شقيقته تحدثت عن فقدانه لساعات طالبة المساعدة من قوى الأمن
كريتر نت – أندبندنت عربية
عُثر على الناشط اللبناني لقمان سليم، صباح الخميس الرابع من فبراير (شباط)، مقتولاً بست طلقات نارية، خمس في الرأس وواحدة في الظهر، داخل سيارة مستأجرة في منطقة الزهراني جنوب لبنان، وتحديداً بلدة العدوسية، بعد اختفائه لساعات.
وسليم باحث وناشط مدافع عن حقوق الإنسان يدير مركزاً للأبحاث، وملتزم التوعية الثقافية والسياسية حول مواضيع المواطنة والحريات، وناقد في مقالاته وإطلالاته التلفزيونية لـ”حزب الله”، القوة السياسية والعسكرية المدعومة من إيران.
وذكر مصدران أمنيان لوكالة “رويترز” أن سليم أُصيب بعيار ناري في الرأس. وأضافا أن الدافع لم يتضح على الفور وإن التحقيق الأولي جارٍ.
وقال أحد المصدرين إنه تم العثور على هاتف سليم في وقت سابق على جانب طريق في جنوب لبنان، منطقة نفوذ “حزب الله”. وتُعدّ هذه أول عملية قتل لناشط بارز مناهض للحزب منذ سنوات.
وأوضح مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية، أن “سليم كان يزور صديقاً له في الجنوب”، مشيراً إلى أن القوى الأمنية لم تعثر على أوراقه الثبوتية، وقد تعرّف مقرّبون منه عليه. وعُثر على السيارة “على طريق فرعي في العدوسية” في قضاء الزهراني، حيث توجّه الطبيب الشرعي.
تغريدة جدلية لنجل نصرالله
تزامناً، أُثير لغط حول تغريدة نشرها جواد نصرالله ابن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، قبيل شيوع نبأ مقتل سليم، وجاء فيها “خسارة البعض للأسف هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب #بلا_أسف”. إلا أنه عاد ومسحها في وقت لاحق، وغرّد متهماً البعض ممَن يريد فهم الأمور على هواه، حاول استغلال كلامه في غير مكانه.
وقال أحد أقارب سليم إن الأسرة علمت بوفاته من الأخبار أثناء وجوده في مركز الشرطة للإبلاغ عن اختفائه.
وفي منزله الواقع في منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، جلس أفراد العائلة في صمت وصدمة فيما كان البعض يبكي.
وكانت شقيقة لقمان سليم أعلنت، منذ مساء الأربعاء الثالث من فبراير، في منشور على صفحتها في موقع “فيسبوك”، فقدان الاتصال بلقمان. وكتبت “لقمان سليم شقيقي لا يجيب على هاتفه منذ أكثر من خمس ساعات”. وأضافت، “كان في نيحا الجنوب مع شبيب الأمين ثم غادر عائداً ولم يصل بعد، أرجو مساعدتي لمعرفة أين هو من خارج الروتين الإداري (مخفر وبلاغ)”.
وتحدّثت شقيقته رشا الأمير، لوكالة الصحافة الفرنسية، عن ليلة صعبة عاشتها مع زوجة سليم بانتظار أن يصلهما خبر عنه، “لم ننم كل الليل، ونحن نتّصل بأشخاص علّ أحدهم يعلم شيئاً، ذهبنا إلى المستشفيات واتصلنا بالصليب الأحمر، خشينا أن يكون تعرّض لحادث سير”.
وقالت، “حزني كبير، أحاول أن ألملم نفسي، لا نعرف ماذا نفعل… لا أصدّق أنني لن أرى أخي وصديقي مرة أخرى”. وتابعت، “كنت أسأله ألا تخاف يا لقمان أن تعبّر عن رأيك بهذا القدر من الحرية؟ كان يجيبني ’الموت لا يخيفني‘. لقد قتلوا شخصاً نادراً واستثنائياً”.
تهديدات سابقة لسليم
وسليم (58 عاماً) المعروف بمواقفه المناهضة لـ”حزب الله” و”حركة أمل”، كان يدير مركز “أمم” للأبحاث والتوثيق في جزء من منزله في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل “حزب الله”، الأمر الذي كان يُنظر إليه على أنه تحدّ للحزب.
وقوبِل انتقاد سليم بتوبيخ من أنصار الحزب، الذين وصفوه أحياناً بأنه ينتمي إلى “شيعة السفارة”، وهو مصطلح يتهمون فيه المعارضين لهم بأنهم أدوات في يد الولايات المتحدة.
وتعتبر واشنطن “حزب الله” منظمة إرهابية، وشدّدت العقوبات على مسؤولي الحزب وحلفائه بلبنان في السنوات الأخيرة.
وتداول الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان بياناً حمل توقيع سليم بتاريخ 13 ديسمبر (كانون الأول) 2019، يشكو فيه تعرّضه وعائلته للمضايقة والترهيب من قبل من سمّاهم بـ “الخفافيش” ، محملاً مَن وصفها بـ “قوى الأمر الواقع” ممثلة بأمين عام “حزب الله” ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري الذي يرأس أيضاً “حركة أمل” الشيعية، المسؤولية عما جرى ويمكن أن يجري له لاحقاً.
وجاء بيان سليم حينها عقب تجمّع عدد من الأشخاص أمام منزله في حارة حريك، مردّدين عبارات تخوين، وألصقوا شعارات على جدران المنزل كُتب عليها، “لقمان سليم الخائن والعميل”، و”حزب الله شرف الأمة”، و”المجد لكاتم الصوت”.
ولم يعلق “حزب الله” بعد على الحادث، في وقت توجّهت أصابع اتهام كثيرة نحو الميليشيات المدعومة من إيران.
أّمّا “حركة أمل”، فاستنكرت في بيان صادر عن مكتبها الإعلامي المركزي، “جريمة اغتيال الناشط السياسي والباحث لقمان سليم”، مطالبةً بـ”إجراء التحقيق الأمني والقضائي بالسرعة الممكنة توصلاً لكشف الفاعلين ومعاقبتهم”.
“التيار” يحذّر من الفتنة
الرئيس اللبناني ميشال عون، حليف “حزب الله”، طلب من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، إجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة ملابسات جريمة اغتيال سليم. وشدّد الرئيس على ضرورة الإسراع في التحقيق لجلاء الظروف التي أدّت إلى وقوع الجريمة والجهات التي تقف وراءها.
ودان “التيار الوطني الحر”، حزب رئيس الجمهورية، في بيان، قتل سليم، وحضّ الأجهزة القضائية والأمنية على “إنهاء التحقيقات بالسرعة اللازمة، تحقيقاً للعدالة وإنصافاً للحقيقة”. ودعا التيار إلى “عدم استغلال هذه الجريمة لإثارة الفتنة، خصوصاً وأن مصطادي الدماء الاعتياديين بدأوا بعملية الاستثمار السياسي”، مؤكّداً أن “الاغتيال والعنف السياسي أمران لا يمكن السكوت عنهما لبنانياً”.
وطلب رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، “الإسراع” في التحقيقات لكشف ملابسات الاغتيال الذي وصفه بأنه “جريمة نكراء”.
ودان وزير الداخلية اللبناني، محمد فهمي، في حديث لقناة محلية، “جريمة مروّعة ومدانة”.
كما دانت أحزاب لبنانية عديدة الجريمة، داعيةً إلى كشف ملابساتها ومعاقبة مرتكبيها.
دعوة لتحقيق لا يشبه تحقيق انفجار المرفأ
المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، يان كوبيش، عبّر من جهته عن حزنه “لخسارة لقمان سليم المأسوية”، واصفاً إياه بـ”الناشط المحترم” و”الصوت المستقل والصادق”. ودعا السلطات للتحقيق بـ”سرعة وشفافية” في الاغتيال، مشدّداً على ضرورة ألا يشبه ما يحصل في التحقيق المستمرّ في انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب)، والذي لم ينتج عنه شيء حتى الآن. وأضاف كوبيش “الناس يجب أن يعرفوا الحقيقة”.
وأعرب سفراء فرنسا وسويسرا والاتحاد الأوروبي عن “حزنهم العميق” و”صدمتهم” إزاء الاغتيال.
واهتمّ لقمان سليم كثيراً بتوثيق ذاكرة الحرب اللبنانية (1975-1990)، خصوصاً لتسليط الضوء على ملف المفقودين. وكان يعمل أخيراً على مشروع لأرشفة يوميات الحرب السورية.
أسّس في مطلع التسعينات “دار الجديد” للنشر. وأنتج مع زوجته الألمانية، مونيكا بورغمان فيلمين، وثائقييْن أحدهما لتوثيق مجزرة صبرا وشاتيلا خلال الحرب اللبنانية، والثاني حول سجن تدمر في سوريا حيث تعرّض سجناء لبنانيون للتعذيب.
وعلى حسابيه على “تويتر” و”فيسبوك” ، كان سليم ينشر تعليقات ينقلها عن شخصيتين وهميتين على الأرجح، يحملان اسمي “صديقتي الشريرة” و”سعيد الجن”. وبين هذه التعليقات، انتقادات لاذعة لـ”حزب الله” وإيران.