كتب : عزيز الماطري “أبو عمر”
اختلفت كليا سياسات امريكا بعهد بايدن عنها بعهد سلفه ترامب ، فمن التشدد عبر الخروج من اتفاق اوباما الى فرض العقوبات الى إطلاق التصريحات من حملة بايدن قبل فوزه بانه سيعود للاتفاق النووي اذا ما فاز مباشرة .
لم يختلف الامر بعد فوزه بل سار على نفس المنوال وهو بذلك يقتفي اثر سلفه وقدوته ( اوباما ) بحيث استقر في ذهن راسم السياسة الإيرانية القناعة التامة بان امريكا لا محالة تريد العودة بشكل قطعي الى الاتفاق .
هذا جعل هامش المناورة لدى ايران واسع للغاية ، وتتحرك بأريحية واسترخاء ، فصعدت من خروقاتها تجاه الاتفاق بمتوالية لا تشي بتوقفها حتى نيل مبتغاها بإعادة امريكا الى الاتفاق وقبلها كشرط ان ترفع امريكا عقوباتها كليا لا جزئيا او بالتزامن مع توقف ايران عن خروقاتها .
جعلت ايران دول عدة بالمنطقة تحت سطوة سيطرتها بدءاً بالعراق ثم لبنان وسوريا واليمن ونفوذ بافغانستان يسمح لها ان تقف على ارضية صلبة ويجعل موقفها التفاوضي اقوى كونها تمتلك اوراق عدة تيسر لها اللعب ( خروقاتها وبرنامجها الصاروخي وسطوتها على بلدان عدة ورغبة أوروبا بالحصول على جزء من كعكعة الاستثمارات ، وعلاقتها الجيدة بروسيا ثم اتفاقها الاستراتيجي مؤخرا مع الصين ( البعبع المخيف لامريكا ) .
دول الخليج موقفها اضعف ولا تجيد ترتيب الأوراق قدر عبثها وتفريطها بما يفترض انه تحت يدها وساحة لنفوذها ويزيد من صعوبة موقفها تغير السياسة الامريكية ناحيتها وتحولها الى التقريع والتخلي عن التزاماتها التاريخية … هنا بالإمكان القول ان الحصاد المر نتيجة منطقية ومتوقعة لكل العبث الذي مارسته تلك الدول منذ عقود وعدم امتلاكها لرؤية استراتيجية تحدد ثوابت ومتغيرات تبني عليها سياستها .
بالتالي مطالب إشراكها بالجلوس على طاولة المفاوضات في اي محادثات اتفاق جديد مع ايران امر مستبعد وأغلب الظن ان يطرح امر باليستي ايران وأنشطتها المزعزعة للمنطقة بصورة مخففة على سبيل الترضية لدول الخليج بلا شك خلا قطر وعمان .
ان الخلل البنيوي في بنية النظام الاقتصادي والسياسي للخليج القائم والمعتمد اصلا على الريع خلق منها دويلات فاقدة لصلابة المواجهة وشدة العريكة اللازمة لتحمل تداعيات صراع مباشر وحقيقي مع ايران بعد فشل تكتيكات نقل الصراع الى جغرافيا بعيدة ، ولا منع اقتراب الصراع منها محمولا بتداعيات اشد خطورة هذا من جانب وعلى جانب آخر نرى عجز فاضح عن احداث الفطام عوضا عن بلوغ الرشد والتخلص من الوصاية الامريكية واستخدام اوراق عدة تمتلكها ليس النفط الا احداها .
الواقع العربي اشد مرارة اما الاكتفاء بالفرجة او الانشغال التام بالواقع القطري الصعب او التذيل الأعمى فكيف لجسد مهترىء ان يصارع نفوذ إيراني خبيث او استعادة حق عربي وفليسطيني مغتصب بل ذهب البعض صوب اسرائيل طلبا لنصرتها .
اما اسرائيل فستبقي مشاكساتها وبعض الضربات الخاطفة هنا وهناك لكن مع ضألة تأثيرها تجاه تمدد ايران وسعيها الحثيث لامتلاك السلاح النووي سيما واختلاف امريكا بايدن مع اسرائيل في هذا الملف بالذات واضح للعيان .
امريكا تريد التفرغ للصين تحديدا وتحجيم نفوذ روسيا المتنامي ، والحؤول دون صدمة تفوق الصين عليها وانتزع الصدارة الاقتصادية منها وهو حقيقة قادمة وقريبة يصعب على امريكا تداركها .
خلاصة القول ان امريكا كشفت اوراقها تجاه ما تريده من ايران لانها لا تبالي بمصير المنطقة فهي تضع معالم جديدة لمعادلة القوة بين ايران وإسرائيل وفرملة اندفاعة تركيا مما شجع ايران لطلب المزيد .