كريتر نت – تونس
ما بدأ خجولا وجانبيّا تحول إلى أحدث حلبات الصراع السياسي في تونس: من يسيطر على الدبلوماسية في البلاد؟
فبعد مواجهة كانت تبدو تحديا ينبغي أن يتراجع عنه رئيس البرلمان راشد الغنوشي بزيارته إلى تركيا وتم تبريرها على أنها زيارة شخصية أو حزبية، تحولت الدبلوماسية إلى ساحة صراع إضافية للرئاسات الثلاث بعد تصريحات وتصريحات مضادة من الرئيس التونسي قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي وبيان صريح من حركة النهضة.
وقال قيس سعيد مخاطبا المشيشي خلال لقاء بينهما “أنت تعرف أن وزير الخارجية عضو في الحكومة لكن الدبلوماسية من صلاحيات رئيس الجمهورية”، وذلك في إطار الجدل الواضح الناتج عن زيارة رئيس الحكومة إلى ليبيا ورئيس البرلمان راشد الغنوشي إلى قطر.
وفيما تمسك قيس سعيد بالاحتفاظ بالملف الدبلوماسي، ووجه انتقادات كثيرة خاصة للغنوشي، فإن الوضع الحالي يسير نحو وجود دبلوماسيتين متوازيتين كأمر واقع، الأولى يمثلها رئيس الجمهورية، وزياراته الخارجية محدودة، والثانية لرئيس البرلمان ورئيس الحكومة ووزير الخارجية عثمان الجرندي الذي يحاول أن يوفق بين الفريقين.
وما يثير الانتباه أن الصراع على مهمة الدبلوماسية لم يقف عند حدوده الداخلية، بل صار جزءا من لعبة الاستقواء بالخارج خاصة من رئيس البرلمان الذي بات يعي تماما الفرصة التي أمامه من تراجع المحور المضاد للإخوان في المنطقة وأن قيس سعيد سيغرد وحيدا.
ويفاخر الإسلاميون بزيارة الوفد الحكومي إلى ليبيا والنتائج المشجعة التي حققها على الأقل في مستوى الوعود التي تعهد بتقديمها الليبيون مثل وديعة بمليار دولار، أو إعطاء الأولوية للشركات والمؤسسات التونسية في المشاريع خاصة في الغرب الليبي.
وصارت المراهنة على الخارج بندا سياسيا علنيا لدى الأحزاب والشخصيات البارزة بعد أن كانت تتم في الخفاء.
ولا يخفي الإعلام المحسوب على حركة النهضة احتفاءه بسيطرة من يسميهم أصدقاء تونس على الحكومة الانتقالية الجديدة في ليبيا، في إشارة إلى الوزن المؤثر للإسلاميين في حكومة عبدالحميد الدبيبة.
ومن قبل زيارة الغنوشي لقطر بداية الشهر يركز إعلام حركة النهضة ونشطاؤها في مواقع التواصل على أن تحركات رئيس البرلمان ستجلب إلى تونس حلولا مالية واقتصادية وصحية بالاعتماد على علاقاته الشخصية وإشعاعه، في غمز واضح إلى محدودية علاقات قيس سعيد.
وجاء بيان حركة النهضة الخميس ليعكس هذا التلويح بحل كل مشاكل تونس من خلال تحركات الغنوشي.
وقال البيان إن المكتب التنفيذي للحركة يتابع “الجهود والمبادرات التي يقوم بها رئيس الحركة، رئيس البرلمان ورئيس الحكومة وفريقها في الآونة الأخيرة للحد من ضغوط المالية العمومية وتحريك الاقتصاد الوطني وتوفير اللقاحات ومضاعفة حملة التطعيم”.
سلبية الأطراف الحزبية والشعبية تترك قيس سعيد وحيدا في مواجهة الإسلاميين
وذكر البيان أن المكتب التنفيذي “يثني على هذه المبادرات ويدعو إلى مضاعفتها وإلى التركيز على أولويات المرحلة ومنها بالخصوص توفير اللقاحات وتعميمها وتعبئة الموارد المالية الضرورية لنفقات الميزانية وإنعاش الاقتصاد وحماية الفئات الاجتماعية الضعيفة والمتضررة من أزمة الكوفيد”.
وتعي حركة النهضة أن العامل الخارجي قد يكون حاسما لأنه إما يوفر الدعم المالي كحالة ليبيا أو السياسي كتركيا أو الاثنين معا حيث تكون الحالة متجسدة في قطر العائدة بقوة إلى دورها في المنطقة بعد احتجاب -دون تخل- دام أكثر من ثلاثة أعوام، وهو وضع قد يعيد حركة النهضة إلى الواجهة مجددا.
وتتوقع أوساط تونسية أن زيارة المشيشي لقطر قد تحمل معها وعودا مهمة خاصة في موضوع اللقاحات الذي يمثل عنصر ضغط على الرؤساء الثلاثة وعلى البلاد ككل، وهو أمر إن تحقق فسيوفر ورقة لحركة النهضة لتستمر في الضغط على قيس سعيد ومحاصرته.
وفي مقابل رهان حركة النهضة على دعم أصدقائها تشهد البلاد غيابا لافتا لحلفاء تونس التقليديين خاصة من أوروبا التي بدت منكفئة على نفسها بسبب الوباء، وفي الوقت نفسه تترقب ما سيؤول إليه الصراع على الصلاحيات بين الرؤساء الثلاثة في تونس.
تضاف إلى ذلك السلبية الحاضرة بقوة من قبل الأطراف الحزبية والشعبية التونسية مما يترك المجال مفتوحا أمام صراع بين الرؤوس الثلاثة تكون فيه الأولوية لحركة النهضة وحلفائها، فيما يكتفي كثيرون، بمن فيهم ممثلو الحزام السياسي الداعم للرئيس سعيد، بالمشاهدة عن بعد.
وأعلنت الرئاسة التونسية الخميس أن رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي سيجري زيارة إلى البلاد في التاسع والعشرين من مايو الجاري.
وقالت الرئاسة في بيان إن “الزيارة تندرج في إطار تعزيز روابط الأخوة المتينة والتاريخية وعلاقات الشراكة الراسخة القائمة بين البلدين بمختلف المجالات (…)، فضلا عن مواصلة التشاور والتنسيق بخصوص المسائل الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”.
وتأتي الزيارة المرتقبة بعد أسبوع من زيارة أجراها رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي إلى ليبيا، جرى خلالها توقيع عدد من اتفاقات التعاون التجارية.
وسبقت ذلك زيارة أجراها الرئيس التونسي قيس سعيد إلى ليبيا في مارس الماضي، عقب منح البرلمان الليبي الثقة لحكومة الدبيبة.
المصدر : العرب اللندنية