كريتر نت – صحف
باتت الحقيقة نفسها ضحيّة مشتركة لأطراف النزاع اليمني، وسبباً رئيسياً في تحويل ما يجري إلى “صراع منسي”.
فخلال الفترة الماضية، استحوذت الأعمال القتالية المتصاعدة منذ 3 أشهر في محافظة مأرب على اهتمام المجتمع الدولي الساعي لإحياء عملية السلام. وعلى الرغم من خطورة الوضع الذي ينتظر أكبر تجمع للنازحين على مستوى اليمن، إلا أن المشهد العسكري لا يزال ضبابياً، في ظل التعتيم الحاصل في نقل الصورة لحقيقة ما يجري على الأرض. وخلافاً للانفتاح المحدود الذي شهدته باقي جبهات القتال اليمنية أمام وسائل الإعلام المستقلة المحلية والدولية، كانت جبهات مأرب صعبة المنال للمراسلين الحربيين والباحثين عن الحقيقة، في ظل استعار القتال داخل مناطق صحراوية ونقاط تماس صفرية يصعب اختراقها.
ومنذ تكثيف الهجمات الحوثية العدائية على مأرب مطلع فبراير/شباط الماضي، لجأت المليشيات الحوثية لإخفاء مكاسبها الميدانية على غير العادة، حيث اكتفت وسائل إعلامها الرسمية بنشر إحصاء يومي للغارات الجوية التي تشنها مقاتلات التحالف بقيادة السعودية، دون الإشارة بشكل مطلق للتطورات الميدانية التي كانت تفاخر بتحقيقها ولو على مستوى مربعات جغرافية صغيرة في محافظات أخرى.
في المقابل، انتهجت القوات الحكومية ذات المسار. وعلى الرغم من شراسة الهجمات الحوثية التي شردت نحو 22 ألف نازح خلال الأشهر الماضية، إلا أن الإعلام الرسمي افتقر للمهارات المطلوبة، سواء في نقل التبعات الحاصلة بالجانب الإنساني أو إبراز حجم التضحيات التي تقدمها القوات الحكومية، حتى وإن كان دور تلك القوات يقتصر على التموضع في الجانب الدفاعي.
كانت الأهداف الحوثية من وراء التعتيم واضحة للعيان، وهي” مراوغة المجتمع الدولي” الذي يضغط بقوة لوقف الهجوم الذي يهدد أكبر تجمع للنازحين على مستوى اليمن، وجعل القوى الكبرى أمام أمر واقع بإسقاط مدينة مأرب، لكن الإعلام العسكري الحكومي، الذي كان يتجاهل التطرق لأي انكسارات ميدانية، لم يكتفِ بالمشاركة في تغييب الحقيقة، بل أصرّ على إطلاق مسميات عائمة للمناطق التي لا تزال تتمركز فيها قواته، وفقاً لخبراء.
وأشعلت مواجهات مأرب، معركة إعلامية من نوع آخر سببها غياب الحقيقة، فبعد تقارير صحافية تطرقت إلى اختراق ميداني للحوثيين، تعاملت الحكومة الشرعية مع ما نُشر بشن حملة تكذيب مضادة، واتهمت على لسان وزير الإعلام معمر الإرياني وكالات الأنباء الدولية بـ”بالوقوع تحت طائلة التضليل الذي تمارسه آلة الدعاية الإيرانية ـ الحوثية “. وفتحت الجلبة المثارة مؤخرا ملفاً هاماً حول أزمة الحصول على المعلومة من معركة مأرب، وتواضع الأداء الإعلامي الحكومي في مواكبة المتغيرات وإظهار الحقائق للرأي العام الدولي والمحلي.
دعاية سياسية
على مدار سنوات النزاع اليمني الممتد منذ 6 سنوات، دأبت جماعة الحوثيين على سياسة تضليل الرأي العام بدرجة أساسية كجزء من الحرب النفسية ضد خصومها في القوات الحكومية، حيث تكفلت بتسويق الأخبار المضللة كنوع من الدعاية السياسية، وإشاعة الخوف في نفوس مناهضيها. فقد رفضت السلطات الحوثية مراراً السماح لوفود إعلامية أجنبية بالدخول إلى المناطق الخاضعة لنفوذها، وفي حين استطاع البعض التسلل خلسةً براً، بعد رفض منحهم تصاريح جوية للهبوط في مطار صنعاء، كان الطرد أو الاعتقال هو المصير الذي ينتظر الباحثين عن الحقيقة.
وتحولت الأزمة اليمنية إلى ما أطلق عليه بـ”الحرب المنسية”، جراء قلة التغطية الإعلامية الدولية للنزاع الدائر. وأرجع الاتحاد الدولي للصحافيين، في تقرير حديث، شحة التغطية الإخبارية لما يجري إلى “صعوبة إنتاج تقارير مستقلة من اليمن”. ويقول الاتحاد الدولي إن اليمن بات من أخطر دول العالم على حياة وسلامة الصحافيين منذ العام 2015، ويبدو أن هذا التصنيف كان سبباً وراء النظرة السوداوية التي تكونت لدى المراسلين الحربيين الذين كانوا يرغبون في القدوم إلى البلد المضطرب. وبعد سنوات من الغياب شبه التام للإعلام الدولي الذي عادة ما يقدم مادة دقيقة تحظى بانتشار واسع، تنبّه التحالف العسكري الذي تقوده السعودية للخلل، في ظل تزايد الاهتمام الدولي بما يدور على تخوم المدينة النفطية، ونظّم منتصف إبريل/نيسان الجاري زيارة لعدد من وسائل الإعلام الدولية إلى مأرب. وقبل ذلك، كان مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية قد نظم زيارات مماثلة لوفود صحافية وباحثين أجانب إلى محافظتي مأرب وشبوة.