليمية لإنقاذ لبنان من المزيد من الفوضى”، لافتاً إلى أن “لبنان كان في ما مضى سويسرا الشرق الأوسط، ولكنه اليوم جهنم، وهذا ليس بالأمر الذي يمكننا أن نفخر به”.