كتب : محمد الثريا
هل تحولت حاضرة الشرعية وأعتى قلاعها في الشمال الى واجهة صراع خفي يجسد تضارب أجندات الخارج وتحالفات ظل الداخل؟ ستة أعوام حرب ابتلع خلالها الحوثيون معظم الشمال لقمة صائغة فيما وقفت مأرب بعيدة عن متناول قوى الانقلاب او هكذا بدت ..ماهي قصة مأرب؟ولماذا يحدث هذا مع مأرب دون سواها في الشمال؟
مدينة مأرب ستظل ثقب الأزمة اليمنية والملعب الأمثل لخلط أوراق الصراع السياسي والعسكري باليمن .
هكذا يبدو أرادها متعهدو الملف اليمني وادواتهم بالداخل الشمالي، وهكذا سيبقى حالها مدينة محاصرة وآيلة للسقوط مع غياب تأكيد فرضية مغادرتها دائرة الشرعية او مربع الاخوان ولو على المدى البعيد هذا طبعا اذا ما استثنينا فرضية الجزم باستحالة سقوط المدينة وبقائها بهذا الشكل حتى الاعلان عن صيغة حل شامل وقرب التوقعات بنهاية الصراع والأزمة .
المدينة التي تعد عمليا واقعة تحت خط النار الحوثي منذ مدة والتي لم تعد مسألة سقوطها عسكريا مسألة وقت كما كنا نعتقد بعد ان تبين مؤخرا ان ذلك متوقف على حسابات متداخلة بين مفوضي حل الازمة من جهة وطرفي الداخل الشمالي من جهة اخرى والتي اكدت في مجملها حقيقة ان مأرب الشرعية ليست بصدد ضمها الى حظيرة السيد الانقلابي .
لذا قد لربما يبدو أمر استمرار محافظها العرادة في افتتاح المشاريع وتطبيع المتواجد الاخواني فيها بكل اريحية في ظل خطر يهدد باسقاط المدينة وعدو يتربصها على بعد بضع كيلومترات أمرا بديهيا ولايدعو للاستغراب طالما وان كل طرف هناك يعرف دوره جيدا ويعلم ان تقف حدوده.
من المؤكد ان هنالك تفاهمات أقليمية ودولية تحفظ هذا الواقع وتدعم بقاءه كماهو؛ وهي ربما اي تلك التفاهمات من دفع مبكرا بقطبي الشمال (الحوثيين والاخوان) بعد التقاطهما الاشارة في التصرف على تلكم الشاكلة والذهاب في ممارسة سلسلة من مشاهد تبادل الادوار وخلط الاوراق .
هم يدركون جيدا ماهية الرغبة والرؤية الخارجية بخصوص مستقبل الصراع اليمني ومساراته المفترضة لهذا تجدهم يمضون بمعية التيار الخارجي تماهيا بدلا من معاكسته، المهم هنا عدم المساس بمصالح أي منهما ولامشكلة حينها من اظهار التبعية للداعم والعداء تجاه بعضهما.
بالفعل سيبدو لك وكأنهم ينفذون أجندة الحليف؛ هذا صحيح نوعا ما، لكنهم في حقيقة الامر يستنزفون الجميع ويوزوعون أدوارهم بعناية أستعدادا لأي طارئ قد يعصف بشجرة تحالفاتهم القائمة ولربما حرصا منهم في تحقيق غرض ما يعنى بفرض سيناريو معين ينشده الطرفان مستقبلا .
لاحظ ان مسألة إتمام السيطرة الحوثية على كامل التراب الشمالي ليست مطروحة رغم قدرة الحوثيين في حسمها ..لماذا؟
لن اطيل كثيرا وباختصار يجب ان نعلم أن اي وقائع على الارض يتم تأكيدها عسكريا هي من ستفرض نفسها تلقائيا على طاولة الحل النهائي بهدف تأطيرها سياسيا ثم المضي قدما في مستقبل الحديث عن اي مشاريع سياسية يتم مناقشتها والتوافق عليها لاحقا، وبما ان هذا الامر يترتب في حدوثه على رغبة وتوافق اقليمي دولي مسبق فأنه من البديهي إذعان ادوات الداخل وتوقفهما عند نقطة (مأرب شرعية والحوثي على أسوارها)حتى حين .
وشخصيا لا أظن ان ثمة رغبة حاضرة بتسليم الحوثيين كامل الشمال، لذا سيبقى حال مأرب وتعز ومعهما ربما الساحل الغربي متوقفا كما هو حتى إشعار آخر .
وغير بعيد عن هذه الحقائق سوف لن يكون افضل من تكرار استهداف الجنود الجنوبيين بشكل صادم وتحويل تلك المأساة الى ورقة يستخدمها تحالف (الحوثي ـ الاصلاح) لخلط اوارق المشهد كلما شعر بأي تطور قادم قد لايصب في صالحه .
وبطبيعة الحال لم تأت ورقة إثارة الشارع الجنوبي عبر استهداف أبنائه هناك بهذه الطريقة ومحاولة تشويش المشهد لوحدها منفصلة عن واقع قصة الانسحابات التكتيكية وتسليم الجبهات والسلاح بالعكس فهي تأتي اليوم ضمن جملة اوراق يتم الدفع بها تسخينا لمسلسل اعادة انتاج الصراع وتجديد هليمان ذلك التحالف السلطوي .
مجددا لايجب بإي حال من الاحوال ان نغفل عن تعز المحافظة التي تركت معلقة وشطرت جغرافيتها بين طرفين او تكاد، لتجسد لنا مرة أخرى فحوى التزاوج الحوثي ـ الاصلاحي وطبيعة اهدافه .
وهنا ايضا ستبدو الحالمة وكأنها تلعب دورا ثانويا في مسلسل الصمود الاسطوري الذي تحدثنا عنه والذي تنفرد فيه مأرب بدور البطولة .
وبالعودة الى تفاهمات الشمال “الحوثيةـ الاخوانية” سنجد انها غالبا ما تقوم على خلق حالة من توازن السيطرة والنفوذ مع الحفاظ على هامش بسيط لمعارك عسكرية محدودة يخوضها طرفا الشمال المتحالف بين الفينة والاخرى في مقابل استمرار سعيهما ودعمهما لحالة اللإستقرار والفوضى جنوبا.
أخيرا..لاحاجة للتأكيد هنا ان مأرب قد اصبحت اليوم تختزل صراع الشمال وتجسد حقيقته بوضوح لهذا فأن اي محاولة للتكهن بمستقبل الازمة السياسية هناك سيتعين قبلها أولا النظر الى واقع الارض والمتغير العسكري قبل وضع التوقعات والعناوين الاقرب في وصف الصراع وتحديد مساراته الفعلية.
فسيفساء الصراع اليمني شمالا قد لاتبتعد كثيرا عن نظيرتها بالجنوب من حيث حضور الشرعية المحتضر أصلا وتقمص خصومها دور اللاعب البديل، فيما تظل مجريات واحداث اللعبة خاضعة كلية لرغبة متعهدي ملف الصراع وتعبيرا عمليا لطبيعة تلك الرغبة.
فهل تعكس قصة صمود مأرب لسنوات وواقعها اليوم قصة صراع ورقة الشرعية في مواجهة اوراق المشاريع الاخرى؟
لكن ماذا لو علمنا ان الجميع يمتلكون نسخة من ورقة الشرعية نفسها وبالمثل يجدون في صمود مأرب ثقب المرور وتأكيد الحضور وتحديدا تحالف الشمال؟ حينها لماذا عساها تسقط مأرب؟