كتب – محمد علي محسن
( حُمادي ) كانت ( فاطمة ) ( زوجته ) قد وضعت جنينها مُنتصف ليلة شتوية باردة ، وأول شيء طلبته من بعلها هو كسرة خبز تسكت بها صيحات معدتها المُسغبة..
ولأنه لا يمتلك في داره غير كوز ماء ورحى واقفة ملتاعة – هي الأخرى – لرائحة الحبوب ؛ فلقد قصد جاره وقريبه في ذات الوقت ( سلطان ) كي يمدّه بما تيسر من حبيبات الذُرة أو الحِنطة ، فاعتذر وحلف يمينًا بأنه لا يجد في بيته شيئًا يُسد به رمقه .
عاد ( حُمادي ) بنفسٍ منكسرة ووجه مُكَفهر ، فلأول مرة يجد ذاته في موضع لم يحسب له حسابه ، فما هو معلوم عن قريبه هو أنه ميسور الحال مقارنة بعوز جيرانه ، وكان بمقدوره مساعدته ، ومع ذلك خذله .
ذهب مسرعًا لجاره الأخر ( حُسين ) ممنيًا نفسه هذه المرة بشيء لزوجته ، لكنه قُوبل بلؤم شديد لم يخطر بباله أبدًا .
طَفَقَ عائدًا إلى مسكنه المتواضع، بذهن شارد ساخط على جاريه المُقرّبين والمُسلمين ، وبينما هو في سبيله راودته فكرة طَرقِ باب جاره اليهودي ( ابن مناحيم ) علَّه ينجده ويحفظ ماء كرامته ، فيعطيه شيئًا بدلًا من إيابه بيدين فارغتين .
تسلل خلسة إلى دار اليهودي ، وحين أجابه شرع يُحدّثه عن حالة زوجته ، ففهم مُراده فقصد مخزن مؤنه ، جالبًا الخبز وحبيبات الحنطة ، بل زاد على طلب القبيلي قنينة سمن بلدي ..
غادر ( حُمادي ) والبهجة تسبقه ، وقبل أن يدلف مسكنه تذكَّر أن لديه ما يود قوله لجاره اليهودي الذي كان طيبًا معه ، وكيف أنه لم يثن على فعله الكريم ؟.
عاد ثانية ، وعندما وقف بوجه ( ابن مناحيم ) قال له : أفدي هذين الزنارين المتدللين في صدغك مثل حبل إنقاذ ؛ أردت فقط نصحك : احذر تَسْلِم ، قدك على اليهودة ما أحسنك !.
نَفَض ما في سريرته ، ومضى ضاحكًا فرحًا من كرم اليهودي ، وهازئًا من لؤم جاريه وقريبيه …
* هذه الحكاية وقعت في قريتي( القُرضي ) في جبل جحاف، قُبيل هجرة اليهود إلى فلسطين؛ في هزيع أربعينيات القرن الفائت ، فقط ، استخدمت أسماء مغايرة ..