كريتر نت – متابعات
حمل موقف الحكومة المصرية بتغيير إجراءات الحصول على تراخيص الإقامة لتحل مكانها معايير سهلة وبسيطة، استجابة ضمنية لمطالب منظمات حقوقية ومفوضية شؤون اللاجئين في القاهرة، تجنبا لاتخاذ إجراءات خشنة ضد المخالفين.
وأثارت الخطوة غضب شريحة من المصريين ضاقوا ذرعا من تصرفات فردية لبعض اللاجئين وإصرارهم على مخالفة القيم المجتمعية، وفرض قناعاتهم الشخصية على المجتمع المحلي.
وقررت الحكومة رفع الطاقة الاستيعابية اليومية لإصدار تصاريح إقامة اللجوء إلى 1000 شخص بدلا من 600، بحيث يتم الانتهاء سريعا من التراخيص اللازمة لطالبي اللجوء ممن تنطبق عليهم الشروط كي لا يتم استهدافهم ويحصلوا على الخدمات.
وأعلنت مفوضية شؤون اللاجئين عن موافقة الحكومة على زيادة مدة تصريح الإقامة للاجئ من ستة أشهر إلى عام كامل، على أن تدخل التسهيلات الجديدة حيز التنفيذ ابتداء من يوم أمس السبت الموافق للثاني عشر من أبريل، في خطوة تحمل تغييرا واضحا في سياسة الحكومة التي كانت تتعامل بتشدد مع تصاريح الإقامة.
وبرهن التحرك المصري على تمسك الحكومة بالتعاطي بشكل إنساني مع ملف اللاجئين، بغض النظر عن الجنسية، والكثير منهم من محدودي الدخل ولن يكون بوسعهم دفع رسوم نصف سنوية، فقررت أن تكون فترة تصريح الإقامة عاما، بما لا يحملهم أعباء مضاعفة لا تتناسب مع أوضاعهم.
وخضع ملف تسوية أوضاع اللاجئين في مصر لمواءمات سياسية وأمنية، دون وضع طرق محددة للقبول أو الرفض مع تشعب الجهات المتداخلة مع الملف، لكن الحكومة قررت أخيرا أن تمضي في تسهيل إجراءات منح مشروعية الإقامة، أملا في زيادة الدعم المالي لها من بعض الجهات الدولية المانحة.
ويرى حقوقيون متخصصون في ملف اللاجئين أن المرونة في منح التراخيص لطالبي اللجوء في فترة قصيرة، ومدد أطول لصلاحية كل تصريح، ستعزز الاستفادة من فرص العيش والعمل بما يسهم في تحسين ظروف اللاجئين وضمان حقوقهم في الإقامة دون تعرضهم لمضايقات أمنية.
وتصاعد الغضب من بعض المصريين تجاه شريحة من اللاجئين لديهم إصرار على ارتكاب تصرفات فردية تسببت في زيادة منسوب الكراهية ضدهم، وتعاملت الحكومة مع الغضب الشعبي بجدية لعدم إثارة أزمات في ملف قد يُربك حسابات السلطة.
ورصد مصريون إطلاق تحذيرات على شبكات التواصل الاجتماعي موجهة إلى مثليين سودانيين يقيمون في مصر، تدعوهم إلى توخي الحذر من تعرضهم للاستهداف، وقالت صفحة تخص “تجمع المثليين السودانيين”، إنها توصلت إلى معلومات مؤكدة حول اعتقالات طالت مثليين في مصر.
وتحت عنوان “رسالة إلى مجتمع الميم من السودانيين في مصر”، قالت الصفحة “وردتنا معلومات عن حملات أمنية تستهدف المثليين في مصر باستخدام تطبيق ‘جرايندر’، حيث يتم إنشاء حسابات مزيفة من قبل الشرطة لاستدراج واعتقال الأشخاص، لذلك ندعوكم إلى توخي الحذر.”
وذكرت الرسالة “هناك تقارير عن اعتقالات تمت بعد مقابلات جرى الترتيب لها عبر التطبيق، لذلك احموا أنفسكم وكونوا في غاية الحذر، حيث يفضل مسح كل تطبيقات المواعدة بما في ذلك جرايندر، وحذف أو إخفاء المحادثات التي لها علاقة بتوجهاتكم الجنسية.”
وأثار المنشور غضبا واسعا على الفضاء الإلكتروني في مصر، قبل أن يتم حذفه من الصفحة، لكن ذلك لم يوقف توجيه اللوم إلى الحكومة التي تتعامل مع اللاجئين كضيوف لهم نفس الحقوق مثل المصريين، وسط مطالبات من بعض المواطنين بترحيل من يهددون ثقافة المجتمع وتقاليده.
ولم تُعلق أيّ جهة رسمية على الواقعة، في إشارة إلى عدم اكتراث الحكومة بمطالبات ترحيل اللاجئين، وأن الشحن المعنوي ضد بعضهم لا يلقى صدى عند دوائر صناعة القرار، لأنه يتناقض مع سياسات القاهرة، والتفرقة بين اللاجئين والمتجاوزين منهم.
وعبّرت المكتسبات الأخيرة التي تحققت لطالبي اللجوء مقابل تكرار دعوات الترحيل ضد بعضهم، عن ثبات موقف القاهرة تجاه اللاجئين، وأنها ماضية في التعامل معهم كورقة سياسية، حيث وُعدت بحزمة تمويلية دولية من الاتحاد الأوروبي تقدر بقيمة 7.4 مليار يورو حتى الآن.
وقال مساعد وزير الداخلية المصري السابق وعضو مجلس الشيوخ حاليا (الغرفة الثانية للبرلمان) فاروق المقرحي إن التصرفات السلبية من بعض اللاجئين تضاعف الضغوط على الحكومة، لأن المصريين بطبيعتهم لديهم حساسية شديدة تجاه ما يخص ثقافتهم وتقاليدهم ولا يسمحون بالاعتداء عليها، والأمن قد يتدخل لمنع ذلك.
وأضاف المقرحي في تصريح لـ”العرب” أن منظمة شؤون اللاجئين مطالبة بتنظيم حملة توعوية تحث كل لاجئ على ضرورة احترام القوانين واللوائح والعادات والثقافات المصرية، حتى لا يتم تهديد المكتسبات التي تحققت للاجئين من تسهيلات غير مسبوقة وتشريعات تضمن حقوقهم وتكرس إدماجهم داخل المجتمع دون قيود.
وتستضيف مصر التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 106 ملايين نسمة، ما يقرب من 9 ملايين مقيم أجنبي، وأغلبهم يحملون جنسيات السودان وسوريا وفلسطين واليمن وليبيا، ويصر الأمن المصري على التحرك في مسألة الحقوق، ولو كانت مرتبطة بالمثلية الجنسية، بعيدا عن الخشونة تجنبا لانعكاساتها السلبية.
وتتمسك الحكومة بعدم إثارة أيّ مشكلة حقوقية تخص اللاجئين من أيّ جنسية، كي لا تشوه الانطباعات الإيجابية حول الدولة الحاضنة للكثير ممن يطلبون اللجوء إليها، لكن هذا لا يعني عدم ضيقها من تصرفات بعضهم وتسببهم في زيادة الاحتقان الشعبي.
وإذا أقدمت على اعتقال من يرتكبون وقائع تخالف الأعراف والتقاليد والقوانين سوف تُتهم من قبل منظمات حقوقية بأنها تستهدف اللاجئين وتتعامل معهم بشكل غير إنساني بما يثير ضدها منغصات في ملف حساس، وإذا صمتت عن تصرفاتهم المخالفة ستتعرض لانتقادات أكبر من مواطنيها المحليين.
وهذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها لاجئون سودانيون احتقانا عند مصريين بسبب تصرفات فردية، حيث سبق أن قام بعضهم برفع خرائط على مقار عملهم ومؤسساتهم التعليمية تضم منطقة حلايب وشلاتين المتنازع عليها بين البلدين، في خطوة استفزت المصريين وطالبوا الأمن بالتدخل وترحيل هؤلاء.
وفي شأن المثلية، تدرك الحكومة أن أيّ اقتراب من هذا الملف أو التعاطي معه برعونة واستخفاف، قد يجعلها تصطدم بالأزهر والأغلبية المحافظة، مقابل تحقيق مكاسب زهيدة بالظهور كأنها منفتحة على حقوق المثليين من غير المصريين.
ولا تملك الحكومة سوى المواءمة بين حقوق اللاجئين وحق المصريين في العيش دون أن تُفرض عليهم ثقافات أو عادات، ما يحتم على اللاجئين التوقف عن أيّ أعمال استفزازية تزيد كراهية المصريين لهم وتجد الحكومة نفسها مدفوعة إلى التدخل بخشونة.