كريتر نت – متابعات
تتجه الأنظار إلى السعودية لمعرفة قرارها بشأن فتح باب الحوار حول التطبيع مع إسرائيل. ورغم أن المملكة تضع شروطا واضحة قبل تجاوز العتبة التي تثير الجدل إقليميا، كما لو أن الأمر محرج لها ولسياساتها، لكن الواقع يقول إن السعودية لا تخشى التطبيع على عكس إسرائيل التي قد يسحب منها موقف إيجابي من الرياض بشأن التطبيع الكثير من المسوّغات التي ترفعها.
ويتعامل الإسرائيليون مع موضوع التطبيع مع السعودية بخفة، وكأنه تحصيل حاصل، أو أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستفرضه على المملكة في سياق الصفقات الدفاعية والاقتصادية، دون تساؤل عن متطلبات التطبيع مع قوة إقليمية بحجم السعودية سياسيا واقتصاديا ودينيا.
وبدد ترامب خلال جولته الخليجية فكرة الضغط على السعودية لجرها إلى مربع التطبيع. وقبل ذلك تم تسريب معلومة تفيد بأن الولايات المتحدة لم تعد تطالب السعودية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل كشرط لتطوير الشراكة متعددة الجوانب معها.
وأثارت مرونة ترامب في الحديث إلى القيادة السعودية وإطلاق تصريحات تشيد بالقيادة ودور المملكة قلق الإسرائيليين، الذين كانوا يعتقدون أن الرئيس الأميركي سيضع مصلحتهم قبل مصلحة بلاده في الجولة الخليجية، وخاصة في لقاءاته بالرياض.
بالنسبة إلى الإسرائيليين احترقت ورقة ترامب والضغوط على السعودية أو تخويفها بتوسيع دائرة الحرب في الإقليم. وعلى العكس خرج الموقف السعودي أقوى بأن جدد المسؤولون التأكيد على أن لا تطبيع قبل وقف الحرب في غزة وإنجاد الفلسطينيين وتقديم المساعدات العاجلة لسكان القطاع، وأنه لا يمكن الحديث عن تطبيع في قلب الحرب، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قبل أسبوع.
وأكد السفير السعودي لدى بريطانيا الأمير خالد بن بندر بن عبدالعزيز أن المملكة لن تمضي قدما في تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلا بتحقيق السلام العادل والشامل، مشددا على أن “إقامة دولة فلسطينية هو الحل الوحيد لإنهاء عقود من المعاناة”.
وتمسك السعودية بمضمون مبادرة السلام العربية لعام 2002 ومحورها حل يقوم على خيار دولتين؛ فلسطينية وإسرائيلية، وهذا ما يزيد الضغط على إسرائيل التي يسيطر عليها تيار يميني متطرف يرفض الحديث عن دولة فلسطينية.
وطالما أن إدارة ترامب لا تفكر في الضغط على السعودية بشأن التطبيع وتضع مصالحها الإستراتيجية قبل أي شيء خاصة مع تجذر توجه سعودي – خليجي نحو تنويع الشركاء وعقد صفقات كبرى مع الصين والهند واليابان وكوريا، ما بات يهدد فكرة أن واشنطن لديها الأولوية في الخليج.
ولا تبحث إسرائيل عن تطبيع مع السعودية بقدر ما تبحث عن استثمار سياسي لهذه القصة للإيحاء بأنها فرضت نفسها على دول المنطقة وأن قادتها يسعون لإقامة علاقات معها، فيما التطبيع يعني فتح الطريق أمام خيار السلام بدءا من إحياء السلام في الملف الفلسطيني وصولا إلى سلام متعدد الأوجه أمنيا واقتصاديا وسياسيا، وهو ما يتعارض مع طبيعة الحكومات اليمينية المهيمنة في إسرائيل.
وبالتوازي خسرت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة ورقة التخويف بإيران لجر الخليجيين إلى التطبيع تحت الإكراه بعد أن فتحت دول المنطقة قنوات الحوار مع طهران ونجحت في بناء الثقة معها ومناقشة حل القضايا الخلافية سلميا، ما يسحب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورقة التخويف من إيران وأن بلاده قادرة على حماية الخليج.
وقال نتنياهو بعد نهاية حرب الاثني عشر يوما “لقد قاتلنا بقوة ضد إيران وحققنا نصرا عظيما يفتح فرصة لتوسيع نطاق اتفاقيات السلام بشكل كبير، ونحن نعمل بجد لتحقيق ذلك.”
وإذا قبلت إسرائيل بالتخلي عن فكرة التفوق العسكري والأمني وركزت على الاندماج الاقتصادي والتجاري مع محيطها، فإنها قد تفقد نقطة قوتها الوحيدة، وستكون مهددة بالذوبان في محيط خليجي يشهد اهتماما دوليا كبيرا ليس فقط في الاعتماد على تجارة النفط، ولكن لبناء شراكات اقتصادية وتجارية ثنائية وجماعية، والتحول إلى محور للبرامج والخطط التي تربط بين شرق آسيا وأوروبا، سواء المشاريع الصينية أو الهندية.
ولا يجد السعوديون، والخليجيون عموما، أيّ ضير في أن تكون إسرائيل جزءا من منظومة إقليمية مدعوما أميركيا شريطة أن تكون مستعدة لذلك وأن تتخلى عن منظومتها السياسية التي تريد السيطرة على الإقليم، وترفع منسوب العنف بشكل يشجع على تقوية الحركات العنيفة في المنطقة.
لكن هل ستكون إسرائيل قادرة على الدخول في شراكات إقليمية تنزع منها فكرة الرهان على القوة العسكرية وتحولها إلى طرف تكمن قوته في قدرته الاقتصادية والتجارية ومرونة اقتصاده.
وهذا التغيير من شأنه أن يمهد لاندماجها في الإقليم بدلا من العزلة الحالية وسيادة خطاب الكراهية تجاهها.
وقد تستفيد إسرائيل من وزن السعودية الديني والتاريخي في تحصيل مقبولية لدى الشعوب. لكن كل هذا مرهون بمدى تقبلها لفكرة السلام والتوقف عن التدخلات العسكرية وتقديم تنازلات حقيقية تقود إلى فتح الباب أمام قيام دولة فلسطينية يتمتع مواطنوها بالحق في العيش الكريم وفق مقاييس القانون الدولي.
وعلى عكس إسرائيل، فإن السعودية ستكون أكبر مستفيد من تطبيع يحقق شروطها ويكون في مستوى التزامها بالقضية الفلسطينية وينتصر للمبادرة العربية 2002 التي هي في الأصل مبادرة سعودية.
كما أن التزام إسرائيل بالاندماج في الإقليم على قاعدة الشراكة الاقتصادية يتيح للمملكة أن تتفرغ لتنفيذ مشاريعها المستقبلية الكبرى. لكن الأهم أنه يحقق لها نصرا مضاعفا ضد المتشددين الذين يركبون موجة العداء لإسرائيل للتشكيك في دور المملكة ووزنها في الإقليم، ويسحب من إيران البساط ويدفعها إلى التفرغ لمعالجة قضاياها الداخلية.