كريتر نت – متابعات
رغم أن حماية المدنيين أمر بالغ الصعوبة في منطقة مكتظة بالسكان مثل غزة ويصعب فيها التمييز بينهم وبين والمقاتلين، إلا أن توفير ممرات آمنة خطوة ضرورية وأخلاقية للتقليل من الخسائر البشرية.
بينما تستعد إسرائيل على ما يبدو لاجتياح بري لقطاع غزة بعد هجمات حركة حماس التي أطلقتها من القطاع مؤخرا، تظل حماية المدنيين أمرا شائكا بسبب اكتظاظ القطاع بالسكان وصعوبة التمييز بين المسلحين وغيرهم.
وتساءلت كارين سودكامب الباحثة في شؤون الأمن القومي بمؤسسة البحث والتطوير الأميركية (راند) في تقرير نشرته المؤسسة، عن كيفية حماية المدنيين الأبرياء أثناء القيام بعمليات عسكرية فعالة في المناطق الحضرية ضد عدو متواجد بين السكان المدنيين وراسخ في البنية التحتية لموقع ما.
وقالت سودكامب التي عملت لمدة أكثر من 10 سنوات في أجهزة الاستخبارات الأميركية لدعم العمليات العسكرية لمحاربة الارهاب، إن صانعي القرار المدنيين والعسكريين الإسرائيليين يواجهون السؤال بعد هجوم حماس غير المسبوق من غزة على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر.
حماية المدنيين تظل أمرا شائكا بسبب اكتظاظ قطاع غزة بالسكان وصعوبة التمييز بين المسلحين وغيرهم
ويشير الانفجار الذي وقع في مستشفى المعمداني في غزة وأسفر عن مقتل المئات من الأشخاص إلى المخاطر التي يواجهها المدنيون في منطقة حرب نشطة.
وكان رد إسرائيل الأولي على السؤال الخاص بكيفية تجنب وقوع إصابات بين المدنيين في غزة هو إبلاغ أكثر من مليون من السكان الفلسطينيين بالفرار من منازلهم والتوجه جنوبا.
ودون نزوح جماعي في اللحظة الأخيرة من شمال غزة، ستواجه إسرائيل احتمال وقوع المزيد من الضحايا المدنيين.
ومن المؤكد أن خوض معارك في المدن وسط السكان المدنيين هو قضية تعامل معها صانعو القرار الأميركيون خلال العمليات العسكرية على مدى عقدين منذ الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001.
وهناك دروس حول حماية المدنيين يمكن أن تستخلصها إسرائيل من تجربة الولايات المتحدة الأخيرة.
ومن بين الدروس النظر في الخسائر المدنية المحتملة عند التخطيط للغارات الجوية، والبحث عن طرق محسنة لجمع ونشر المعلومات الاستخباراتية، وتوفير ممر آمن للمدنيين بعيدا عن مناطق الحرب.
وحتى الآن، قتل أكثر من 1400 مدني إسرائيلي وحوالي أربعة آلاف مدني فلسطيني في الصراع الأخير. وعلى الرغم من ضراوة هجوم حماس والرد الإسرائيلي، لا يمكن تجاهل الالتزام الأخلاقي بالحد من الأضرار المدنية.
وتقول سودكامب إن المعارك الحضرية ليست أحداثا غير عادية في الشرق الأوسط. وتوفر المعركة التي قادتها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش الإرهابي في الرقة بسوريا في عام 2017 أوجه تشابه مع الصراع في غزة من حيث البيئة والخصم والآثار الإنسانية.
وتضيف أن الأبحاث حول المعارك مع داعش، التي أجريت بهدف الحد من الأضرار المدنية، تشير إلى أنه يمكن الحفاظ على الفعالية العسكرية مع حماية المدنيين وتقليل الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية المدنية.
وترى سودكامب أن العمل في بيئات حضرية مكتظة بالسكان أمر صعب للغاية حتى بالنسبة إلى الوحدات العسكرية ذات الخبرة مثل الجيش الإسرائيلي، الذي عمل في غزة من قبل. ولدى حماس، على عكس داعش، تاريخ في استخدام البنية التحتية المدنية كدفاع ضد العمليات العسكرية الإسرائيلية.
وتعرف منظمات مثل داعش وحماس أن خصومها ملتزمون بالحد من الأضرار المدنية والاستفادة من الالتزام بالقانون والمعايير الدولية.
وقبل معركة الرقة، قام التحالف مع شركاء قوات الدفاع السورية في البداية بتطويق المدينة لإضعاف مقاتلي داعش بدلا من السماح لهم بالفرار إلى المعقل التالي. ومع ذلك، منع أيضا مغادرة سكان الرقة المدنيين.
وفي سوريا، غالبا ما كانت منشآت داعش التكتيكية تقع بالقرب من البنية التحتية المدنية، مما يتطلب قرارات ضربات فردية للنظر في طرق لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين.
ويمكن أن تساعد الاعتبارات في الحد من الخسائر في صفوف المدنيين في غزة أيضا، على الرغم من أنه لا يمكن أبدا تجنب وفيات السكان والأضرار التي تلحق بالبنية التحتية، حتى باستخدام الأسلحة الدقيقة.
وفي الرقة، أدت الأضرار الجانبية التي لحقت بالبنية التحتية إلى جعل عمليات النهوض وإعادة الإعمار صعبة وتستغرق وقتا طويلا.
كما أن القتال في المناطق الحضرية في موقع لا يتم التحكم فيه، خاصة عند الاعتماد على الدعم الجوي، يجعل من الصعب جمع المعلومات الاستخباراتية في الوقت الفعلي والتحقق منها ومشاركتها.
وفي سوريا، أعيقت جهود الاستخبارات بسبب تنقل المدنيين عبر الرقة هربا من القصف، وبحثا عن المأوى والغذاء وأماكن جديدة للعيش فيها. وينطبق الأمر أيضا الآن على قطاع غزة، أحد أكثر المناطق الجغرافية اكتظاظا بالسكان في العالم.
وتقول سودكامب إن تعزيز التركيز على مهمة جمع المعلومات الاستخباراتية والاستفادة منها أمر بالغ الأهمية، على الرغم من التحديات العديدة التي تواجه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في غزة.
ويشير فحص أوجه القصور في الاستخبارات الأميركية في سوريا إلى الحاجة لتحسين الحرف اليدوية والتدريب الخاصين بالاستخبارات الخاصة، وتعزيز الجهود لجمع المعلومات العلنية والتحقق من صحتها، وتحسين تقييمات الخسائر المدنية.
القتال في المناطق الحضرية في موقع لا يتم التحكم فيه، خاصة عند الاعتماد على الدعم الجوي، يجعل من الصعب جمع المعلومات الاستخباراتية في الوقت الفعلي والتحقق منها
وفي سوريا، تصرف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بناء على نصيحة قوات الدفاع السورية وفتح ممرات إنسانية خارج الرقة حيث استمرت المعركة لفترة أطول من المتوقع. وكان أمرا بالغ الأهمية لإجلاء المدنيين والحد من وفيات المدنيين.
وبينما استمرت المخاوف بشأن إمكانية هروب مقاتلي داعش الذين يمكنهم إعادة تجميع صفوفهم في مواقع أخرى، خفضت الممرات عدد القتلى والإصابات بين المدنيين في الرقة وضواحيها.
ويمكن لطرق هروب مماثلة أن تنقذ أرواح المدنيين في غزة أيضا. وفي حالة عدم توفرها يصبح سكان غزة محاصرين وغير قادرين على الهروب من القصف الجوي الإسرائيلي.
وينطبق مطلب إسرائيل الجديد بفرار المدنيين على شمال غزة، لكن الجنوب يفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لدعم المدنيين الإضافيين الذين سيظلون محاصرين.
وتشجع الولايات المتحدة بانتظام جميع الشركاء على الحد من الأضرار التي تلحق بالمدنيين أثناء الصراع، بما في ذلك في المناطق الساخنة الحالية مثل أوكرانيا.
وكانت تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال زيارته إلى تل أبيب والعواصم العربية، إلى جانب الجهود المبذولة لفتح معبر رفح الحدودي للمساعدات الإنسانية وعمليات الإجلاء، تذكيرا للمجتمع الدولي بالنظام القائم على القواعد وأهمية حماية المدنيين الأبرياء أثناء الصراع.
وتخلص سودكامب إلى أن أحد الفروق بين المجتمع الدولي ومنظمات مثل حماس وداعش هو التزامه بالحد من الأضرار المدنية أثناء النزاع والحد منها.
وتضيف أنه في حين أن الانتقام من خلال نهج العين بالعين قد يبدو مشروعا في الوقت الحالي، فإن الاستماع إلى عناصر طيبة بشكل أفضل يمكن أن يساعد في تقليل الضرر المدني على المدى الطويل.