كريتر نت – العرب
حوّلت الأجهزة الأمنية للنظام السوري الاعتقالات والإخفاء القسري إلى تجارة مربحة تدرّ عليها أموالا طائلة، من خلال عمليات ابتزاز تمارس على الأهالي مقابل معلومة أو زيارة قد لا تحصل أبدا، ويجري ذلك في وقت تراجع فيها الاهتمام الدولي بهذا الملف.
دمشق – يشكل المعتقلون والمختفون قسرا في مناطق سيطرة الحكومة السورية أحد الملفات الشائكة التي تعمل قوى المعارضة والمنظمات الحقوقية على تسليط الضوء عليها في كل محطة وإبقاء هذه القضية حية.
وخلال السنوات الأخيرة، شهدت الأزمة السورية تراجعا في سلم الأولويات الدولية، وهذا قد أضرّ كثيرا بملف المعتقلين والمختفين، وسط آمال تساور عائلاتهم في أن يعود هذا الملف مجددا إلى دائرة الضوء مع تسلم الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن لمهامها في 20 يناير الجاري.
ولم تبد إدارة دونالد ترامب اهتماما كبيرا بالجانب الحقوقي، الأمر الذي استغلته بعض الأنظمة، ومن بينها نظام الرئيس بشار الأسد، لمواصلة انتهاكاتها لحقوق الإنسان، التي حولها مع السنوات إلى تجارة ربحية تستفيد منها أجهزته الأمنية.
وكشفت رابطة المعتقلين والمفقودين في سجن صيدنايا، أن نظام الأسد يستخدم عمليات الإخفاء القسري والاعتقال، وسيلة لجني الأموال ومراكمة الثروات، وزيادة نفوذ الأجهزة الأمنية وقادتها والنافذين في الحكومة وبعض القضاة والمحامين، حيث تعود هذه العمليات الابتزازية بعائدات مالية ضخمة جدا على أجهزة النظام الأمنية.
وذكرت الرابطة في تحقيق استقصائي صدر مؤخرا، أن المعلومات والأرقام تظهر أن النظام جنى من عمليات الابتزاز المالي التي مارسها على أهالي المعتقلين مقابل تزويدهم بمعلومات عن أبنائهم، أو وعود بالسماح لهم بزيارة ذويهم في أماكن الاعتقال أو بإطلاق سراحهم، ما يقارب 900 مليون دولار أميركي منذ العام 2011 وحتى الآن.
وقامت الرابطة بأخذ شهادات لعائلات تعرضت للابتزاز المالي من قبل الأجهزة الأمنية، على غرار أم علي التي اضطرت إلى دفع رشوة بقيمة 400 ألف ليرة سورية (780 دولارا أميركيا) لإطلاق سراح زوجها الذي كان معتقلا لدى جهاز الأمن الجنائي.
900 مليون دولار ما جناه النظام السوري من عمليات ابتزاز
وقد جرى بالفعل، إطلاق سراح زوجها بعد شهرين و10 أيام، وقد بدا في حالة مزرية حيث فقد نحو 20 كلغم من وزنه. وتقول أم علي “طمأننا المحامي بأن أموره (القانونية) سليمة، وأن متاعبنا انتهت، غير أن زوجي كان قلقا فاقترح عليّ تغيير المنزل، وهذا ما فعلناه”.
وتستدرك بالقول بعد نحو أسابيع قليلة من الإفراج عنه جرى اعتقاله مجددا لتعود العائلة إلى نفس المعاناة وهي الخضوع لابتزاز عناصر النظام، ودفع رشاوى على أمل إطلاق سراحه.
وقالت الرابطة إن عمليات احتجاز الأشخاص وخطفهم وإخفائهم هي أيضا استراتيجية من قبل السلطات لتمويل نفسها ومؤسساتها بعد انطلاقة الثورة السورية في 2011، وخصوصا بعد بدء فقدان النظام السيطرة على مناطق شاسعة في البلاد في العام 2012 والسنوات التي تلته، مشيرة إلى أن النظام لم يكن يستهدف النشطاء فحسب بل أيّ شخص يستطيع أن يأخذ منه أموالا.
ولفتت في تحقيقها الاستقصائي، إلى أن العام 2012 كان عام الإخفاء القسري في سوريا، وأن قوات النظام مسؤولة عن أكثر من ثلث حالات الإخفاء القسري التي حصلت في البلاد، تليها شعبة الأمن العسكري بنسبة حوالي 19 في المئة على الأقل، ثم إدارة المخابرات الجوية، وشعبة الأمن السياسي بحدود 5 في المئة تقريبا، وقد حدثت أكثر عمليات الإخفاء القسري في محافظة دمشق ثم محافظة إدلب، ويعد سجن صيدنايا هو المكان المفضل لدى النظام لممارسة عمليات الإخفاء القسري.
ويعدّ سجن صيدنايا الواقع في محافظة ريف دمشق أحد أفضع السجون في سوريا وأكثرها سوءا حيث تُمارَس فيه أقسى أنواع التعذيب النفسي والجسدي ضد المعتقلين، ويعدّ أكبر المراكز لتجميع المختفين قسرا.
وقال المشاركون في الاستقصاء من عينة المختفين قسرا، إنهم اضطروا إلى دفع أموال لمحامين أو وسطاء أو رجال أمن أو مخابرات أو شبيحة (تسمية تطلق على أنصار النظام)، مقابل زيارة ذويهم. ومن بين الذين دفعوا مبالغ مالية من أجل وعود بزيارة أقاربهم من المختفين قسرا، لا يتمكن سوى شخص واحد من مقابلة سجين مقابل 41 شخصا قالوا إنهم دفعوا أموالا ولم ينفذ الوعد بالزيارة.
جويل ريبورن: بعض الجهات في سوريا تحاكي تصرفات نظام الرئيس بشار الأسد
وأكد أكثر من ربع المشاركين في الدراسة وبالتحديد 129 مشاركا في عينة المختفين قسرا، أنهم دفعوا مبالغ مالية للحصول على معلومات عن ذويهم، ووصل المبلغ الذي دفعته العائلات إلى أكثر من 500 ألف دولار. في حين أفاد أكثر من 7 في المئة بأنهم دفعوا أموالا مقابل وعود بالزيارة، مشيرين إلى أنهم دفعوا مبالغ وصلت إلى أكثر من 250 ألف دولار أميركي.
وطالب التقرير المجتمع الدولي بالضغط على حلفاء النظام، وخاصة روسيا، للكشف عن مصير المفقودين والسماح لأهاليهم بزيارة من لا يزالون على قيد الحياة، كما طالب المسؤولين بالكشف عن مكان دفن الموتى والسماح باختبار الحمض النووي للرفات حتى تتمكن العائلات من استعادة رفات أحبائها.
وكان وفد المعارضة في اللجنة الدستورية قد طرح خلال المفاوضات الأخيرة في جنيف ملف المعتقلين والمختفين قسرا، بيد أن وفد النظام حرص على التهرب من هذا الموضوع، معتبرا أن الهدف من اللجنة ليست مناقشة مثل هذه المسائل.
ويخشى ناشطون وعائلات المختفين أن يعمد النظام إلى ارتكاب إعدامات جماعية بحق من بقي على قيد الحياة، لاسيما وأنه من المرجح أن تضغط الإدارة الأميركية المقبلة على النظام في هذا الملف.
وكانت منظمة العفو الدولية، قد وثقت في تقرير تحت عنوان “المسلخ البشري”، نشرته في فبراير من عام 2017، إعدامات جماعية بطرق مختلفة نفذها النظام السوري بحق 13 ألف معتقل في سجن صيدنايا، أغلبيتهم من المدنيين المعارضين، بين عامي 2011 و2015.
ويرى متابعون أن عمليات الاعتقال والإخفاء القسري لا تطال فقط مناطق النظام بل تشمل أيضا مناطق تسيطر عليها جهات أخرى على غرار الجزء الذي تبسط فيه الفصائل السورية الموالية لتركيا نفوذها، حيث يتعرض مدنيون هناك للاعتقال على الهوية ولاسيما من الأقلية الكردية.
وسبق أن حذرت منظمات حقوقية ممّا يتعرض له الأكراد في مدينة عفرين من انتهاكات بحقهم ومصادرة أملاكهم.
الحال ذاته يتكرر في الجزء الذي تسيطر عليه هيئة تحرير الشام في إدلب ومحيطها حيث يتعرض الكثيرون للاعتقال والتصفية، لمجرد توجيه انتقادات إلى الهيئة أو عناصرها.
وقال مبعوث وزارة الخارجية الأميركية الخاص بالشؤون السورية، جويل ريبورن “بعض الجهات تحاكي تصرفات النظام السوري.. حيث إن عناصر هيئة تحرير الشام تعمد إلى اعتقال الناس وسجن الآلاف، ولِمَ ذلك؟ لا سبب”.