كريتر نت – متابعات
خسر الإعلام التونسي فرصة أن يكون مصدر الخبر للإعلام العربي والدولي في الحدث الاستثنائي الذي تمر به تونس، وذلك بسبب ضعف تغطيته وعدم مواجهته لحملة التشويه الممنهجة من القنوات القطرية والإخوانية لما يجري.
تونس – يواجه الإعلام التونسي انتقادات لاذعة بسبب ضعف تغطيته للأحداث الجارية في البلاد مقارنة بوسائل الإعلام الأجنبية، إلى جانب حملة من المنابر القطرية والإخوانية التي تتهمه بدعم ما تسميه “انقلابا”، في حين أن قيادات حركة النهضة وغيرهم من السياسيين يتاح لهم الحديث بكل حرية على سائر وسائل الإعلام التونسية.
وفوتت القنوات التونسية الفرصة بأن تكون مصدر الخبر للحدث الذي تصدر نشرات الأخبار العربية والدولية، فمنذ بداية الإعلان عن القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد مساء الأحد الماضي والمتعلّقة بتفعيل الفصل 80 من الدستور، في بث مباشر على القناة الوطنية التونسية، كانت القنوات التلفزيونية الأخرى تبث برامجها الترفيهية ومسلسلاتها الدرامية بشكل اعتيادي، ولم تتفطن لما يجري حتى وقت متأخر، حين امتلأت الشوارع التونسية بالمواطنين المرحبين بالقرارات، ومواقع التواصل الاجتماعي بالبث المباشر للأحداث.
وأعرب الكثير من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي عن استيائهم من أداء الإعلام التونسي، الذي بدا هزيلا ومتواضعا في تفسير رؤية التونسيين ونقل الوقائع ووجهات النظر المختلفة والتركيز على الخصوصية التونسية وتميزها عن التجارب الأخرى التي يحاول الإعلام القطري والإخواني إسقاطها بشكل مشوه على الحدث التونسي.
وقال متابعون إن قناة الجزيرة القطرية مارست التضليل ونشر الأخبار الكاذبة بصورة فاضحة، فيما بدا شعار الرأي والرأي الآخر لا يمت للحقيقة بصلة في التغطية الإخبارية وصور المظاهرات التي اجتاحت بعض المناطق ضد حركة النهضة، إذ بثت صور للمتظاهرين ضد النهضة على أنها للموالين لها، فيما غيبت صور ومقاطع الفيديو للمظاهرات الحقيقية والتي انتشرت بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبالمثل تعاملت المنابر الممولة قطريا والمحسوبة على الإسلاميين مع ما يجري في تونس، وعتمت بشكل تام على آراء التونسيين أشخاصا ومنظمات وهيئات مؤيدة لقرارات الرئيس، في انحياز تام للنهضة وحلفائها، وبما يتنافى مع المعايير الصحافية والمهنية، والذي مثل فرصة للإعلام التونسي أن يكون في مستوى الحدث وينقل الصورة الحقيقية بوضوح ومصداقية بتغطية مكثفة تواجه ادعاءات الإعلام الإخواني.
ودعت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري “الهايكا” كل مؤسسات الإعلام السمعي البصري إلى القيام بوظيفتها في الإخبار ونقل الأحداث وتقديم المعلومة للمواطن بعد التثبت والتحري في صدقيتها.
المشاهد التونسي ينتظر من القنوات المحلية برامج تنقل حقيقة ما يحصل، مع انتشار الأخبار الزائفة في الإعلام الأجنبي
وطالبت الصحافيين بضرورة القيام بدورهم بكل مسؤولية في هذا الظرف الاستثنائي من خلال الالتزام بقواعد المهنة وأخلاقياتها والتحلي بأعلى درجات الموضوعية والنزاهة.
ولم تستفد وسائل الإعلام التونسية من الدرس السابق، حيث واجهت سيلا من الانتقادات لغياب تغطية القنوات العمومية والخاصة للمظاهرات التي جابت العديد من محافظات تونس صباح الأحد في الخامس والعشرين من يوليو، وحمّل المتظاهرون مسؤولية سوء الأوضاع في البلاد لحركة النهضة الإسلامية، بشكل خاص، وذلك في نفس اليوم الذي جرى فيه الإعلان عن القرارات الرئاسية بحل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة ورئيس البرلمان.
وبمتابعة بعض القنوات التلفزيونية العمومية والخاصّة، يجد المشاهد فقط أفلاما ومسلسلات مدبلجة وبرامج فكاهية ولا أثر للاحتجاجات التي حصلت ولا حتى لذكرى عيد الجمهورية.
وتوجّهت انتقادات لاذعة للإعلام العمومي واتُهم بالتعامل والولاء لبعض الأطياف السياسية، بينما بث التلفزيون الوطني في نشرة الأخبار الرئيسية في الثامنة مساء بتوقيت تونس تقريرا لا يتجاوز أربع دقائق عما يحصل من احتجاجات في المحافظات التونسية.
وكان المشاهد التونسي ينتظر أن يجد في القنوات التلفزيونية العمومية والخاصّة برامج تنقل له بكلّ مصداقية وحرفية حقيقة ما يحصل في تونس من احتجاجات، خاصّة أنّ العديد من القنوات الأجنبية باتت تعتمد نشر الأخبار الزائفة، وفق أجندتها السياسية.
ودعت “الهايكا” الصحافيين ووسائل الإعلام إلى الحرص على تقصي الخبر واستقائه من مصادره وتقديم المعلومة الدقيقة والثابتة وتوخي الحذر من الأخبار المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي التي قد تكون زائفة أو مضللة. كما حذرت من محاولات استغلال المنابر الإعلامية لبث خطابات التحريض على الكراهية والعنف.
وذكّرت الهيئة القنوات التلفزيونية والإذاعية بضرورة التشبث باستقلالية خطها التحريري والتصدي إلى أي محاولة للاستغلال والتوظيف
وأكدت ضرورة التشبث بالحق في حرية التعبير والإعلام وعدم التفريط في هذا المكسب تحت أي ظرف ودعت رئيس الجمهورية إلى ضمان هذه المبادئ الدستورية وتكريسها على أرض الواقع.
ويحسب للإذاعات التونسية ومواقعها الإلكترونية متابعة الأوضاع بكلّ تفاصيلها، وتناول جميع وجهات النظر، والتحليلات السياسية للمؤيدين والمنتقدين للقرارات الرئاسية، وإتاحة المجال لجميع الأطياف السياسية بشرح رؤيتها للقضية، متفوقة بذلك على القنوات التلفزيونية المختلفة.
وشابت المشهد الإعلامي بعض النقائص والإخلالات بتأثير من لوبيات المال والسياسة. ووفق الهايكا، فإن معالجة ذلك لن تكون إلا من خلال تأصيل حرية التعبير وتقنين مؤسساتها وتطوير الإطار المنظم لحرية الاتصال السمعي البصري وفق المعايير الدولية وإعلاء سلطة القانون، ودعت القنوات غير القانونية إلى التوقف عن البث وتحملها مسؤولية ما يمكن أن ينجر عن الخطابات التحريضية التي تبثها.
وأكدت نقابة الصحافيين على مساندتها المطلقة للمطالب المشروعة التي رفعها التونسيون خلال تحركاتهم الاحتجاجية في عيد الجمهورية على خلفية تردي أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والصحية والناتجة عن فشل منظومة الحكم برمته.
وصرحت نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين أميرة محمد في تعليقها على القرارات الأخيرة لرئيس الجمهورية سعيد أنهم طالبوا رئيس الدولة بتوضيح خارطة الطريق.
واعتبرت محمد خلال مداخلة في برنامج إذاعي أن الحريات وخاصة حرية الإعلام والصحافة خط أحمر، وشددت على أن هذا الخطاب موجه لكل الأطراف وليس لرئيس الدولة فقط.
وأضافت أن نقيب الصحافيين محمد ياسين الجلاصي التقى الرئيس سعيد وذلك بطلب منه.
ودعت النقابة الصحافيين ومختلف المؤسسات الإعلامية إلى التحلي بروح المسؤولية في هذا الوضع الدقيق، والتقيد بأخلاقيات المهنة والتثبت من الأخبار وعدم بث خطابات الكراهية والعنف والتحريض سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو في المواد الصحافية.