كريتر نت – متابعات
القرار الذي اتخذته السعودية قبل نحو أسبوعين بتخفيض إنتاج النفط لن تستفيد منه الرياض إلا قليلا، لكنه يخدم بشكل كبير روسيا التي تواجه ضغوطا غربية متزايدة منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية.
ويرى محللون أن القرار الأخير الذي اتخذته أوبك+ بخفض الإنتاج لم يعد على السعودية بمكاسب كبيرة بالإضافة إلى أنه قد زاد من حجم الهوة بينها وبين الغرب.
وأعلنت أوبك+ عن خفض مفاجئ في إنتاج النفط في اجتماعها في 4 يونيو بمقدار 1.16 مليون برميل يوميا.
وبحسب هؤلاء المحللين فقد كانت روسيا المستفيد الرئيسي الوحيد من هذا القرار تماما مثلما حدث عند خفض إنتاج أوبك+ السابق “المفاجئ”.
ويربط الكاتب سايمون واتكينز قرارات السعودية التي تصب في مصلحة روسيا بتحول أوبك إلى أوبك+.
وبحسب مقال لواتكينز في موقع أويل برايس فإن هذا يختلف عن الأسباب التي تجعل المملكة تخدم مصالح الصين.
ويكمن حافز هذا التحول “الزلزالي” في التحالفات الجيوسياسية بين السعودية وروسيا في فشل حرب أسعار النفط 2014 – 2016، التي شنتها المملكة لتدمير (أو على الأقل تعطيل) قطاع النفط الصخري الناشئ آنذاك في الولايات المتحدة.
وفهِم السعوديون خلال تلك المرحلة أن البناء المستمر لقطاع النفط الصخري الأميركي منخفض التكلفة سيعني التدمير التدريجي لقوة الرياض في العالم وتراجعها كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط، لكونها تستمد قوتها من إمدادات النفط.
وأدركت المملكة أن ذلك قد يعني أيضا أن الولايات المتحدة ستكون أقل ميلا لدعمها في قضايا الأمن الإقليمي، وعلى الأخص التهديدات المتزايدة من إيران.
ويرى واتكينز أنه لم يكن أمام السعوديين خيار حقيقي سوى محاولة السيطرة على قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة، لكنهم خسروا، ودفع أعضاء منظمة أوبك ثمنا اقتصاديا باهظا فاقمته حرب أسعار النفط في 2020.
وأضاف “كانت النتيجة المباشرة لحرب أسعار النفط 2014 – 2016 هي تدمير السعودية لاقتصادها واقتصاد الدول الأعضاء في أوبك لسنوات قادمة. وبالإضافة إلى ذلك، والأهم من ذلك من منظور جيوسياسي، أنها فقدت مصداقيتها كزعيم فعلي لأوبك، بالإضافة إلى أن المنظمة خسرت مصداقيتها كقوة لا تقهر في أسواق النفط العالمية”.
ويعني هذا أن تصريحات أوبك بشأن مستويات العرض والطلب على النفط في المستقبل (وبالتالي، بشأن الأسعار) فقدت الكثير من قدرتها على تحريك الأسواق، بالإضافة إلى تضاؤل فعالية صفقاتها للإنتاج المشترك.
وفي نهاية 2016، دخلت روسيا الصورة إدراكا منها للإمكانيات الاقتصادية والجيوسياسية الهائلة التي كانت متاحة لها إن أصبحت مشاركا أساسيا في منظمة الدول المصدرة للنفط، ووافقت على دعم اتفاق خفض إنتاج أوبك فيما سيُسمى “أوبك+”، وإن كان ذلك بأسلوبها الفريد الذي يخدم مصالحها الذاتية.
صريحات أوبك بشأن مستويات العرض والطلب على النفط في المستقبل (وبالتالي، بشأن الأسعار) فقدت الكثير من قدرتها على تحريك الأسواق
ويُعرف أن السعوديين لا ينسون أبدا ما يعتبرونه لفتة لهم، وهو ما حدث في حالة الصين عندما قدمت عرضها لولي العهد الأمير محمد بن سلمان عندما كان يكافح للعثور على مهتمين بطرحه العام الأولي لشركة أرامكو السعودية.
وعرضت الصين شراء نحو 5 في المئة من شركة أرامكو السعودية للنفط بشكل مباشر، عند عرضها في ذلك الوقت في طرح خاص لم تُكشف تفاصيله إلى اليوم.
وكانت تلك نقطة التحول الرئيسية في العلاقة بين السعودية والصين. وبالمثل، كان دعم روسيا لخفض إنتاج النفط “أوبك+” في نهاية 2016 فعالا في تعزيز أسعار النفط والسماح لأعضاء أوبك بالبدء في إعادة تعبئة محافظهم بعد حرب أسعار النفط 2014 – 2016. وكانت تلك أيضا نقطة التحول الرئيسية في علاقة المملكة العربية السعودية بروسيا.
ثم شهد أكتوبر 2017 دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى موسكو، وكانت تلك أول زيارة لملك سعودي في منصبه إلى العاصمة الروسية. وانتهى هذا الاجتماع (والاجتماعات العديدة على الخطوط الجانبية بين المسؤولين في البلدين) بالاتفاق على 3 مليارات دولار من الصفقات المحددة عبر مجموعة واسعة من المجالات، بما لا يقتصر على قطاع النفط.
وأشار وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك في ذلك الوقت إلى أن شركة نوفاتيك الروسية المنتجة للغاز تجري محادثات مع المستثمرين السعوديين للمشاركة في “أركتيك للغاز الطبيعي المسال – 2″، وهو ثاني مشروع ضخم لتسييل الغاز في شمال روسيا بعد مشروع “يامال للغاز الطبيعي المسال”الذي تبلغ كلفته 27 مليار دولار. كما اتفق الطرفان على أن يبعث صندوق الاستثمارات العامة السعودي صندوقا بقيمة مليار دولار بالتعاون مع الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة، ويستثمر في شركات التكنولوجيا الروسية.
لا تهتم الصين ولا الهند (ولا العديد من الدول الرئيسية الأخرى التي تشتري النفط) بالعقوبات الحالية التي تقودها الولايات المتحدة ضد روسيا وترحب بشراء النفط الروسي الرخيص
وعلى نفس المنوال، أجرت شركتا النفط والغاز الروسيتان المملوكتان للدولة روسنفت وغازبروم محادثات مع نظيرتهما، أرامكو السعودية، لتنظيم عمليات منسقة لتجارة النفط والغاز وإنشاء مركز مشترك للبحوث والتكنولوجيا.
ولم تكن واشنطن سعيدة بكل هذه الاتفاقيات، لكن أسوأ التطورات تمثلت في اتفاقين سياسيين وعسكريين، أولهما تراجع السعودية عن مطالبتها بإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة، وثانيهما توقيع المملكة العربية السعودية على مذكرة تفاهم لشراء نظام الدفاع الجوي الروسي إس – 400.
وبلغ التزام السعودية العميق تجاه روسيا درجة جديدة مع عدم رغبتها المطلقة في خسارة هذه العلاقة الثنائية بأيّ شكل من الأشكال في ضوء غزو أوكرانيا في فبراير 2022.
وتجد روسيا في السعودية ودول أوبك+ حلفاء لها في صراعها مع الولايات المتحدة وداعمة لها في تمويل حرب أوكرانيا، حتى وإن لم تتبن ذلك بشكل علني. وكان سعر التعادل المالي لبرميل برنت الروسي يبلغ حوالي 40 دولارا لسنوات عديدة حتى غزو أوكرانيا.
وكان هذا لفترة طويلة تقريبا نفس المستوى الذي يمكن أن يحقق عنده منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة أرباحا جيدة وحوالي نصف سعر التعادل المالي للنفط في السعودية منذ فترة طويلة.
لكن الأمور تغيرت الآن، حيث بلغ سعر التعادل المالي للنفط الروسي حوالي 115 دولارا هذا العام، وفقا لأرقام صناعة النفط. إلا أن هذه النقطة ليست الأساسية. النقطة الأساسية هي أن غزو أوكرانيا دفع الولايات المتحدة وحلفاءها لفرض حظر وحد أقصى للأسعار على منتجات الهيدروكربونات الروسية، وكان من أهمها فرض حد أقصى لسعر النفط العام على النفط الروسي عند 60 دولارا للبرميل.
جاء ذلك في ديسمبر من مجموعة الدول السبع (التي تضم كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) ومن الاتحاد الأوروبي (وهو أيضا عضو إضافي “غير مُعدَّد” في المجموعة)، بالإضافة إلى أستراليا. ونظرا إلى هذه العوامل، كانت إستراتيجية روسيا واضحة وفعالة، وتتمثل في إقناع المملكة العربية السعودية (الزعيم الفعلي لمنظمة أوبك) بزيادة أسعار نفط المجموعة قدر الإمكان بينما تبيع في نفس الوقت نفطها بخصم على هذا السعر، ما يجعله يبقى أعلى من الحد الأقصى لسعر النفط الرسمي.
ويتعدد المشترون الراغبون في التمتع بسعر النفط الروسي المخفض سواء كان عند الحد الأقصى لسعر البرميل البالغ 60 دولارا أو أعلى من ذلك.
وتعدّ الصين الدولة المستفيدة الرئيسية، لكن الهند تبقى مستوردا ضخما أيضا. وكلما رفعت أوبك أسعار النفط الباهظة، كلما كان النفط الروسي مخفض التكلفة أكثر جاذبية.
ولا تهتم الصين ولا الهند (ولا العديد من الدول الرئيسية الأخرى التي تشتري النفط) بالعقوبات الحالية التي تقودها الولايات المتحدة ضد روسيا وترحب بشراء النفط الروسي الرخيص. ومن المثير للاهتمام أيضا أن الولايات المتحدة نفسها لا تبدو منزعجة جدا من مثل هذه المبيعات بأسعار مخفضة عن مستويات أوبك، لأن هذا التأثير يتمثل في خفض أسعار النفط عموما داخل سوق النفط العالمي الأوسع. ويجب في هذا السياق قراءة البيان الصحفي الرسمي للكرملين بعد خفض إنتاج أوبك+ “المفاجئ”. وذكر البيان “أشاد الجانبان بمستوى التعاون داخل أوبك+، الأمر الذي يمكّن امن تخاذ خطوات فعالة وفي الوقت المناسب للإبقاء على التوازن بين العرض والطلب على النفط”.