قادري أحمد حيدر
الإهداء:
إلى الباحث الجليل والأستاذ القدير، الصديق عبدالعزيز سلطان المنصوب، أحد أهم وأبرز العقول البحثية والفكرية والثقافية في التراث الفكري الصوفي اليمني والعربي والإسلامي.
باحث جدير بحق بتسميته الباحث والمفكر العميق في تاريخنا التراثي الإسلامي الصوفي من جميع جوانبه نثرًا وشعرًا.
باحث كرّس وقته وعمره لتحقيق وإخراج أجمل كنوز تراثنا الفكري الصوفي الإسلامي. باحث يشتغل بهدوء وبصمت بعيدًا عن ضوضاء الإعلام والنجومية الفارغة من المعنى، لأنه في الأصل والجوهر باحث، وليس مجرد كاتب عابر.
تحقيقاته المختلفة في الفكر والأدب الصوفي قدّمت للمكتبة اليمنية والعربية والإسلامية عناوين مختلفة، هامة ونادرة، مما يستحق أن يرى النور وأن يصل إلى أيدي القرّاء والباحثين والمهتمين والمتخصصين في اليمن وفي المنطقة العربية والعالم كله.
الأستاذ الباحث عبدالعزيز المنصوب إنسان بسيط في غاية التواضع، لا يبحث عن المال ولا عن الشهرة، ولم يستفد من الكتابة مالًا، بل نشرها للمعرفة للجميع، وهو أعظم استثمار في تنمية العقل وتحريره من الجهل.
هو بحق واحد من أنبل العقول الفكرية والبحثية اليمنية والعربية، وهو قومي عربي ديمقراطي مفتوح على جميع جهات واتجاهات الفكرة الوطنية والقومية.
إليه، مع خالص المودة والمحبة والتقدير.
في تقديري، وفقًا لما هو حاصل، إن دور ومهمة “مجلس القيادة الرئاسي” هو إدارة أزمة الصراع لأطول فترة ممكنة حتى يستنفد المجلس القيادي الرئاسي دوره “الوظيفي”، وتنفيذ ما هو مطلوب منه، حتى ابتداعهم أو اختراعهم – الكفيل- لعبة سياسية جديدة لإدارة أزمة الصراع بين الأطراف المختلفة، والأهم الحفاظ على استمرارية إنتاج الخطابين:
المناطقي، والمذهبي الطائفي، والقبلي والعشائري، وغيرها من العوامل المشجعة للصراعات الهوياتية، بصورة لا يلغي أحدهما الآخر، والعمل السياسي والأمني لتوسيع حضورهم في بنية السلطة وفي بنية المجتمع.
والأهم/ الأهم استمرار حالة “اللادولة”، والتي عنوانها: حالة “اللاحرب واللاسلم” القائمة.
هذا هو المطلوب حسب الوصفة السعودية والإماراتية، والمطلوب من الوكيل “الشرعي” العمل على ذلك بكل أدب وجدارة ودون سؤال، فقط طاعة عمياء، وإلا فالعصا السعودية والإماراتية جاهزة للقرع على الرؤوس لمن يشذ عن واجب الطاعة.
فمن أطاحوا برئيس شرعي منتخب ضمن عملية ديمقراطية توافقية وطنية، خارجًا وخلافًا لنصوص الدستور اليمني، باسم “تفويض نقل السلطة”، لن يعجزوا عن الإتيان بمن هم أسوأ من هذا “المجلس القيادي الرئاسي”، التابع والمرتهن في كل مخرجاته وقراراته لما يتفق عليه السعودي والإماراتي.
وهنا تكمن المشكلة/ الأزمة.
لقد جيء بهذا “المجلس القيادي الرئاسي” ليؤسس ويكرّس معنى ومفهوم وواقع “المحاصصة الفئوية: المناطقية والمذهبية والطائفية والقبلية”، كما أشار ضمنًا د. السقاف لذلك، وإن لم يقصد ذلك مباشرة في السياق، ولكنه في المعنى والمضمون الفكري والسياسي العام يقول ويؤكد ذلك المعنى.
لقد استُقدم “المجلس القيادي الرئاسي” ليكون بديلاً عن حلمنا بدولة الشراكة والمشاركة السياسية، دولة المواطنة.
هو حقًا مجلس للصراع وتغذية الاحتراب الداخلي، الذي لا ولن يتوقف إلا ليبدأ.
ومن هنا نجد هذا المجلس وحيدًا وأعزل، وبدون حاضنة سياسية ولا اجتماعية وطنية، ولذلك لا نرى من يدافع عنه سوى أصحاب المصالح الصغيرة، المرتبطة مصالحهم بالخارج، وبكشوفات المرتبات بالدولار.
مثله كمثل “سلطة الأمر الواقع” القائمة في صنعاء، التي ترفض صرف مرتبات موظفي الدولة منذ قرابة عشر سنوات، بذريعة مواجهة العدوان، مع أن عدم صرف الراتب هو أعظم عدوان على الإنسان اليمني الفقير.
اليمن اليوم يعيش انقسامًا وتقسيمًا بإرادة قوة/ قوى خارجية لا صلة ولا مصلحة لليمنيين بذلك التقسيم، إلا كأدوات منفذة، بمن فيهم من يزعمون أنهم “شرعية”، ذلك أن هذه الشرعية — مجازًا — هي نفسها طرف ضمن أطراف في معادلة/ لعبة التقسيم يتحكم بها من يدير اللعبة من الخارج.
أي أن جميع أطراف اللعبة، في الجنوب والشمال، أدوات، وعلى الأحزاب السياسية والوطنية التاريخية، وجميع مكونات المجتمع الوطنية، أن ترفض هكذا لعبة، وأن لا تستمر طرفًا في هكذا سياسات قذرة، لأنهم حينها سيفقدون — كأحزاب وجماعات وأسماء — كل معنى سياسي ووطني مستقل لمعنى وجودهم في السياسة، بل وفي الحياة.
فالتاريخ لن يرحم من يحاولون العبث به، فمكره أعظم.
اليوم كل جزء أو قسم من الوطن المنقسم على نفسه، لا يعرف بالضبط — كشعب — من يديره، وإلى أين وجهته، وماذا يريد لنفسه، وليس لكل البلاد، والسبب ارتهاننا للخارج، وفقداننا للإرادة، وبالنتيجة فقداننا للمركز السياسي القيادي الوطني كسلطة ودولة.
رئيس ما يسمى بـ”الشرعية” يعيش الشهر متنقلًا وخائفًا على نفسه، بين السعودية وعدن، وبين دعوات خارجية لبعض البلدان، بما فيها افتتاح متاحف!!
رئيس، ومجلس بدون عاصمة، وبدون مؤسسات دولة، وبرلمان عمره قرابة ربع قرن، لا يتذكر نفسه ودوره إلا حين يحتاج للمال.
وضع مأساوي لا شبيه له في التاريخ السياسي العالمي، حتى وضع ومصطلح “الدولة الفاشلة” أكبر وأفضل مما هو قائم في البلاد اليوم شمالًا وجنوبًا!!
إن أجمل وأصدق وصف تعبيري عن حالتنا اليمنية “فوق الفاشلة”، هو ما كتبه أحدهم قائلًا:
“كل طرف يمسك بيده الممزقة ويدعي أنه القلب. وكل جهة تتحدث باسمه بينما الوطن نفسه عاجز عن النطق”.
ولكنه عجز عابر ومؤقت، فلا يراهن أحد على ذلك: وكما قالها الشاعر الأمير الأموي نصر بن سيّار، والدولة الأموية تنتحب أو تعيش أنفاسها الأخيرة:
أرى تحت الرماد وميض جمر
ويوشك أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تُذكى
وإن الحرب مبدؤها كلام
فقلت من التعجب ليت شعري
أأيقاظ أمية أم نيام؟
وسؤالي: أأيقاظ مكوناتنا السياسية أم نيام؟
حتى الآن يبدو أنهم في حالة وسط بين السبات والصحو، وعليهم أن يستفيقوا من ذلك الاستغراق في همومهم الذاتية الخاصة، غير مدركين أن البلاد كلها قد تنحدر إلى حافة هاوية لا قرار لها.
تلكم يا أعزائي هي المشكلة، حيث نجد أنفسنا اليوم في اليمن شمالًا وجنوبًا بين كماشة انقلاب ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م، وانقلاب ٧ أبريل ٢٠٢٢م، وانقلابات صغيرة متفرقة موزعة في اتجاهات الوطن المختلفة.
مشروعان سياسيان على التناقض فيما بينهما، يتخادمان في إعادة إنتاج بعضهما بعضًا، ومن هنا سيطرة وهيمنة الخطابين: المناطقي، والمذهبي الطائفي.
خطابان يشتغلان ويتحركان بتمويل سياسي ومالي واستخباراتي من الخارج — كما سبقت الإشارة — وهو أحد أبرز أوجه العدوان الداخلي والخارجي على اليمن.
وهنا أجدني متفقًا مع ما كتبه المثقف والسياسي المستنير سامي غالب في قوله عن الاشتراكي — بعد تعميمه من قبلي على اسم الوطني — بالقول إن الوطني الحقيقي: “والاشتراكي الحقيقي لا يمكن أن يقبل بهذا العدوان على وطنه، بصرف النظر عن هوية الحاكم اليمني أو انتمائه السياسي. إصلاح الخلل السياسي في اليمن هو مهمة داخلية، لا يمكن أن تُنجز عبر التدخل الأجنبي الذي يسعى دائمًا لتحقيق مصالحه على حساب سيادة الوطن”. (1)
ولكن ماذا نفعل إذا كان الطغاة الصغار في التاريخ هم من يستخدمون ويستقدمون الغزاة، وهو ما تعيشه البلاد حتى اللحظة.
السلطة القائمة اليوم في عدن، أو الموزعة بين عدن والسعودية باسم “الشرعية”، أو السلطة القائمة في صنعاء باسم “سلطة الأمر الواقع”، خاصة من بعد اتفاق ستوكهولم ٢٠١٨م، كليهما تعبيران مختلفان بل ومتناقضان عن أزمة سياسية وطنية يمنية واحدة، الفارق بينهما صار — مع الأسف — فقط في الدرجة، وليس في الطبيعة والنوعية.
مع أن أحدهما يقول “بالحق الإلهي” الحصري في السلالة “البطنين”، والآخر يزعم أنه “جمهوري” ويدعي زورًا القول بدولة المواطنة.
مشروعان يتحركان ويعملان في اتجاه تدعيم وتكريس الخطابين: المناطقي، والمذهبي الطائفي، ما يعني اتفاقهما مع الخارج: السعودي والإماراتي والإيراني، على تهميش وضرب الحياة السياسية الحزبية والمدنية، والأهم إلغاء التعددية السياسية والحزبية، وقمع الحريات ومصادرة الصحف السياسية بل وحتى الصحف الأهلية المستقلة، وصولًا — مع الجماعة الحوثية “أنصار الله” — إلى محاولة إلغاء التعددية المذهبية، وفرض الواحدية المذهبية الطائفية، بحظر نشاط حتى جماعة “السنة السلفية الدعوية” وليس “الجهادية”، التي تقر بطاعة ولي الأمر المتغلب (المستبد)، كيفما اتُّفق، ومصادرة آخر ما تبقى من مساجدهم السنية.
ولذلك فإن المطلوب من قبل السلطتين في عدن وصنعاء هو تراجع دور الأحزاب، وخاصة الأحزاب السياسية الوطنية التاريخية.
اليمن اليوم يشحت معونات إنسانية من ما يسمى “مركز الملك سلمان”، ومن جهات دولية، ومساعدات مالية تأتيه تحديدًا من السعودية، لتبدو معه السعودية كمنقذ لليمنيين من المجاعة ومن الجوع، وهي من أموال اليمنيين المنهوبة بالمليارات.
ذلك أن السعودية ليست جمعية خيرية، هي اليوم مندمجة ومتوحدة بالمشروع الرأسمالي الأمريكي/ الصهيوني، كما أنها لا تحب الخير والسلام لليمن واليمنيين.
اليمن من أغنى دول المنطقة، مصادر ثرواته متعددة: نفط وغاز ومعادن وذهب وثروة سمكية وزراعة وسياحة، وموانئ ومطارات عديدة استراتيجية تربط بين جهات العالم المختلفة.
فضلًا عن الموقع الجيو/ سياسي الاستراتيجي الذي تحول من نعمة إلى نقمة، ومن قوة للسيادة والاستقلال إلى تبعية وهيمنة لمن يتحكم بتلكم الثروة، وبمفاصل ذلك الموقع الجغرافي الاستراتيجي.
مصادر قوة مادية وسياسية واستراتيجية هائلة إما مجمدة أو منهوبة، وتوظف لصالح من يتحكم بمصائر القرار السياسي والاقتصادي!!
وعلى طريق فرض نظام رسمي “للمحاصصة المناطقية والطائفية والقبلية والجهوية”، وهناك شيء من هذا القبيل قائم ويتحقق على الأرض بهذه الصورة أو تلك.
الشيء الأكيد أن لا رغبة ولا مصلحة لـ”المجلس القيادي الرئاسي” — كأشخاص/ وهيئة — بعودة دولة المؤسسات واستعادة الدولة، أو وصول اليمنيين لتسوية سياسية وطنية شاملة، لأن ذلك يعني نهاية “مجلس المثامنة”، “مجلس الصدفة”، الذي يدر لهم ذهبًا، لأنهم في ظل وجود دولة استقلالية، وحكومة وطنية منتخبة، قد يخضعون بعدها للمحاسبة والمساءلة، وليس أفضل بالنسبة لهم من استمرار ما هو قائم.
وفي السياق ذاته، يستكمل د. السقاف قراءته/ كتابته بما يلي:
“إن تفكيك البنية السياسية الوطنية الجامعة بإعلاء شأن المناطقية والخطاب المذهبي الاستعلائي، وترسيخ نظام المحاصصات الفئوية في الوعي المجتمعي، وخاصة فيما يتعلق بالسلطة والثروة كما هو جارٍ في الأوضاع الراهنة شمالًا وجنوبًا، ومصادرة الفضاء العام، وضرب الأحزاب السياسية الوطنية — لاحظوا قول، د. السقاف، ضَرْب الأحزاب — باعتبارها أوعية سياسية جامعة، ولتمكين قوى ما دون الدولة في إدارة شؤون المجتمع، وإفراغ الوعي السياسي لدى المواطن من أية هوية سياسية وطنية جامعة لصياغة عقله، بحيث تتوفر لديه قابلية، ومن دون أدنى درجة من القدرة على الامتناع، لما يتشكل راهنًا — أي إفراغ روح وفكرة المقاومة للخطابين وللسلطتين — من دولة شكلاتية وراء صورتها الخارجية، خواء حقيقي يسهل العبث بها بأيدي داخلية متظافرة مع الخارج، والذي يسعى إلى تشكيل اليمن اقتصاديًا ضمن تبعيته بنيويًا”.
إن النص السالف المطول المقتبس من كتابة الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني إنما هو نص فكري/ سياسي ختامي وافتتاحي معًا، لقراءة وفهم ما يجري في البلاد شمالًا وجنوبًا منذ قرابة عشر سنوات عجاف، نص وخطاب فيه اقتصاد مكثف للغة بروحية المثقف العضوي والنخبوي معًا.
وكما يبدو أن الجمع بين عضوية المثقف ونخبويته لتمرير هكذا خطاب سياسي وطني، في واقع شرط احتلالي ما يزال ملتبسًا ومواربًا في أذهان البعض.
هذا ما تقوله مفردات ومحتوى نص الخطاب، الذي تأخر كثيرًا عن موعده، ولكنه خير من أن لا يأتي، والذي نتمنى أن يتحول من خطاب مناسباتي، ألى خطاب يتحقق تجسيده على الأرض، أي في واقع الممارسة.
خطاب من المهم أن يشارك في بلورته وإنضاجه وتعميمه جميع مكونات الفكر والسياسة والمجتمع في البلاد شمالًا وجنوبًا.
نحن بحاجة إلى خطاب سياسي وطني ديمقراطي، يمسك ويقبض بفكر عقلاني نقدي تشريحي للأزمة والمشكلة السياسية والوطنية اليمنية القائمة في اصطراعاتها الداخلية والخارجية.
حيث نظاما صنعاء وعدن إنما يتقاسمان إدارة لعبة أزمة السياسة والسلطة والثروة بإشراف إقليمي ودولي خارجي، بعيدًا عن أي دور سياسي جدي للقوى الفعلية صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير، وعلى رأسها الأحزاب والنقابات والمرأة والشباب، ومنظمات المجتمع المدني، والجماعات والهيئات الحقوقية والقانونية، التي تكاد تكون مغيبة كليًا عن المشهد السياسي.
وإلا ما كان تم تمرير صيغة وصورة ما يسمى بـ”المجلس القيادي الرئاسي”.
قبل انقلاب علي عبدالله صالح والحوثي “أنصار الله” على العملية السياسية الحوارية السلمية والديمقراطية، الذي كانت “مخرجات الحوار الوطني الشامل” عنوانها السياسي البارز، حيث كان يجري حوار جدي حول قيام الدولة الاتحادية الفيدرالية، التي لم يُتفق على عدد الأقاليم فيها، ولعب — مع الأسف — المؤتمر الشعبي العام والإصلاح وحتى عبدربه منصور هادي دورًا في عرقلة هذا المشروع السياسي الوطني والتقدمي، وتم قطعه بالانقلاب والحرب من قبل علي عبدالله صالح انتقامًا من ثورة فبراير ٢٠١١م، وبتحالف مع الحوثيين لتحويل الحوار السلمي إلى حالة حرب، لقطع الطريق أمام مشروع الدولة المؤسساتية الاتحادية الفيدرالية.
حوارات كان يجري فيها حديث، ولو بشكل محدود، عن رئيس ومجموعة من النواب من أمناء الأحزاب ومن قيادات المجتمع الوطنية من الشمال والجنوب، كحل توافقي ودستوري مع العمل لإنجاز دستور وطني جامع، ولكن أعداء الحوار والدولة المؤسساتية الوطنية وأعداء الدستور وقفوا دون ذلك.
والسؤال اليوم: لماذا لم يذهب التحالف السعودي والإماراتي — وهو يهندس هذا المجلس القيادي على مستوى ما يسمى الشرعية — في ذلك الاتجاه، أي في اتجاه إقامة “مجلس قيادة رئاسي” سياسي بمشاركة فعلية فيه للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والشباب والمرأة، من أعلى رأس الهيئة الرئاسية العليا إلى مختلف تكوينات وتشكيلات السياسة والسلطة والمجتمع؟
بدلًا من هندستهم وفبركتهم صناعة مجلس فارغ من المعنى السياسي والوطني، ومن أسماء سياسية ضعيفة فاسدة وانتهازية، ومن رموز تمثل أسوأ ما في البنية الاجتماعية التقليدية، ومن بعض زعماء الحروب وتجار الحروب!!
معظمهم — أقول معظمهم — من بقايا النظام القديم!!
لأن تشكيلهم مجلسًا بغير ذلك المحتوى يعني انقلابًا جذريًا على مشروعهم السياسي القائم باعتباره أفضل الخيارات لتنفيذ وتمرير مخططاتهم التقسيمية، لتفكيك وتدمير بنية السياسة والسلطة والمجتمع، وهو الحاصل اليوم.
ولذلك تجدهم يشتغلون بحماسة لا نظير لها للترويج للخطابات ما دون الوطنية، وقبل الدولة والشعب، بالتوازي والتفاعل والتكامل مع ما يجري في صنعاء، ومن هنا قصديتهم في تغييب وتهميش دور الأحزاب والمرأة والشباب، والعمل لإضعافهم أكثر فأكثر، لتمرير مشروعهم السياسي المتخلف والاستعماري بلبوس عربية رجعية، وبرعاية وحماية خارجية/ دولية.
ومن هنا أهمية وضرورة بلورة رؤية فكرية وسياسية وطنية نهضوية جامعة، تتأسس على وحدة الصف الوطني الديمقراطي الواسع جنوبًا وشمالًا، دون تهميش أو إقصاء لأحد، في اتجاه خلق خطاب سياسي وطني ديمقراطي يكشف ويعرّي زيف الخطابين: المناطقي، والمذهبي الطائفي، والعمل السياسي الجدي في واقع الممارسة في هذا الاتجاه، وليس مجرد الاكتفاء بإعلان الخطابات المناسباتية.
فصل الخطاب:
إن استمرار هذا الوضع يعني تدمير ما تبقى من مؤسسات الدولة، ليس في الواقع، بل وفي الوعي السياسي والاجتماعي والوطني للناس، وتهميش دور الأحزاب والقوى المجتمعية المدنية، وتفكيك أعمق لبنيات المجتمع، نحو التشظي والاقتتال.
ومن هنا تأكيدنا ربط الخطاب بالفعل؛ وحدة الفكر والممارسة.
إن أخطر ما في الأمر بالنسبة لنا كيمنيين، ليس أن يدمر المحتل واقعنا المادي — فكل ذلك مقدور عليه — بل إن الأخطر والأبشع أن يتمكن من تفكيك وتدمير وتشويه وعينا بأنفسنا، وعينا بواقعنا وبتاريخنا، وعينا بمن نحن، وما يجب أن نكون، وماذا نريد من المستقبل؟
أنا شخصيًا ليس لدي وصفة سحرية للحل لمن يطلبها مني، الحل في ابتداع حوار سياسي وطني واسع وشامل حول كل ما يجري في البلاد شمالًا وجنوبًا.
فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة عملية في الاتجاه الصحيح.
وإلا فلن يرحمنا التاريخ والأجيال القادمة.
والله ولي التوفيق.
هامش:
1- سامي غالب: (عشر إضاءات نقدية في ذكرى تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني…)، موقع ومنصة صحيفة “النداء”، تم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي.















