تقرير – نصر عبد الرحمن
منذ العام 2015م شهدت مدينة تعز جنوب غرب اليمن، أعدادًا متزايدة من حالات الاختطاف والاخفاء القسري، حدثت أكثرها في العامين 2016_2017م.
بالمقابل تنكر السلطات الحكومية وقياداتها في المحافظة وجود عمليات إخفاء قسري، في حين كشفت بعض الجهات عن بعض المخفيين وأطلق سراح البعض منهم، واستغلت جهات أخرى المخفيين لخدمة مصالحها الخاصة، ولا تزال السلطات المحلية في المحافظة تنكر وتتستر على كثير من المخفيين قسرًا وتتهرب من معالجة هذا الملف.
تأكيد أممي
أكد تقرير فريق الخبراء الدوليين التابع لمجلس الأمن الدولي، الذي صدر في 29 سبتمبر الماضي، عن الانتهاكات والتجاوزات التي شهدتها اليمن منذ سبتمبر 2014م، أن الفريق حقق في 8 حالات اختفاء قسري لرجال في محافظة تعز على يد عناصر ينتمون إلى محور تعز العسكري التابع للحكومة اليمنية و”فاعلين في حزب الإصلاح”.
وأشار التقرير إلى أشهر حالتي اختفاء قسري في تعز وهما “أيوب الصالحي وأكرم حميد” المخفيين قسرًا لمدة تزيد عن أربع سنوات، موضحًا أن أيوب -الذي كان يعمل مدرسًا- أختطف بتاريخ 23 يونيو / 2016م أثناء قيادته لسيارته في شارع جمال، وشوهدت سيارته بعد ذلك يقودها أشخاص آخرون بعد دخولها في مدرسة النهضة.
وأضاف التقرير: كان يُشتبه بأن أيوب كان محتجزًا في المدرسة التي كانت تستخدم كمركز احتجاز غير رسمي حتى أواخر عام 2017 عندما استأنفت عملها الأصلي.
وقال: بأن أكرم الجندي في اللواء 22، كان ناشطًا على وسائل التواصل الاجتماعي؛ يسلط الضوء على عمليات النهب التي قام بها أفراد الجيش، وشوهد آخر مرة في 3 يونيو 2016، مؤكداً أن كلًا من أيوب وأكرم لا يزالان مختفين قسريًا رغم من الطلبات المتعددة للحصول على معلومات عنهما، قدمت من لجنة متابعة المختفين قسريًا والمدعي العام اليمني، وقال: “لا توجد معلومات عن مصيرهما أو مكان وجودهما تم الكشف عنها من قبل أي من الجهات العسكرية أو الأمنية أو السياسية في تعز”.
“يا هارب من الموت يا ملاقيه”
بهذا المثل الشعبي وصفت أسرة المخفي احمد عصام علاقتها بطرفي النزاع في تعز، موضحة أنها كانت تسكن في مدينة الحوبان الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي شرق المحافظة، قبل أن تهرب من بطش الحوثيين الذين اعتقلوا ولدها أحمد وافرجوا عنه لاحقاً إلى مدينة تعز الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها، لتتفاجئ باختطاف اللجنة الأمنية نجلها أحمد قبل أن يمر شهرين من استقرارها داخل المدينة.
وأوضحت الأسرة في حديثها لـ”المواطن” أن إحدى النقاط في مدينة الحوبان التابعة للحوثيين اوقفت نجلها أحمد عندما كان عائدًا من مدرسته كطالب في الصف الأول الثانوي، وقاموا باعتقاله وايداعه سجن الصالح شرق الحوبان؛ بتهمة التعاون مع المقاومة وقوات الجيش، وبعد مدة ونتيجة لسعي الأسرة لإطلاق سراحه وتدخل أحد الخيرين تم الإفراج عنه بعد دفع مبلغ أثنين مليون ريال يمني، والالتزام بعدم مغادرة مدينة الحوبان.
وقالت: “بعد أن أطلق سراح أحمد نزحنا إلى داخل مدينة تعز واستقرينا في مبنى قناة السعيدة بمنطقة العسكري مديرية صالة، -أدخلتنا القناة مع عدد من العائلات مبناها للسكن فيه خوفا من سيطرة المسلحين عليه- وفي السادس من أغسطس 2018م، اندلعت اشتباكات مسلحة بين اللجنة الأمنية وجماعة ابي العباس، وعند الساعة السابعة من مساء ذلك اليوم اقتحم أفراد من اللجنة الأمنية بقيادة ياسر العاقل ومرافقيه توفيق الجندي، وشفيق الاعور، وأحمد السيد سكننا بحجة وجود قناص تابع للخارجين عن القانون، وقاموا بإغلاق بوابة العمارة على الأب عصام واخرجوا النساء إلى الشارع وقاموا بتفتيش المنزل واختطاف أحمد 16عاماً مع زميله محمد بشير واقتادوهما إلى جهة مجهولة.
الإعلامي عبد الحكيم يحيى عبد الرقيب البركاني من أبناء مديرية جبل حبشي عزلة الشراجة، قرية العذير حيث تسكن عائلته تعرض للاختطاف من شارع جمال وسط مدينة تعز في الثامن من شهر أغسطس 2016م وإخفائه ولم يعرف مصيره حتى اليوم.
وأكد أحد أقارب المخفي عبد الحكيم البركاني لـ”المواطن” أنه تم اختطاف قريبه البالغ من العمر 42 عاماً، من شارع جمال وسط المدينة -آخر مكان شوهد فيه بحسب الشهود- بعد أسبوع من قدومه من محافظة عدن لحضور حفل زفاف احد أصدقائه قبل العودة إلى عمله في مؤسسة المياه بعدن.
وتابع: “لم يعد عبد الحكيم -أب لستة أبناء 3 ذكور وثلاث إناث- إلى عمله بل تم اخفائه ولم يعرف مصيره حتى اليوم رغم متابعات أقربائه المستمرة لدى مختلف الجهات الأمنية والعسكرية والقضائية والسياسية بتعز والتي لم تكشف جميعها عن مصير المخفي أو تعطي أقربائه أي رد مقنع”.
اخفاءات متزايدة
أفاد تقرير فريق الخبراء الدوليين بأنه: “وفقًا للجنة متابعة المختفين، فإن خمسين شخصًا على الأقل في تعز ما زالوا مختفين قسريًا”.
فيما أكدت لجنة متابعة المخفيين قسرا بتعز لـ”المواطن” اختطاف واخفاء أكثر من ثمانين شخص منذ العام 2015م وحتى الآن، بواقع 8 حالات إخفاء حدثت في العام 2015م، و26 حالة في العام 2016م، و21 حالة في العام 2017م، و16 حالة في العام 2018م، و3 حالات في العام 2019م، و10 حالات في العام 2020م حالتان منها في شهر سبتمبر المنصرم إحداهما أطلق سراحها من مبنى الأمن السياسي.
من جهتها كشفت لـ”المواطن” عضوة اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، الأستاذة إشراق المقطري، عن رصد اللجنة لخمس حالات إخفاء قسري بتعز منذ بداية العام الجاري فقط.
إرهاب وتعذيب
أكدت عدد من أسر المخفيين تعرضها للتهديد والإرهاب والاعتداء والعنف الجسدي والنفسي أثناء وبعد عمليات الاختطاف والاخفاء من قبل الخاطفين أو بعض من الجهات الرسمية أثناء متابعاتها ومطالباتها بالكشف عن مصير أقربائها المخفيين.
وأوضحت أسرة المخفي احمد عصام لـ”المواطن” أنها تعرضت للإرهاب والتهديد والاعتداء من قبل الخاطفين أثناء عملية اختطاف إبنها أحمد، وتعرضت للمضايقات والتهديدات أثناء بحثها المستمر حتى اليوم عن مصير ابنها من قبل الخاطفين وبعض الجهات الرسمية أبرزها الشرطة العسكرية.
وقالت: “لحظة اختطاف احمد من قبل أفراد تابعين للحملة الأمنية بقيادة ياسر العاقل مرافق قائد الشرطة العسكرية السابق العقيد جمال الشميري، قاموا باخراجنا ليلا للشارع ونحن شبه عارين واعتدوا على ابنتنا وقطعوا ثيابها الخارجية مهددين باغتصابها وتلفظوا علينا بالفاظ بذيئة وهددونا بالقتل”.
وبالمقابل يتعرض المخفيين لشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي في معتقلاتهم، أكد ذلك تقرير فريق الخبراء الدوليين الأخير بقوله: “أن الفريق وثق حدوث حالات من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة بما في ذلك العنف الجنسي”، مشيراً إلى أن حالات اختفاء علمت فيها العائلات بمصير ومكان وجود أحبائها فقط بعد عدة أشهر من وفاتهم.
كما كشفت لجنة متابعة المخفيين لـ”المواطن” تعرض المخفيين لمختلف أنواع التعذيب الجسدي كالصعق بالكهرباء، وتعليقهم من أقدامهم في حمامات السجون لساعات، ومنعهم من الأكل والشرب لساعات طويلة قد تتجاوز ساعات اليوم الواحد، مؤكدة إصابة بعض المخفيين بأمراض جلدية، والبعض فقد قواه العقلية، وتعرض البعض الآخر لبتر بعض اطرافهم.
تورط جهات رسمية
كشف التقرير الأخير لفريق الخبراء الدوليين عن تورط قيادات عسكرية، وفاعلين ينتمون لحزب الإصلاح بحالات اختفاء قسري وقعت في مدينة تعز، وقال: “والشخصيات الرئيسية في حزب الإصلاح هم أعضاء في الحكومة اليمنية في تعز ويشغلون مناصب مؤثرة”.
وحدد التقرير أبرز الجهات المتهمة المسؤولة عن الاختفاء القسري مؤكدًا بأنها في الأساس عناصر عسكرية، “مثل اللواء 22 والاستخبارات العسكرية المرتبطة بحزب الإصلاح وبالمقاومة التي كانت تعتقل خلال العمليات العسكرية في القرى الرجال الذين اختفوا فيما بعد”.
وأوضحت لـ”المواطن” إشراق المقطري بأن الجهة المنفذة للإختطافات والاخفاء القسري بتعز: “كانت في بداية الحرب المقاومة الشعبية أما في الوقت الحالي فهو الجيش التابع للحكومة المعترف بها”، وكان التقرير الثامن للجنة الوطنية قد أورد حالة إخفاء قسري ذكر بأن من قام بها هو الجيش الوطني ممثلًا بقائد المحور.
لجنة متابعة المخفيين قالت إن من الأطراف التي تمارس جريمة الإخفاء القسري هي جماعات مسلحة محسوبة على أحد الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى جماعات سلفية محسوبة على أحد الالوية العسكرية، وكذلك جهات رسمية ممثلة بمحور تعز وألويته العسكرية والأجهزة الاستخباراتية.
مرافق احتجاز غير رسمية
أكد تقرير فريق الخبراء الدوليين الأخير وجود مرافق احتجاز غير رسمية في تعز بما في ذلك تلك الموجودة في المباني العامة والتي استخدمت لاحتجاز الأشخاص عندما كانوا مختفون، وكشف عن بعض مرافق الاحتجاز تلك وهي “مدرسة النهضة ومكتب الأموال العامة ومكتب الرقابة والمحاسبة والمعهد الوطني”، مشيراً إلى أنها مقار خاضعة لقوات خاضعة لسيطرة الإصلاح.
وكشفت لجنة متابعة المخفيين لـ”المواطن” عن عدد من السجون التي تستخدم لاحتجاز المخفيين وهي (المعهد الوطني، نيابة الأموال العامة، بدروم مبنى جهاز الرقابة والمحاسبة، عمارة علي محمد ناجي بمديرية صالة، مبنى التأمينات قطاع خاص الكائن أسفل مستشفى العسكري، عمارة حمود الصوفي حي الروضة، مقرات الألوية العسكرية، والمحور، والشرطة، والأمن السياسي، مستشفى المستقبل، مدرسة محمد علي عثمان بخط التماس شرق المحافظة).
اعتراف وتهرب
في الوقت الذي تنكر فيه السلطات الحكومية في المحافظة وجود اخفاءات قسرية تعترف ببعض حالاتها بطرق غير مباشرة، ومع ذلك تتهرب عن الكشف عن مصير كل المخفيين ومعالجة ملف الإخفاء.
تقرير الخبراء أشار الى خطاب حصل “المواطن” على نسخة منه أرسله النائب العام لليمن علي الاعوش في كانون الثاني يناير 2019، يتضمن قائمة بأربعة وثلاثين اسمًا لمختفين قسريًا إلى رئيس النيابة العامة في محكمة الاستئناف بتعز لمعرفة التفاصيل عن مصيرهم والإصرار على إحالتهم إلى النيابة العامة إن كانوا معتقلين بتهم جنائية، أو الإفراج عنهم فورًا وفقًا للقانون.
وأشار التقرير للمراسلات التي أطلع عليها الفريق بين رئيس النيابة العامة في محكمة الاستئناف بتعز والجهاز العسكري والأمني وحصل “المواطن” على نسخ لعدد من تلك المراسلات، والتي تركزت على طلبات الحصول على معلومات حول مصير وأماكن وجود أفراد معينين، معتبرًا أن مثل هذه النداءات والمراسلات “تظهر أن هناك معرفة على مستوى بمزاعم الاختفاء القسري”، مشيراً إلى إحالة خمس حالات لأفراد مختفين قسريًا إلى الجهات المختصة في تشرين الاول/أكتوبر 2019، وتم الإفراج عن هؤلاء الأفراد.
وأكد التقرير وجود انعدام للتحقيق في ادعاءات الاختفاء القسري بتعز، وهو ما أكدته عضوة اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان إشراق المقطري بقولها لـ”المواطن”: “لا يوجد ردود رسمية من قبل السلطات الحكومية في تعز”.
وقالت أسرة المخفي أحمد عصام، لـ”المواطن”، بأنها طالبت مختلف السلطات الحكومية في المحافظة الكشف عن مصير ابنها المخفي منذ عامين لكنها جميعا لم تتعامل بجدية مع مطالبها، وأضافت: “ظلت السلطات والأجهزة الأمنية والعسكرية تنكر معرفتها بمصير ابننا احمد طيلة السنتين الماضيتين حتى الآن ولم تفتح تحقيق مع الخاطفين المعروفين لها ومنتمين لمؤسساتها تحديداً الشرطة العسكرية واللواء 22 ميكا”.
وتابعت: “طرقنا باب منظمات المجتمع المدني وخاطبنا حقوق الإنسان والنائب العام والذي بدوره وجه رئيس نيابة الاستئناف بتعز وطالبت النيابة الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخبارات والبحث والشرطة بالكشف عن مصير احمد عصام لكنهم جميعاً ينكرون معرفتهم دون أي بحث وتحري وتحقيق مع الخاطفين رغم تقديمنا بشكوى باسمائهم”.
وأشارت إلى أن ابنها لم يتم محاكمته ولا تعرف ما هي تهمة احتجازه أو مكان اعتقاله ولا تملك أي معلومات عنه وهذا ما أكدته لـ”المواطن” عدد من أسر المخفيين.
وأفادت لجنة متابعة المخفيين للمواطن بأن “السلطة المحلية والأجهزة الأمنية والعسكرية تتعامل مع قضايا الإخفاء بمراوغة وتجاهل وكان القضية لا تعنيهم مشيرة إلى وجود وعود متكررة من السلطات إلا أنها لم تفي بها”.
بدوره تواصل “المواطن” مع مدير أمن المحافظة العميد منصور الاكحلي، وقائد الشرطة العسكرية العميد محمد سالم الخولاني، للحصول على معلومات بخصوص ملف المخفيين قسرًا بتعز والاستيضاح أكثر بهذا الشأن لكنهما لم يبديان أي تفاعل ولم يردا على تساؤلاتنا بهذا الخصوص.
استغلال
ويعمل الخاطفين وجهات الإختطاف والاخفاء على استغلال المخفيين وعائلاتهم إما في عملية الإبتزاز وطلب فدية مالية، أو لتحقيق مكاسب سياسية ومصالح شخصية.
وفي هذا السياق كشف لنا مصدر في لجنة متابعة المخفيين قسرا استغلال الجهات الحكومية لأحد المعتقلين الذي تعرض للتعذيب منذ اختطافه في شهر سبتمبر 2016م ولمدة عام بقوله: “كان المعتقل (ع. م. ع) مخفي في سجن عمارة الشوافي بحي المناخ، مديرية المظفر، غربي المدينة، ثم نقل إلى سجن الأموال العامة وهناك خضع للتعذيب وتعرض لوابل من الرصاص على يديه اليسرى تم بترها لاحقاً في مستشفى الروضة”، موضحًا أن السلطات كانت تنكر وجوده لديها أو أن يكون مخفي في أحد سجونها، وحين حدثت عملية تبادل أسرى بين القوات الحكومية والحوثيين في شهر يوليو من العام 2017م اطلقت السلطات الحكومية سراح المعتقل (ع. م. ع.) في عملية التبادل تلك رغم أنه مدني ولا علاقة له بالحرب ولم يكن أسير حرب.
وفي قضية استغلال أخرى للمخفيين وبحسب مصادر مطلعة فإن المتهم بقضايا جنائية -وفقاً للسلطات الحكومية- احمد يوسف الصرة، كان مخفي في أحد سجون الأجهزة الأمنية بتعز ولم تعرضه للمحاكمة أو تسمح بزيارته بل كانت تنكر وجوده لديها وعندما اختطف نجل نبيل جامل من قبل رجال قبائل الصبيحة بمديرية طور الباحة محافظة لحج، أطلقت السلطات الحكومية في تعز سراح احمد الصرة، مقابل إفراج أبناء الصبيحة عن نجل نبيل جامل، وتساءل المصدر كيف تقوم السلطات الحكومية بتعز بإطلاق سراح شخص تتهمه بقضايا جنائية دون محاكمة هل فقط لتبادل به نجل نبيل جامل؟!!
وتساءل أيضاً هل ينبغي على أسر المخفيين اختطاف أبناء قيادات ومسؤولي تعز من أجل الكشف عن مصير اقربائهم المخفيين والإفراج عنهم؟!!.
خوف
على الرغم من أن بعض أسر المخفيين بدأت في الثلاثة الأعوام الأخيرة تطالب بالكشف عن مصير اقربائها المخفيين وظهرت بعض الجهات والمنظمات الحقوقية المستقلة التي عملت على رصد تلك الجرائم والانتهاكات وبدأت بمتابعة هذا الملف والمطالبة بالكشف عن مصير المخفيين وعرضهم للمحاكة العادلة وفقاً للقانون، ومع ذلك لا تزال بعض الأسر تتخوف من الإدلاء بمعلومات عن أفرادها المخفيين الأمر الذي يدلل على أن المخفيين أكثر بكثير ممن تم رصدهم.
من جانبه أشار فريق الخبراء إلى وجود “مناخ من الخوف في تعز للناس الذين يسعون للحصول على معلومات حول مصير وأماكن وجود المختفين”، حيث قال: “تخشى العائلات متابعة القضايا، ولا تزال استجابة العدالة الجنائية لمزاعم الاختفاء القسري محدودة”، مشيراً إلى أن القضاة في تعز واجهوا “عددًا من الهجمات العنيفة وتعرضوا للترهيب” حد وصفه، مؤكدًا أن عائلات المختفين قسرًا تعاني آلامًا نفسية وتتعرض للخطر عند محاولتها البحث عن الحقيقة والإنصاف.
جريمة الإختلاف بالرأي
أفاد تقرير الخبراء الدوليين بأن المخفيين “ينتمون إلى خلفيات مختلفة”، مشيراً إلى أن “من بينهم أشخاص يُعتقد أنهم انتقدوا الجيش وحزب الإصلاح”.
كما أوضح قريب المخفي عبد الحكيم البركاني ل”المواطن” أن قريبه يعد من الإعلاميين البارزين في انتقاداتهم على مواقع التواصل الاجتماعي لأصحاب الأفكار والايدلوجيات المتطرفة وسلوكهم القائم على الإقصاء والتهميش للآخر، والقتل والتعذيب لمنتقديهم من الإعلاميين وأصحاب الأقلام الحرة الرافضين لسياساتهم القمعية تلك مشيراً إلى عدد من كتاباته على مواقع التواصل الإجتماعي تنتقد تلك الممارسات.
وأضافت لجنة متابعة المخفيين أن من أسباب ودوافع الإخفاء القسري دينية كتعرض عناصر الحركة الصوفية للاعتقالات والاخفاء القسري بسبب طقوسهم الدينية، مشيرة إلى تعرض مزارات الصوفية للتفجير على سبيل المثال تفجير قبر النبي شعيب في مديرية صبر، ومن الأسباب أيضاً الصراعات البينية بين الجيش الوطني.
القوانين الوطنية والدولية تجرم الاخفاء
أكد المحامي والمستشار القانوني نجيب شرف الحاج لـ”المواطن” أن دستور الجمهورية اليمنية والقانون اليمني النافذ “قد صان حرية المواطنين الشخصية وجرم قيدها أو حجزها أو المساس بها بأي شكل من الأشكال أو أي صورة من الصور دون احالته إلى النيابة العامة أو القضاء حيث جاء موقف المشرع اليمني واضحاً وجلياً بهذا الخصوص فقد وضعت التشريعات اليمنية في الاعتبار حق كل شخص في عدم التعرض لاختفاء قسري، وكفلت حق الضحايا في العدالة والتعويض، وهذا ما نصت عليه المواد(51،48)من دستور الجمهورية اليمنية، والمواد (6،7،11،13) من قانون الاجراءات الجزائية”.
وأضاف الحاج: “نصت المادة (6) من قانون الاجراءات الجزائية على أنه: (يحظر تعذيب المتهم أو معاملته بطريقة غير إنسانية أو إيذائه بدنيا أو معنويا..)، وكذلك المادة (7) اجراءات جزائية التي تنص على أن (الاعتقالات غير مسموح بها إلا فيما يرتبط بالأفعال المعاقب عليها قانونا و يجب أن تستند إلى القانون، تفرج النيابة العامة فوراً عن كل شخص قيدت حريته خلافا للقانون أو وضع في الحبس الاحتياطي لمدة أطول مما هو مصرح به في القانون ..)”.
وأكد: “لقد نظمت العديد من التشريعات الوطنية وكذلك الاتفاقيات والصكوك الدولية عقوبات صارمة بحق كل من يثبت ارتكابه لجريمة الاخفاء القسري حيث نصت الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في المادة الأولى منها على أنه: (لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري، ولا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري). كما اعتبرت المادة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية “الاختفاء القسري” جريمة ضد الإنسانية، ولابد من الايضاح هنا ان الإخفاء القسري قد يكون جريمة عادية مثل حرمان الشخص من حريته بمشاركة موظف حكومي في حرمان الشخص من حريته فقد حدد القانون عقوبة صريحه لهذه الجريمة، وقد يكون الاخفاء القسري وقيد الحرية بصورة حجز شخص وقيد حريته في مكان غير خاضع لسلطات الدولة او رقابة القضاء عليه ومن ثم إنكار وجود الشخص أو الكشف عن مكانه من قبل شخص او جماعة مسلحة وتنتشر مثل هذه الجرائم في مناطق الصراعات والنزعات المسلحة”.
بدورها أوضحت إشراق المقطري أن أسر الضحايا هم المعنيون أولاً في متابعة قضايا المخفيين لدى اللجنة وأجهزة القضاء وكذلك جهات المحاسبة التي ينتمي إليها المخفيين، مشيرة إلى أن “المتابعة يجب أن تكون بصورة مؤسسية لجهات معترف بها كالشرطة العسكرية بالنسبة لجهات الاختطاف العسكرية، وإدارة الأمن كمسؤولة عن الخاطفين من رجال الأمن”.
وأضافت: “سبل حل هذه القضايا هي تقديم أهالي المخفيين شكاويهم للجهات القضائية”، مشددة في هذا الصدد على أهمية وضرورة “استقلالية القضاء” وأن “ضغط الإعلام مع منظمات المجتمع المدني بصورة شفافة بعيداً عن المناكفات والصراعات الجانبية يمكن أن يسهم في حل هذه القضايا”.
وكان فريق الخبراء قد دعا مجلس الأمن إلى إحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتوسيع قائمة الأفراد المسؤولين عن الانتهاكات ضمن نظام مجلس الأمن للعقوبات، مقترحا عدد من المقترحات لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن منها تأييده (لإنشاء آلية عدالة جنائية دولية للتحقيق، مماثلة للهيئات المنشأة من أجل سوريا وميانمار)، مع إجراء المزيد من المناقشات حول إمكانية إنشاء محكمة متخصصة للتعامل مع الجرائم الدولية ارتكبت أثناء النزاع، بالإضافة إلى إنشاء محكمة وطنية بالشراكة مع المجتمع الدولي وغيرها من المقترحات.
وأشار إلى أنه قام بتقديم قائمة بأسماء الأفراد المرتكبين لهذه الجرائم إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان على أساس السرية التامة للمساعدة في “المساءلة المستقبلية”.
المصدر : المواطن