البراق شادي عبدالسلام
“امنحونا التنظيم وسنتدبر التمويل اللازم لنكون جاهزين في الموعد”. بهذه الكلمات عَبَّرَ أب الأمة الملك الحسن الثاني – رحمه الله – لأعضاء لجنة الفيفا عن الإرادة القوية والعزيمة الثابتة للأمة المغربية في تحدي كل الصعاب وكل العقبات لنيل شرف تنظيم كأس العالم لسنة 1994، وبعدها بشهور تحديدا في يوم 4 يوليو 1988 في مدينة زيوريخ السويسرية بمقر الفيفا كان اجتماع أعضاء اللجنة التنفيذية الواحدة والخمسين للتصويت على الدولة التي ستنال شرف استضافة كأس العالم لسنة 1994.
المنافسة كانت قوية بطعم المؤامرة بين دولتين المغرب والولايات المتحدة، أما البرازيل التي أدخلها البرازيلي جواو هافيلانج رئيس الفيفا آنذاك فكان دورها منحسرا في بعثرة الأصوات المحتمل أن يضمنها المغرب، وبالتالي التأثير على التصويت؛ فكانت النتائج صوتين للبرازيل و7 أصوات للمغرب و10 أصوات لأميركا، بعدها بأربع سنوات في نفس القاعة في يوليو 1992 عقدت ذات اللجنة التنفيذية جلسة التصويت لاختيار الدولة المرشحة لاحتضان منافسات كأس العالم 1998 بين ثلاثة مرشحين فرنسا وسويسرا والمغرب، والنتيجة كانت لصالح فرنسا بـ12 صوتا و7 أصوات للمغرب وأخرى مماثلة لسويسرا، ثم توالت المحاولات المغربية في 2006 و2010 و2026 لصالح ألمانيا وجنوب أفريقيا ولصالح ملف مشترك بين أميركا وكندا والمكسيك.
وفي 4 أكتوبر 2023 الديوان الملكي المغربي يزف الخبر اليقين للمغاربة بعد أكثر من ثلاثة عقود من الإصرار على تحقيق الحلم والعمل الدؤوب لتصحيح المسار وبناء القدرات ووضع التصورات الجديدة والروئ المتجددة القويمة استطاع المغرب انطلاقا من إيمانه العميق بنجاعة الشراكات الإقليمية والعمل البيني المشترك مع دول الجوار أن يحقق طموحه المشروع الذي طال انتظاره.
مونديال 2030 فرصة لتقديم إرثنا الحضاري المتفرد والغني وبعث هويتنا المغربية الأصيلة، فالمشتركات الحضارية بين الدول الثلاث المنظمة لكأس العالم هي كثيرة ومترابطة ومتداخلة
اليوم المملكة المغربية تخطو خطوة عملاقة أخرى في التاريخ الإنساني بالمشاركة الفاعلة في مشروع حضاري ورياضي وثقافي عابر للقارات عنوانه الاحتفالية المئوية بتنظيم أول مونديال عالمي للرياضة الأكثر شعبية وجماهيرية في التاريخ، حيث ستكون هذه النسخة المغربية – الأيبيرية والأفريقية – الأوروبية – اللاتينية والأطلسية – المتوسطية تذكيرا للعالم برسالة السلام بين الأمم بلغة الرياضة، فتنظيم كأس العالم اليوم هو فرصة لتعزيز التنوع الثقافي والحضاري بين الشعوب وموعد عالمي للتعايش السلمي بين الأمم وفرصة لتحقيق الانصهار بين الثقافات المختلفة من خلال تمثيل منتخبات كرة القدم من كل دول العالم، ليساهم المونديال في نشر رسالة السلام والتعددية الثقافية، ويعزز التفاهم والتضامن بين الثقافات المختلفة في روح الرياضة العالمية.
مونديال 2030 هو أيضا فرصة لتقديم إرثنا الحضاري المتفرد والغني وبعث هويتنا المغربية الأصيلة واستنباط صور احتفالية من تاريخنا المجيد، فالمشتركات الحضارية بين الدول الثلاث المنظمة لكأس العالم هي كثيرة ومترابطة ومتداخلة، والتراث الحضاري المغربي – الأندلسي في الدول الأيبيرية والمغرب، إلى جانب تعبيرات ثقافية أخرى، بإمكانه أن يشكل حاضنة حقيقية ومشتركا جماعيا متفردا لتقديم نسخة استثنائية لا مثيل لها لهذه الكأس العالمية.
هذا الإنجاز التاريخي العظيم هو ثمرة مجهود جبار وعمل دؤوب وتخطيط مسبق قام به رجال المغرب في صمت إستراتيجي رغم حملات التشكيك والتشويش ونشر الأخبار الزائفة والتضليل الإعلامي، فقد استطاع الفريق العامل إلى جانب فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم ورئيس اللجنة المكلفة بملف ترشيح المغرب لتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030 تحقيق الهدف المطلوب، وبتوجيهات ملكية سامية ومواكبة ملكية مباشرة تمكن من العبور الآمن بالمغرب إلى محطة أخرى من محطاته التاريخية البارزة وتحقيق حلم أمة بمشروعية حقها في استضافة هذه المسابقة التي ستشكل إضافة نوعية لمسار تصاعدي وريادي يتخذه بكل ثقة المغرب في جميع المجالات.
الدبلوماسية الملكية السامية كان لها دور بارز و فاعل في خدمة الملف المغربي المشترك مع جيرانه الشماليين حيث من المنتظر أن يكون هذا التنظيم المشترك نواة لمنتدى إقليمي مغربي – أيبيري قادر على خلق فرص واعدة في غرب المتوسط، خاصة مع المشاريع المهيكلة الكبرى المنتظرة بين الضفتين وبشكل خاص المشروع الحضاري الكبير المتمثل في الربط القاري بين أوروبا وأفريقيا والذي من المنتظر أن يؤسس لنفس جديد من العلاقات الإنسانية والتاريخية بين الشمال والجنوب، كما بإمكانه أن يشكل دفعة قوية للرؤية الأطلسية الجديدة للمملكة المغربية.
حقيقة واحدة أن وراء هذا الإنجاز وهذه المسيرة الكروية التي يشيد بها العالم أجمع رجالا وطنيين يمتلكون رؤية إستراتيجية مسؤولة وإرادة قوية للنهوض بالكرة والرياضة المغربية بشكل يترجم تاريخ الأمة المغربية العظيم إلى ألقاب عالمية وتموقع قوي للمغرب في الخارطة الرياضية العالمية.
اليوم المملكة المغربية تخطو خطوة عملاقة أخرى في التاريخ الإنساني بالمشاركة الفاعلة في مشروع حضاري ورياضي وثقافي عابر للقارات عنوانه الاحتفالية المئوية بتنظيم أول مونديال عالمي للرياضة الأكثر شعبية وجماهيرية في التاريخ
اليوم الكرة المغربية تعيش وستعيش مرحلة جديدة عنوانها التألق العالمي وتحقيق الريادة الكروية العالمية بقيادة فوزي لقجع والفريق العامل إلى جانبه، بحرصه على تنزيل الرؤية الملكية المستنيرة للعاهل المغربي الملك محمد السادس للإقلاع بالكرة المغربية نحو العالمية، والإنجازات الكبرى التي حققتها الكرة المغربية في السنوات الأخيرة دليل على نجاعة عمله الميداني في مختلف المستويات الوطنية والقارية والعالمية، حيث يحرص الرجل بكل مسؤولية على بناء منظومة كروية تتمتع بكل مقومات النجاح معتمدا على إستراتيجية ثلاثية الأبعاد تعتمد على الحكامة في التدبير والتسيير واستدامة التمويل وتطوير البنية التحتية بهدف وحيد هو بناء القدرات وتحقيق النتائج والصعود إلى البوديوم.
بالعودة إلى فوزي لقجع، فالمتتبع لمنهج الرجل في العمل بروح وطنيته الحقة والتزامه الكبير بخدمة الوطن وجديته في التعاطي مع الملفات المرتبطة بصورة المغرب ومكانته بين الأمم، نجد اليوم أنفسنا أمام جيل جديد من المسؤولين يمتلك غيرة على الوطن وإحساسا بجسامة المسؤولية وثقل الأمانة والالتزام الصادق بالتوجيهات الملكية السامية، والرغبة الأكيدة في تنزيل الرؤية الملكية المتبصرة في مجال التدبير الرياضي والتي وضعت الأساس الفكري والمنهج العلمي الذي بفضله استطاعت الرياضة المغربية تحقيق العديد من الإنجازات التاريخية غير المسبوقة وغير المنتظرة في مختلف الرياضات طوال السنوات السابقة.
هي إنجازات قوية وجب علينا تحصينها والعمل على استدامتها. فتأسيس نموذج رياضي مغربي يتسيد على كرة القدم القارية والعالمية أصبح من بين الأهداف الإستراتيجية الكبرى المطروحة فوق مكتب الفاعل الرياضي، بالاعتماد على الحكامة في التسيير الرياضي والاشتغال بمنطق احترافي واستكمال طريق إصلاح ما يمكن إصلاحه في المنظومة الكروية والرياضية المغربية، والانتقال من مرحلة ردة الفعل الرياضي إلى الفعل الرياضي المدروس والمخطط له بعناية ودقة، وهو ما تكرسه العناية الملكية للرياضة المغربية بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص.
اختيار المغرب إلى جانب إسبانيا والبرتغال لاحتضان منافسات مونديال 2030 يؤكد على حقيقة واحدة أننا مستمرون في طريق بناء مغرب الجرأة والتمكين متسلحين بروح “تمغربيت” وصدق الرؤية الملكية المتبصرة، وأن الورش التنموية الوطنية الكبرى والانتصارات الدبلوماسية التي تحققها الدولة المغربية في كل المحافل الدولية ليست صدفة أو قرارات ارتجالية عابرة، بل هي نتيجة تلقائية للتخطيط المسبق والإيمان الصادق بحتمية تحقيق الإنجازات الوطنية الجامعة.
ولا غالب إلا الله.
نقلاً عن العرب اللندنية