كريتر نت – العرب
عادت الخلافات بقوة إلى حركة النهضة الإسلامية في بداية العام الجديد بالرغم من محاولات رئيسها راشد الغنوشي اقتراح مبادرة لاحتواء الغاضبين عبر إجراء انتخابات داخلية لاختيار مكتب تنفيذي يستقطب من خلاله رموز الغاضبين على سياسته. لكن المناسبة زادت من تعميق الأزمة وأفضت إلى توترات جديدة بين أنصار الغنوشي داخل مجلس الشورى وأنصار مجموعة المئة.
وفيما صعد إلى المكتب التنفيذي الجديد زعيم تيار الغاضبين، وأحد الذين يقفون وراء قائمة المئة الذين طالبوا الغنوشي بالتنحي عن قيادة الحركة، فإن أعضاء محسوبين على الغنوشي قد سقطوا من غربال الانتخابات التي شارك فيها أعضاء مجلس الشورى ليلة رأس السنة الميلادية.
الصحبي بن فرج: الجناح المناهض للغنوشي صار قويا ويحقق مكاسب
وكان من أبرز من سقطوا من هذا الغربال رفيق عبدالسلام، صهر الغنوشي، ما يمثل استهدافا مباشرا لنفوذ الغنوشي داخل الحركة خاصة أن عبدالسلام كان موطن سر رئيس حزب النهضة وذراعه اليمنى في الملفات الخارجية.
ومن بين العناصر المحسوبة على الغنوشي، والتي فشلت في الحصول على خمسين صوتا كحد أدنى للفوز، نذكر كلا من رضا السعيدي وأنور معروف وسيدة الونيسي ورضا إدريس ومحمد القوماني.
وفي أول تعليقه على سقوطه في اختبار الشرعية الداخلية، لوّح عبدالسلام بالعودة “إلى كتبي وأقلامي التي هجرتها بسبب ضغط الشأن السياسي”، مشددا على أن “إدارة الأحزاب والمجموعات السياسية تحتاج إلى رؤية وأفق سياسي، ولا يمكن أن تدار بروح التموقع والمهارشات التنظيمية ضيقة الأفق”.
وقال مراقبون إن سقوط عبدالسلام، وآخرين من المحسوبين على الغنوشي، من قائمة المكتب التنفيذي يحمل رسالة قوية على أن التوازنات داخل النهضة تتغير بشكل لافت لفائدة تيار المطالبين بتنحية الغنوشي وفسح المجال أمام صعود قيادة جديدة، معتبرين أنها كانت انتخابات لاختبار وزن الفريقين المتصارعين.
واعتبر الناشط السياسي، والنائب السابق في البرلمان، الصحبي بن فرج أنه بات واضحا على المستوى العددي داخل مجلس شورى حركة النهضة أن الجناح المناهض للغنوشي صار قويا ويحقق مكاسب ويسمع صوته، ما ينبئ بأن الصراع داخل الحركة سيحتد ويقوى أكثر بقطع النظر عن التوازنات.
وقال بن فرج في تصريح لـ”العرب” إن تلويح صهر الغنوشي بالتفرغ للبحث والكتابة يأتي على خلفية فشله في الحصول على الخمسين صوتا اللازمة للمكتب التنفيذي، متوقعا أن تخرج أزمة الحركة إلى العلن وإلى وسائل الإعلام بأكثر حدة في الأسابيع القادمة.
وضمن تداعيات اجتماع الشورى وأجواء التوتر التي سيطرت عليه، أعلن العربي القاسمي، عضو مجلس الشورى وأحد القيادات التي عادت من الخارج، استقالته بشكل نهائي من الحركة كردة فعل مباشرة على “ما تعرّضتْ له مجموعة مبادرة الـ100 من خطاب أقلّ ما يقال فيه إنّه منحطّ ومتدنّ ويقضي على أدنى فرص التّواصل والتّعايش”.
منجي الحرباوي: انتخابات داخلية هدفت لإنقاذ الغنوشي وعمّقت أزمة النهضة
وأعلن القاسمي في رسالة مفتوحة استقالته من النهضة لعدة أسباب من بينها دخول “أناس لا علاقة لهم بالحركة، بل وكانوا منافسين ومناوئين لها”، وأصبحوا “أصحاب نفوذ وقرار على حساب مناضلي الحركة الذين بنوها بعذاباتهم وتضحيّاتهم”.
ولم يستبعد المراقبون أن تفتح استقالة القاسمي الطريق أمام استقالات جديدة أكثر أهمية في ظل العجز عن إيجاد قنوات حوار لتسوية الخلافات بشأن قضايا المؤتمر خاصة ما تعلق بوضعية الغنوشي، واستمرار مناورات القيادة في ربح الوقت.
واعتبر منجي الحرباوي، القيادي في حزب نداء تونس، والنائب السابق في البرلمان، أن أزمة حركة النهضة ليست جديدة، وهي متعلقة بصفة كبيرة بشخص راشد الغنوشي باعتبار أنه أصبح يمثل أزمة في البلاد ككل وليس في النهضة فقط.
وقال الحرباوي في تصريح لـ”العرب” إن الاستقالة الأخيرة للقاسمي سبقتها استقالات من الحجم الثقيل (عبدالحميد الجلاصي، عبدالفتاح مورو) وهي استقالات من صقور الحركة، لافتا إلى أن انتخابات المكتب التنفيذي تأتي في إطار إنقاذ الغنوشي وليس إنقاذ النهضة التي تعصف بها الأزمة.
وأضاف “يريدون إنقاذ الغنوشي وأستبعد إنقاذه فذلك أمر مستحيل، فهو لا يعاني من أزمة داخلية فقط بل يعاني من حصار وطني كامل”.
وتشهد النهضة منذ سنوات حراكا داخليا مستمرا كان في بداياته خفيا بين أسوار المطبخ الداخلي للحركة، ويتعلق أساسا بتحالفاتها منذ 2014، ومع اقتراب موعد المؤتمر الحادي عشر للحركة، طفا الخلاف على السطح وبات معلنا، وبرز صراع أجنحة تبحث عن تموقعات في الحكومات المتعاقبة وفي الصفوف القيادية الأولى للحركة في فترة ما بعد المؤتمر.