أحمد حافظ
رفضت مؤسسة الأزهر استمرار العمل بقانون بيت الطاعة لما فيه من إذلال للمرأة المصرية وإهانة لكرامتها. وتزامن هذا الموقف مع إعداد الحكومة لقانون جديد ينظم العلاقات الأسرية بتكليف من الرئيس عبدالفتاح السيسي لمواجهة الخلافات الزوجية والحد من الطلاق. ولاقى موقف الأزهر ترحابا كبيرا من المؤسسات النسوية، واعتبره المراقبون إنصافا للمرأة واستقطابا للشريحة النسوية المعارضة لأي تدخل فقهي في التشريعات الأسرية في ذات الوقت.
ومنح شيخ الأزهر أحمد الطيب الجهات التشريعية في مصر الضوء الأخضر لإلغاء النصوص القانونية المرتبطة ببيت الطاعة عندما شن هجوما حادا لكون بيت الطاعة التصق بالإسلام، في حين يصعب لشريعة أن تُلزم زوجة على العيش مع زوجها عنوة ولو من خلال الحصول على حكم قضائي.
وقال شيخ الأزهر في برنامج “الإمام الطيب” الذي يذاع عبر فضائية “سي.بي.سي”، إن مفهوم قوامة الزوج انتصر للعادات والتقاليد البالية على حساب النصوص الشرعية وانبثق عنه بيت الطاعة بأن ترد الزوجة الكارهة لشريكها رغم أنفها لتعيش معه حتى ولو كانت ترفض رؤية وجهه، وحُسب ذلك على الإسلام ظلما وزورا.
وأثار انفتاح الأزهر المفاجئ على حقوق المرأة علامات استفهام كثيرة، لأنه اعتاد التمسك برؤى وقناعات متشددة في ما يرتبط بقضايا الأسرة عموما والنساء على وجه الخصوص، كأن هناك توجها داخل المؤسسة الدينية لاستمالة العنصر النسائي في مواجهة إقصاء الأزهر عن أي نقاش يخص قوانين الأسرة.
وتزامن موقف الأزهر من بيت الطاعة مع إعداد الحكومة لقانون جديد ينظم العلاقات الأسرية بتكليف من الرئيس عبدالفتاح السيسي لمواجهة الخلافات الزوجية والحد من الطلاق وتحديد الحقوق والواجبات الواقعة على الشريكين، لكن من غير المتوقع عرض التشريع على الأزهر، لأن هناك نصوصا سيتم رفضها من جانبه مثل إقرار الطلاق الموثق وإلغاء نظيره الشفهي، لكن السلطة تتمسك بتمرير القانون ولو كان هناك رفض أزهري.
هالة منصور: استمرار العمل بقانون بيت الطاعة يكرس إذلال الزوجات
ويعتقد مراقبون أن إنصاف الأزهر للمرأة برفض استمرار قانون بيت الطاعة محاولة لاستقطاب الشريحة النسوية المعارضة لأي تدخل فقهي في التشريعات الأسرية وإبداء المرونة أمام سلطة ترفض استمرار هيمنة الأزهر على قوانين الأسرة بحجة تشدده وانحيازه لصالح الذكور، لكن الأزهر بدا في هذه القضية أكثر ليونة.
وزاد الأزهر من استقطابه للنساء بأن أفتى الطيب بحق الزوجة في الخروج من منزل الأسرة متى شاءت، ولا يشترط الحصول على إذن مسبق أو مباركة من شريك حياتها خاصة لو كانت ذاهبة إلى أسرتها، وهو الموقف المغاير لآراء شيوخ السلفية الذين تسببت فتاواهم في تحول الزوجة إلى تابعة لزوجها وتحتاج إلى وصي على تحركاتها.
واستقبلت مؤسسات النسوية في مصر موقف شيخ الأزهر من رفض استمرار بيت الطاعة بترحاب كبير، لأن غالبية رجال الدين كرسوا مفهوم قوامة الرجل على المرأة، ولو بالإذلال والقهر، وشرعوا له استدعاء زوجته إلى المنزل متى وكيفما شاء.
وهناك قائمة طويلة من الفتاوى الصادرة عن فقهاء تابعين للأزهر وشيوخ ينتمون إلى التيار السلفي تقضي بشرعية إجبار المرأة على البقاء في منزل زوجها بالإكراه، مع إعطاء الحق للرجل في إرغامها على عدم الخروج من المنزل مهما شعرت بالبغض وتعرضت للأذى النفسي والجسدي.
وفسّر متابعون انتفاضة الأزهر بأنها تمهيد واضح لإنهاء عقود طويلة جرى فيها تركيع الزوجات وإجبارهن على المعاشرة بالإكراه، بعدما تدخل الإمام الطيب نفسه في رفع المشروعية الدينية عن القانون وصرح علانية بأنه يهين المرأة ويجعلها أسيرة في بيت زوجها، ما يتناقض كليّا مع قناعات السلطة الحاكمة.
ومنذ وصول الرئيس السيسي إلى الحكم وهو يتعامل مع المرأة بخصوصية شديدة، على مستوى التوسع في تمكينها اقتصاديا واجتماعيا والتطرق إلى حسن معاملتها من جانب الزوج والأسرة وسن تشريعات تمنحها حقوقها مع الحد من السلطوية الذكورية، أو جعلها أسيرة لقناعات دينية ضيقة تسببت في قهرها وظلمها لعقود.
وتعج المحاكم المصرية بقضايا الطاعة التي يقيمها البعض من الرجال ضد زوجاتهم اللاتي تركن منزل الأسرة، وغالبا ما يحكم القاضي بعودة المرأة إلى البيت استجابة لطلب شريك حياتها دون الوقوف على الأسباب الحقيقية التي دفعتها للهروب منه، ومعرفة ما إذا كانت تتعرض للعنف والإهانة أم لجأت إلى هذا التصرف بلا مبررات واقعية.
ويلجأ القاضي الذي ينظر في القضية المرفوعة من جانب الزوج إلى سؤال الشهود والجيران حول الرجل وتصرفاته وسلوكياته لمقارنة أقوالهم بكلام الزوجة ومبررها للهروب، وأحيانا يقوم الزوج بشراء ذمم بعض الأشخاص كي يشهدوا لصالحه وتخسر المرأة القضية ويتم الحكم بإلزامها بالعودة إلى زوجها تطبيقا لقانون بيت الطاعة.
وقالت هالة منصور أستاذة علم الاجتماع والباحثة في العلاقات الأسرية في القاهرة لـ”العرب” إن استمرار العمل بقانون بيت الطاعة يكرس إذلال الزوجات ويغذي العنف المسلط ناحيتهن، ويعد إلغاؤه بتوصية أزهرية كفيلا بوقف الأضرار النفسية والمادية التي تتعرض لها الزوجة، بما لا يجعلها تعيش مكرهة على الرضا بالأمر الواقع.
وأشارت إلى عدم وجود فائدة واحدة من استمرار بيت الطاعة، بل إنه كرس تدمير العلاقات الزوجية، لأن المرأة عندما تعود إلى بيت شريكها بأمر قضائي تكون مكسورة أمام زوجها وأولادها ومجبرة على واقع لا تقبله، مع أن القوانين الاجتماعية يفترض فيها تحصين الكيان العائلي من التصدع والشقاق والتعايش بشكل إنساني، وهذا يصعب تحقيقه مع قانون يرهب الطرف الضعيف.
◙ من شأن الرفض الفقهي لاستمرار بيت الطاعة التمهيد لوقف ابتزاز بعض الرجال لزوجاتهم بالموافقة على الطلاق مقابل التنازل عن حقوقهن
وتخشى الكثير من الزوجات ترك منزل الزوجية مهما تعرضن لضغوط واعتداءات حتى لا يترتب على ذلك أن يحكم القاضي بأنهن نواشز وتسقط حقوقهن إذا قررن الطلاق، حيث يتم حرمانهن من النفقة الزوجية والسكن، وهناك من يتم إرغامهن من قبل أسرهن بالعودة إلى المنزل خشية لجوء الأزواج إلى القضاء لعودتهن عبر بيت الطاعة.
وهناك زوجات يلجأن إلى ارفع قضايا طلاق للضرر، لكن يبادر أزواجهن بطلبهن في بيت الطاعة عن طريق المحكمة ويستخدمون بعض الحيل للإضرار بهن، كأن يتم تسجيل عنوان وهمي لمقر سكن الزوجية، حتى لا يصل إخطار الطاعة للزوجة، فلا هي علمت به ورفضت ولا قامت بتنفيذ الحكم في المدة القانونية المحددة بشهر واحد، فتسقط عنها النفقة وتعتبر ناشزا.
وإذا كانت الخسارة المادية للمرأة عند تصنيفها كزوجة ناشز هينة مقابل تحررها، إلا أن هناك زوجات يعتمدن على النفقة الزوجية كمنقذ وحيد لهن من الشح المالي والتيسير عليهن في الإنفاق على الأبناء بعد الطلاق، وعندما تخسر الزوجة هذا المبلغ تعيش أزمات عدة، فهي مطلقة وبلا مصدر ثابت للدخل ولها أولاد هي مسؤولة عنهم.
وأكدت منصور أن الأذى النفسي الذي تتعرض له زوجة يتم إجبارها على الإقامة مع رجل تبغضه ضد النصوص الشرعية، واستمرار بيت الطاعة يكرس لأوضاع غير إنسانية، على رأسها القهر والإذلال والاستسلام للتصرفات والسلوكيات المشينة، رغم أن العلاقة الزوجية يفترض أنها قائمة شرعا وقانونا على الرضا والراحة والعاطفة والمودة والتفاهم والعلاقة الإنسانية.
من شأن الرفض الفقهي لاستمرار بيت الطاعة في مصر التمهيد لوقف ابتزاز بعض الرجال لزوجاتهم بالموافقة على الطلاق مقابل التنازل عن كل الحقوق وعدم المطالبة بأي شيء عقب الانفصال الرسمي، وهذا تصرف شائع داخل أوساط أسرية وكثيرا ما تضطر الزوجة للقبول بهذا الخيار للحصول على حريتها من سجن الزوجية لتكمل حياتها بعيدا عن الأذى والإذلال بالطاعة.
المصدر العرب اللندنية