كريتر نت / عدلي صادق
مع بدء الحراك الشعبي الجزائري، بحجمه وسعة انتشاره، انفلت حبل الكلام، وسُمعت تصريحات لرجال من قلب السلطة، لم يكن أحد، قبل أسابيع، يتوقع أن يَسمع منهم ما هو دون ذلك بكثير. فقد انعكست حركة التبرؤ التي جاءت في آية من سورة البقرة، التي جعلت المتبوع يتبرأ من التابع في ساعة العرض والمساءلة، وحدث العكس، في القيامة الجزائرية، إذ بادر التابعون إلى التبرؤ من المتبوع، حفظا للرأس وتوخيا للنجاة في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
جديد المشهد، أن كل الأحاديث أصبحت على المشكوف، علما بأن الجزائريين متكتمون بطبعهم وحساسون من انكشاف أسرار الدار، وهذا من بعض موروث تجربتهم وما اعتراها من ضرورات الحذر طوال الحقبة الاستعمارية. أما انفراط مسبحة الكلام عندهم، فلا يمكن أن يحدث إلا عند الشديد القوي. فحين يستنفد الصمت والصبر وقتهما؛ يكون كل شيء واردا ومباحا لأسباب استثنائية!
ليس معنى ذلك، أن الأحوال والفرضيات والأصوات والمقاصد، قد اختلطت وتداعت في الجزائر، إلى الدرجة التي تتيح للمغنية فلة العبابسة أن تعلن عن ترشيح نفسها للانتخابات الرئاسية، لاسيما وأن عنصر الإحساس بالإهانة، كان الدافع إلى الحراك الشعبي الغامر لإجبار رئيس الجمهورية على الإخلاد إلى حياة هادئة في شيخوخته.
وهذا إحساس نشأ منذ أن أصبح الرجل مقعدا، ووجب أن يستريح، بصرف النظر عن تاريخه وعن كونه موصوفا بكل قلائد التبجيل اللغوية.
كان الرجل شمسا قبل أن ينسخه الظل، ثم انبرى آخرون، للحكم باسمه. أما المُغنية فلة، فلم تكن إلا امرأة مسكينة تقاذفتها الأعاصير، حتى أصبح من دواعي استقرارها معنويا أن تتصالح مع زميلتها التونسية لطيفة، وأن تنجح في إقناع السلطات في مطار القاهرة، بأن السبب الحقيقي لمنعها من الدخول، ليس “قضية آداب” وإنما مكيدة من إحدى الحاسدات. فقد كادت أن تقترن على سُنّة الله ورسوله، بلاعب من نادي الزمالك.
وليس أدل على براءة شرفها الرفيع، من اقترانها بعدئذ، برجل أعمال كويتي سرعان ما طلقها. لكن هذه المواهب كلها، لا تكفيها للترشح لرئاسة البلاد. ويبدو غاب عن ذهنها، أن الأمر يتعلق برمزية الحكم في بلد الرجلة والنيف، ولولا رجولة السيدة لويزة حنون، شكلا وخطابا ونيفا، لما صمدت كل هذه السنين في مضمار السياسة!
إن كانت المُطربة تُسمع وتُستحسن، حين تُغني، فلا يُسمع صوتها ولا يُستحسن، عند إعلان رغبتها في الترشح للرئاسة، ولا عند رفع الأذان كما فعلت. فالمؤذن أسبق إلى الصلاة من سامعيه. إن مثل هذه الثرثرات في هوامش الحراك الشعبي الجزائري، معناها أن الأمور قد هزلت، بينما هي -قطعا- ليست في هزال.