كريتر نت – العرب
فشلت منظمة الإغاثة الإسلامية التي تنشط في أكثر من 40 دولة حول العالم في إثبات استقلاليتها عن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، ما دفع الحكومة الألمانية إلى وقف تمويل مشاريعها. ويرى متابعون أن الخطوة الألمانية تفتح الباب أمام بقية الدول الأوروبية لمراجعة علاقاتها مع المنظمة التي تتخذ من العمل الخيري غطاء لخدمة أجندات تنظيمات الإسلام السياسي المعادية للديمقراطية والقيم الغربية.
برلين – بدأت منظمة الإغاثة الإسلامية ( فرع ألمانيا) عملية إصلاح وانتخاب إدارة جديدة للمنظمة في إطار سعيها إلى النأي بنفسها عن جماعة الإخوان المسلمين وإثبات عدم ارتباطها بها، لكن ذلك لم يقنع الدوائر الحكومية الألمانية التي قطعت تمويل مشاريع المنظمة، في خطوة قد يعقبها حسب مراقبين وضع المنظمة تحت رقابة هيئة حماية الدستور (الاستخبارات) التي عادة ما تخضع لرقابتها التنظيمات والأفراد الذين يمثلون خطرا كبيرا على الديمقراطية، ويهدفون إلى تقويض النظام السياسي.
وقالت الحكومة الألمانية إن منظمة الإغاثة الإسلامية في ألمانيا، وهي فرع من منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية ومقرها برمنغهام البريطانية، لها صلات واسعة مع جماعة الإخوان المسلمين، حسب تقدير الجهات الأمنية.
وجاءت هذه المعلومات في رد رسمي على طلب إحاطة برلمانية قدمتها كتلة الحزب الديمقراطي الحر المعارض. وجاء في الرد أيضا أن للمنظمة المذكورة “صلات شخصية هامة” بجماعة الإخوان المسلمين أو بمنظمات مقربة منها.
وقال النائب عن الحزب الديمقراطي الحر، أوليفر لوكسيك “ذهاب أموال دافعي الضرائب الألمان للإسلاميين فضيحة”. ومن جانبه، قال خبير شؤون السياسة الدينية في الكتلة البرلمانية للحزب، شتيفان روبرت، إن رد الحكومة يدل على “عدم استعدادها للتصدي لهذه المعضلة المُلحة”.
ونفى فرع المنظمة في ألمانيا تقديرات الحكومة الألمانية، حيث قال المدير التنفيذي للمنظمة طارق عبدالعليم “ليس لدينا صلات بالإخوان المسلمين”.
وحصل فرع المنظمة في ألمانيا – بحسب بياناته – على دعم لمشروعاته من الأموال العامة بقيمة 6.13 مليون يورو خلال الفترة من عام 2011 حتى عام 2015.
وبحسب البيانات، تحصلت المنظمة على هذه الأموال على نحو أساسي من وزارة الخارجية الألمانية، واستخدمتها في توفير إمدادات طبية للمواطنين في سوريا على وجه الخصوص.
وكانت الحكومة الألمانية قد كشفت في العام 2019 عن ارتباط وثيق بين فرع منظمة الإغاثة الإسلامية في ألمانيا وجماعة الإخوان المسلمين وبالتحديد حركة حماس الإسلامية التي تصنفها عدد من الدول العربية إرهابية.
وقال وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر “من يدعم حماس تحت عباءة المساعدات الإنسانية، يستخف بقرارات أساسية في دستورنا تتعلق بالقيم”، مضيفا أن هذا يؤدي أيضا إلى فقدان المصداقية في نشاط الكثير من المنظمات الإغاثية، التي “تلتزم بالحيادية في ظل ظروف صعبة”.
ارتباط وثيق
خدمة أجندات الجماعة تحت عباءة العمل الخيري
تعد منظمة الإغاثة الإسلامية واحدة من أكبر الجمعيات الخيرية الإسلامية في العالم وتعمل في أكثر من أربعين دولة، لكنها تواجه في أغلب الدول الأوروبية اتهامات بتمويل الجماعات المتطرفة وارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين تحديدا.
ويذهب دبلوماسيون أوروبيون إلى اعتبار المنظمة الذراع المالية العابرة للحدود لجماعة الإخوان، الذين يحذقون توظيف الأعمال الخيرية لتمويل أجنداتهم من حول العالم.
وتعتبر الإغاثة الإسلامية من أكثر المؤسسات التي تتلقى تمويلا من دولة قطر، حيث تشير تقارير إلى حصول المنظمة على الملايين من الدولارات من قبل جمعية قطر الخيرية المرتبطة بالقيادي الإخواني يوسف القرضاوي والذي يقيم في الدوحة.
وكشفت وثيقة للبرلمان الألماني مؤرخة في 15 أبريل 2019، أن منظمة الإغاثة الإسلامية في ألمانيا ترتبط بصلات وثيقة مع منظمات أجنبية، خاصة حركة حماس الفلسطينية.
وأضافت “ترتبط منظمة الإغاثة الإسلامية بالمنظمة الأساسية للإخوان في ألمانيا، وهي منظمة المجتمع الإسلامي، وتعد منظمة الإغاثة الممول الأساسي لأنشطة هذه المنظمة”.
ووفق الوثيقة ذاتها، فإن الروابط بين منظمة الإغاثة الإسلامية، ومنظمة المجتمع الإسلامي ليست مؤسسية فقط، بل شخصية أيضا، فإبراهيم الزيات، عضو الهيئة العليا لمنظمة الإغاثة الإسلامية، هو أيضا رئيس مجلس الشورى التابع لمنظمة المجتمع الإسلامي، ورئيس هذه المنظمة سابقا، ومحرك خيوط وأنشطة الإخوان في ألمانيا.
واتهمت السلطات الروسية منظمة الإغاثة الإسلامية بدعم الإرهاب في الشيشان عام 2005، وفي سنة 2012 أغلق العملاق المصرفي السويسري “يو.بي.أس” حسابات الإغاثة، وفرض حظرا على الهبات القادمة إليها من زبائنها، خوفا من تقارير تتهمها بتمويل الإرهاب، كما قام مصرف “إتش.أس.بي.سي” بالأمر نفسه سنة 2016.
وأشارت تقارير إلى أن محققي جهاز الأمن الأميركي “أف.بي.آي” وخدمة الإيرادات الداخلية ومكتب إدارة شؤون الموظفين جمعوا أدلّة على جرائم مرتبطة بـ”الإغاثة الإسلامية” سنة 2016.
وفي تونس أيضا كشفت “مذكرة مسربة” صدرت مطلع العام الجاري، أعدت من جانب الهيئة التونسية للتحاليل المالية، أن تحقيقا يجري في البلاد مع مسؤول مرموق في منظمة الإغاثة الإسلامية، على خلفية مخاوف من أن الأموال التي مُنحت للفرع التونسي من هذه المنظمة من جانب الفرع البريطاني لها، استُخدمت لتمويل إرهابيين.
ونشرت صحيفة “ذا إنفستيغيتيف جورنال – تي.آي.جيه” البريطانية تقريرا في 19 أغسطس 2019 مفاده أن التنظيم الدولي لجماعة للإخوان المسلمين استطاع اختراق كيانات غير ربحية في فرنسا عبر الدعم المالي لتلك المنظمات، وزرع قيادات من الإخوان بداخلها، للترويج للأدبيات الفكرية للجماعة.
مراجعة العلاقة
تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى تضييق الخناق على أنشطة جماعة الإخوان المسلمين المشبوهة التي من شأنها أن تشكل تهديدا لاستقرار وأمن دول التكتل التي ضيقت الخناق على كل المنظمات ذات التمويل المشبوه في إطار حملة كبيرة لوقف تمدد هذه الجماعة المتطرفة.
ويؤكد خبراء أن تجفيف منابع التمويل عامل محوري في ملف مكافحة الإرهاب والتطرف، مؤكدين على ضرورة العمل بشكل عاجل على كشف العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والجمعيات والمؤسسات الخيرية واتخاذ إجراءات وعقوبات دولية حاسمة ضدها.
ويطالب برلمانيون في جميع أنحاء أوروبا حكوماتهم بمراجعة العلاقة مع منظمة الإغاثة الإسلامية.
هورست زيهوفر: من يدعم حماس تحت عباءة المساعدات يستخف بدستورنا
وفي هذا الإطار كتب النائب البريطاني إيان بيزلي جونيور مؤخرا إلى وزير المجتمعات المحلية البريطاني روبرت جينريك يقول “على الرغم من أن الإغاثة الإسلامية تنفي أي صلات بجماعة الإخوان، هل يمكنك أن تطلب من لجنة المؤسسات الخيرية إجراء مراجعة عاجلة لجميع المؤسسات الخيرية المسجلة التي لها صلات بجماعة الإخوان، وهي جماعة محظورة في البلدان الحليفة للمملكة المتحدة، ونأمل في أن يجري حظرها هنا أيضا؟”.
ومن جانبه، طالب النائب السويدي هانز وولمارك الوكالات الحكومية بمحاسبة منظمة الإغاثة الإسلامية، في استجواب قدمه إلى بيتر إريكسون، وزير التنمية في البلاد.
وفي المقابل، قالت كارين جامتين، الرئيسة التنفيذية لوكالة المعونة السويدية “سيدا”، إنها ستنظر في الاتهامات أثناء مراجعة عقدها مع منظمة الإغاثة الإسلامية.
وفي أغسطس الماضي اضطر عضو أمانة المنظمة، حشمت خليفة، إلى الاستقالة من رئاسة الهيئة المثيرة للشبهات، بعدما كشفت الصحافة البريطانية أنه أدلى بمواقف تحرض ضد اليهود وتؤجج خطاب التطرف.
وقالت صحيفة التايمز البريطانية إن خليفة استخدم صفحته على فيسبوك لوصف حركة حماس بأنها “أطهر حركة مقاومة في التاريخ الحديث”. واعتبر أن تصنيف جناحها العسكري بالإرهابي “عار على كل المسلمين”.
وأضافت الصحيفة أن أول مهمة مطلوبة من مجلس الأمناء هو التخلص من إرث خطاب الكراهية وضمان عدم صدور مواقف مماثلة في المستقبل من قبل الأعضاء.
لكن متابعين يستبعدون أن يحصل تغيير كبير في المنظمة، لأن الأشخاص الذين يتولون تسييرها والنشاط في صفوفها ينتمون في أغلبهم إلى تنظيم الإخوان، أما العمل الخيري فمجرد واجهة لخدمة أجندات محددة مسبقا.