(بوركينا فاسو) – كريتر نت
دفعت صعوبة تحقيق انتصارات عسكرية على الجماعات المتشدّدة في منطقة الساحل الأفريقي حكومات المنطقة وخاصة مالي، إلى التفاوض مع الجهاديين من أجل تهدئة أعمال العنف. لكن ورغم النتائج الإيجابية المحققة بفضل هذا الخيار بحسب قريبين من هذا الملف الحساس، تتمسك فرنسا برفضها القاطع المشاركة أو دعم هذا التمشي خشية أن تعزز الهدنات من قوة الجهاديين.
وتشكل سياسة التفاوض التي يتّبعها بعض زعماء القبائل في منطقة الساحل الأفريقي وبدعم من السلطات مع الجهاديين، منعطفا جديدا في التعامل مع الجماعات المتطرفة كونها ستساعد في التقليل من مستوى العنف هناك رغم رفض فرنسا القوة الأبرز في المنطقة السير في هذا النهج.
وتلقى الأمير جبريل ديالو بعد عامين من الفرار من مسقط رأسه في بلدية تيو إلى الشمال من بوركينا فاسو عقب تلقيه تهديدات بالقتل من متطرفين إسلاميين، عرضا غير مسبوق بالعودة والمشاركة في محادثات سلام مع نفس الأشخاص الذين أرادوا قتله.
واتصل أداما ويدراوجو نائب رئيس البلدية بديالو في يناير الماضي، لتقديم المساعدة في التفاوض على إنهاء هجمات الجهاديين التي استمرت سنوات على الميليشيات المحلية والمدنيين ودفعت الآلاف من الأشخاص إلى الفرار من المنطقة. وقال ديالو، وهو زعيم محلي لرعاة قبائل الفولاني “قلت لهم إنني مستعد للعودة إذا تحلى الجميع بالجدية”.
محمد ساوادوجو: مثل هذه الهدنات أدت إلى تهدئة العنف لكن نطاقها محدود
وظلت جيوش دول غرب أفريقيا وحلفائها الدوليين تحارب على مدى عقود الجماعات المسلحة النشطة في منطقة الساحل وبعضها على صلة بتنظيمي القاعدة وداعش. وقد حققت نجاحا محدودا في ظل استمرار الهجمات على المدنيين خلال أغلب أوقات العام وبقاء مناطق شاسعة خارج سيطرة الحكومة. وقد قتل المئات من الجنود منذ بداية سيطرة المسلحين على مساحات كبيرة من مالي في 2012.
ويجري الزعماء المحليون حاليا في أكثر المناطق تضررا في بوركينا فاسو ومالي محادثات غير رسمية مع المسلحين. ولا تعترف الحكومات علنا بهذه المناقشات لكن خمسة مصادر مطلعة قالت لرويترز إن السلطات تدعمها، وسط رفض فرنسي بشأن مثل هكذا خطوات.
وتقول فرنسا، الحليف العسكري والقوة الاستعمارية السابقة التي لديها قوات قوامها 5100 فرد في المنطقة لدعم القوات المحلية، إن المسلحين سيستفيدون من الهدنات في إعادة تنظيم صفوفهم وإعادة التسلح وتجنيد أفراد. وأكد الرئيس إيمانويل ماكرون مجددا الخميس معارضته للمحادثات. وقال إن القوات الفرنسية لن تقوم بعمليات مشتركة مع دول “تقرر التفاوض مع جماعات تطلق الرصاص على أطفالنا”.
لكن هناك مؤشرات أوّلية على أن هذا التواصل قد يوقف إراقة الدماء في المناطق التي تتعرض لذلك. وتُظهر البيانات، التي جمعها مشروع أماكن وأحداث الصراع المسلح في أقاليم الشمالي والساحل وبوكل دو موهون في بوركينا فاسو ومقره الولايات المتحدة، انخفاضا ملحوظا في أعداد القتلى الناجمة عن الصراع رغم أن عوامل أخرى من بينها الهجمات العسكرية الأخيرة كان يمكن أن تلعب دورا.
وانخفضت أعداد القتلى في المعارك ونتيجة العنف ضد المدنيين في الإقليم الشمالي من 65 في الربع الأول من 2020 إلى 26 في الربع الأول من 2021. وانخفضت في إقليم الساحل من 487 إلى 191 كما انخفضت في إقليم بوكل دو موهون من 66 إلى صفر.
وقال محمد ساوادوجو، وهو باحث في القضايا الأمنية وعضو سابق في قوات الدرك البوركينابي لرويترز إن “مثل هذه الهدنات أدت إلى تهدئة العنف لكن نطاقها محدود في إطار مناطق بعينها”.
وأظهر هجوم خلال الأسبوع الماضي على قرية سولهان القريبة من الحدود مع النيجر، حيث لقي 132 شخصا على الأقل حتفهم مدى خطورة المنطقة. ولم يُعرف عن القرية أنها كانت تتفاوض للوصول إلى اتفاق مع الجهاديين.
وفي بلدية تيو الواقعة في منطقة شاسعة من الأدغال القاحلة على بعد 20 كيلومترا من الحدود مع مالي، توصل ديالو وآخرون إلى هدنة في فبراير مع المسلحين الذين يقولون إنهم على صلة بفصيل محلي تابع لتنظيم القاعدة.
وقال ديالو، وهو صاحب مطعم ولا تربطه أي صلة بجبريل ديالو، إلى ساحل العاج في عام 2019 بعدما بدأ الجهاديون الاشتباك مع جماعات محلية وعاد إلى بلدته عقب المحادثات إن حركة التجارة عادت من جديد وكذلك الآلاف من النازحين.
وعقدت أول اجتماعات في ديسمبر الماضي سرّا في غابة خارج تيو في المنطقة الشمالية من بوركينا فاسو. وقال ويدراوجو الذي رتب لعقد الاجتماعات إنه ظل على تواصل مع بعض من انضموا إلى صفوف الجماعات المسلحة. وكان برفقته قائد مجموعة من المقاتلين المتطوعين المدعومين من الجيش والمعارضين للمتطرفين.
ويسترجع ويدراوجو ما جرى في تلك الاجتماعات ويقول “في بداية المفاوضات لم يكن الأمر سهلا على الإطلاق فقد جاء المتشددون وهم مدججون بالسلاح”. والتقوا سبع مرات قبل أن يتفق الجانبان على إمكانية عقد محادثات أكثر رسمية. وأبلغ ويدراوجو رئيس البلدية وزعماء القرى وديالو، وهو شخصية نافذة بين رعاة قبائل الفولاني ويعتبره المتشددون كذلك محاورا يحظى بالاحترام على الرغم من أنهم هددوه من قبل.
وقال إن ديالو انضم للعملية وبعد اجتماع آخر عاد المتشددون لرؤسائهم وأطلعوهم على الأمر. وقال مشاركون آخرون في المحادثات طلبوا عدم ذكر هوياتهم، إن رئيس بلدية تيو حاكم المنطقة، وهو مسؤول تعينه الحكومة الاتحادية، اطلع على الأمر أيضا.
وخلال فبراير الماضي، جاء قرابة 400 من المتشدّدين، بعضهم من مالي حيث مقر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المتطرفة التي بايعت تنظيم القاعدة، لإتمام عملية السلام. وكان الشرط الأساسي للمتشدّدين أن يوقف المقاتلون المتطوعون دورياتهم، إذ يتهمونهم بسرقة الدراجات النارية والماشية وقتل مدنيين يشتبه في تعاطفهم مع الإسلاميين.
وذكر ويدراوجو وديالو أن المفاوضين وافقوا وسمحوا للمتشددين وعائلاتهم بالتجارة في السوق وتلقي الرعاية الطبية في المدينة. وتعهد المتشددون في المقابل بوقف الهجمات ورفع أي حصار فرضوه.
ويقول مصدر مشارك في المحادثات في بوركينا فاسو ومالي إن ما كان يقيّد السلطات هو المعارضة الفرنسية للتفاوض مع المتشددين، وأضاف أن الوقت كان عاملا حاسما بينما بدا أن التواصل مع المتشددين قد بدأ يثمر.
وهدد ماكرون خلال مؤتمر صحافي عقده الخميس وأعلن فيه وقف عمليات بلاده في منطقة الساحل الأفريقي وأنها ستدمج قواتها في حملة دولية أوسع نطاقا، بوقف التعاون مع الدول التي تتفاوض مع المتشدّدين. وقال ماكرون “لا أعلم كيف أفسر لوالدي وهو جندي فرنسي سقط في ميدان القتال سبب إرسال إخوته للقتال جنبا لجنب مع جيش قرر التفاوض مع قاتليه”.
وبعد أن ندّد بالغموض المحيط بالأمر، قال ماكرون إن شرط فرنسا الوحيد لاستئناف العمليات العسكرية المشتركة مع جيش مالي، والتي توقفت بعد انقلاب وقع الشهر الماضي، هو التزام مالي بعدم التفاوض مع المتشدّدين.
وأشاد زعماء مالي علنا بفكرة المحادثات لكنهم أبقوا الخطوات الملموسة للسعي للتفاوض سرا طي الكتمان. وقال بوكاري ديالو أحد مفاوضي المجلس الإسلامي الأعلى، وهو الهيئة الإسلامية الأساسية في مالي، إن ممثلين عن المجلس في نيونو بوسط البلاد قادوا مفاوضات هذا العام مع متشدّدين لهم صلة بالقاعدة وأسفر ذلك عن عقد اتفاق للسلام في مارس.
وقال ديالو إن الضوء الأخضر منح للمجلس في اجتماع حضره زعماء دينيون وأربعة من وزراء الحكومة، لكن الحكومة لم توافق على الأمر رسميا أبدا.
المصدر : العرب اللندنية