كريتر نت / القاهرة
عرفت دراما الرعب المصرية في السنوات الأخيرة تزايدا مطّردا في أعدادها، غير أن العقبات التي تواجهها عديدة، وتقف في طريق انتشارها جماهيريا في ظل اعتمادها على وصفة غربية صرفة لإثارة مشاعر الفزع لا تتناسب أحيانا مع المشاهد العربي، أو المبالغة في تصوير الأحداث، فيخرج المشاهد هائما دون أن يلتقط هدف العمل، أو ينصرف عن الاستمرار في المتابعة.
يبحث المشاهد العربي عن سياقات رعب تتماشي مع حكايات الخوف الشعبية المتوارثة، وتستهويه قصص الجن والبيوت المسكونة، لكن يبقى المحك الرئيسي في كيفية تقديمها بطبيعة محلية تناسب ظروف معيشته المعتادة مع حبكة درامية جيدة ومؤثرات تحفظ التشويق.
وتنوّعت الأعمال الدرامية بين السحر وما وراء الطبيعة، فمسلسل “أبواب الخوف” يدور حول صحافي يتتبّع أسرار وقائع غريبة في الماضي، و”الكبريت الأحمر” عن ضابط يحقّق في اشتعال منازل دون سبب، و”كفر دلهاب” يتمحور حول قرية يمارس أهلها السحر والشعوذة، و”السبع وصايا” عن رغبات سبعة أبناء بعد قتلهم أبيهم و”ساحرة الجنوب” عن قصة فتاة جميلة يسكنها شبح أحد السحرة.
وفي الآونة الأخيرة يُعدّ المؤلف المصري حاتم حافظ لعمل درامي جديد ينتمي إلى شريحة الرعب بعنوان “الغرف المغلقة”، يتضمّن سلسلة حلقات منفصلة كل منها تكتشف غرفة من غرف عقل الإنسان المغلق، مثل: الأحلام واللاوعي والرغبات المرعبة، بعد نجاح مسلسل “الشارع اللي (الذي) ورانا” بطولة درة ولبلبة، والذي تمحورت قصته حول قصر تسكنه نساء موتى يعتقدن أنهنّ على قيد الحياة.
ويقول الناقد الفني طارق الشناوي لـ”العرب”، إن أعمال الرعب تعتبر الأسوأ في الأعمال الفنية المصرية، سواء الأفلام أو المسلسلات، وتجاربها ضعيفة على مستوى الحبكة والسيناريو، وكان الاستثناء الوحيد هو الجزء الثاني من فيلم “الفيل الأزرق” الذي يقترب من السياقات العالمية في سينما الرعب والإثارة.
ولا يميل المشاهد العربي للكائنات الخرافية مثل “الزومبي” أو “المستئذبين”، وإن أراد يفضلها بنكهتها الغربية، وتظل سياقات خوفه من الأشياء الموجودة بالفعل في العالم الحقيقي وتتّسم بامتلاكها قدرات غير مرئية كالشياطين والجن، والتي لا تزال مصدر دخل للآلاف من الدجالين الذين يتخلّصون من السحر ويقون من المس ويطردون القوى الشريرة من النفوس.
وظلت أعمال الرعب مغامرة للمنتجين، ويخشون الاقتراب منها باعتبارها تجربة غير مضمونة العواقب، فإما الفشل الذريع وإما النجاح الكبير، رغم المحاولات المبكرة لإنتاجها.
ويعتبر مسلسل “القرين” الذي تم إنتاجه في العام 1978 وهو من بطولة محمود ياسين، أول مسلسل رعب مصري، ودارت أحداثه في 13 حلقة فقط عن شاب كان يعيش حياة روتينية ثم فجأة يجد شخصا شبيها له يحلّ محله في عمله وبيته ويورّطه في جريمة قتل، تلاه مسلسل “وتوالت الأحداث عاصفة” بطولة عبدالله غيث والذي عرض في العام 1982، وتناول مطاردة أمنية لعصابة تهرّب الذهب.
ويؤكد طارق الشناوي لـ”العرب”، أن الكثير من الأعمال المصنّفة كرعب تفتقر إلى المقومات الأساسية الخاصة بإثارة الفزع، ويمكن اعتبارها محاولات لجذب الجمهور بصور لم يتعوّد على التعامل معها في الدراما التقليدية أو بمعنى آخر كـ”شيء من الرعب”.
تتكبّد أعمال الرعب العالمية تكاليف إنتاج باهظة لاعتمادها على التقنيات والمؤثرات البصرية والسمعية، ولا تعتمد في الغالب على الفنانين المشهورين، فالقصة وطريقة تقديمها والتقنية هي البطل وليس الممثلين، عكس الدراما العربية التي تعتمد على الأداء الصارخ لممثليها الكبار والإفراط في تعبيرات وجوههم.
وتظل “منطقية الأحداث” عنصرا رئيسيا في الحكم على جودة العمل المقدّم ومصداقيته لدى الجمهور، لكنها تغيب عن أعمال الرعب العربية، سواء في الدراما أو السينما، ومن بينها فيلم “الإنس والجن” لعادل إمام ويسرا الذي يعتبر الأشهر، واعتمد على قصة تداعب الهوى المحلي عن عشق عفريت من الجن امرأة جميلة من البشر، فبعد تسعين دقيقة نجح حبيب البطلة (عزت العلايلي) في إنقاذها بمجرد ذكر آيات من القرآن، ما يثير السخرية حول أسباب تأخرّه طويلا عن حل المشكلة.
ويقول كاتب السيناريو المصري حاتم حافظ “التعاطي مع دراما الرعب المصرية يشهد نوعا من التعميم، فبعض المسلسلات الجيدة تتعرّض للظلم بوضعها في بوتقة واحدة مع غيرها من الأعمال الأقلّ في الجودة، أو الخلط في مفاهيم ومقومات الأعمال البوليسية والرعب والأكشن، ففي رأيي هناك أعمال جيدة وأخرى سيئة في كل الأنماط الفنية”.
ويشدّد على أن معايير تقييم أعمال قديمة بمقاييس اليوم أمر خاطئ، لأن دراما الرعب تعتمد على التقنية، ولا تجوز المقارنة بين مسلسلات تمت بأساليب متطورة حاليا بأخرى تمت في زمن يعتمد أكثر على الأساليب البشرية.
واتسمت الأعمال المصرية في بداياتها بالاقتباس المفرط من الأعمال الأجنبية وشخصيات الرعب الخيالية، ومنها دراكولا أو الغيبيات، كالجن والأشباح والسحر الأسود وعالم الأرواح الشريرة، ولا تزال تلك الاقتباسات قائمة بنفس الأسلوب مع إضافة أحداث محلية.
ويشير حافظ، إلى أن الأعمال الجيدة التي استفادت من توفّر التقنيات الحديثة، ويمكن تصنيفها كرعب صريح هي مسلسل “أبواب الخوف” ومسلسل “الكبريت الأحمر”، وأحداث “الشارع اللي ورانا” (من تأليفه) جرت في مكان بين الحياة والموت وحرص على إقامة ألفة مع “فكرة الموت” الذي يمثّل بداية جديدة، لذلك بدأ المسلسل بضوء مبهر في البيت الكبير الذي تسكنه نساء انتقلن للعالم الآخر، وكان الشيء المخيف خارج البيت، حيث المجهول، ومع مضيّ الأحداث واستعادة ذكريات الحياة تحوّلت إضاءته إلى الشحوب والظلال بعدها.
ويتوقّع نقاد أن تشهد دراما الرعب المزيد من الازدهار خلال السنوات المقبلة بعدما أصبحت جاذبة لجمهور شباك تذاكر السينما أيضا، بجانب تفضيل شبكات البث الرقمي لأعمال الرعب على القصص الاجتماعية.
وأعلنت منصة “نتفليكس” الأميركية، أخيرا، عن عرض المسلسل المصري “ما وراء الطبيعة” المستوحى من سلسلة روايات شهيرة للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، الذي يتولّى إخراجه عمرو إسماعيل، خلال العام الحالي، وتدور أحداثه في إطار من الغموض والإثارة، حول سلسلة من التطورات الخارقة للطبيعة يتعرّض لها طبيب أمراض دم.
ويعتمد نجاح دراما الرعب على معتقدات المُشاهد التي تصل به إلى الخوف والاضطراب عبر استغلال القوى الخارقة أو الإزعاج النفسي، وتتطلب نوعيات خاصة من الموسيقى تؤهل الأحداث إلى إصابة المشاهد بالصدمة أو الرهبة من مصادر الفزع، ما يجعل تقديمها مخاطرة يخشاها الكثير من المنتجين.