أحمد جمال
طفت على السطح أزمات الغذاء في مصر بسبب الارتفاعات المستمرة في أسعار المواد الغذائية وشح بعضها في ظل أزمات اقتصادية تسببت في تراجع قيمة الجنيه وارتفاع فاتورة السلع المستوردة من الخارج، ما دفع الحكومة إلى البحث عن بدائل محلية والتوسع في زراعة المحاصيل، لكن ذلك يصطدم بنقص المياه مع إصرار إثيوبيا على الاستمرار في ملء سد النهضة وتشغيله دون اتفاق قانوني مُلزم.
وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري الأربعاء أن الممارسات الأحادية الإثيوبية في ما يتعلق ببناء سد النهضة تمثل تهديدا لأمن مصر القومي وانتهاكا للقانون الدولي.
ودعا شكري خلال كلمته أمام مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، الدول العربية إلى القيام بدور داعم للموقف المصري في هذه القضية خاصة وأنها تعد أحد أكثر الدول جفافا.
وعقد الرئيس عبدالفتاح السيسي الاثنين اجتماعا موسعا مع رئيس الحكومة ووزيري الزراعة والري بحضور عدد من قادة الجيش للوقوف على الموقف التنفيذي لمشروعات الإنتاج الزراعي واستصلاح الأراضي في مناطق الدلتا الجديدة (غرب القاهرة)، وضرورة الاعتماد على نظم الري الحديثة في إطار سياسات الدولة لترشيد استهلاك المياه بحثا عن تحقيق الأمن الغذائي وتقليل فجوة الاستيراد.
عباس شراقي: إثيوبيا تريد ثلث كمية المياه دون اعتبار التوزيع النسبي
وجاء هذا الاجتماع بعد أيام من بث صور حديثة التقطتها أقمار اصطناعية لسد النهضة، أظهرت استعداد أديس أبابا للملء الرابع للسد خلال فترة الفيضان في الصيف المقبل، بغرض أن يصل إجمالي كميات المياه المخزنة في بحيرة السد إلى 30 مليار متر مكعب، ما يترك آثارا سلبية على مصر تحاول تخفيفها بوسائل مختلفة.
وتسير الحكومة المصرية في اتجاهات عديدة لتقليل الآثار السلبية لسد النهضة بعد أن فقدت حماسها في الوصول إلى اتفاق ملزم وضيق الخيارات الفنية والسياسية أمامها.
وتوسعت القاهرة في مشروعات تحلية مياه البحار وإعادة تدوير المياه المستخدمة في الزراعة وتبطين الترع لتوفير كميات إضافية من المياه، وتبنت خططا زراعية جديدة تعتمد على التوسع في استيراد المواد الغذائية التي بحاجة إلى كميات من المياه.
وأشارت تقارير صحافية إلى عقد اجتماع سري بإحدى الدول الخليجية قبل أيام، حضرته وفود من مصر والسودان وإثيوبيا لمناقشة أزمة سد النهضة لم يتمخض على نتائج ملموسة تشير إلى إمكانية التفاهم قريبا أو تغيير أديس أبابا موقفها المعلن سلفا.
وقال أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي، إن المفاوضات العلنية مع إثيوبيا توقفت منذ ما يقرب من عامين وأن دخول أطراف عربية على خط الأزمة وعقد عدد من اللقاءات غير المعلنة بين المفاوضين الفنيين للدول الثلاث لم تحمل جديدا، وسعت أديس أبابا للقفز على المواقف الراهنة بطرحها مسألة إعادة تقسيم المياه بين الدول الثلاث، وهو ما كان مثار رفض من جانب القاهرة والخرطوم.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن إثيوبيا ترتكن على إشارات الاتفاق الإطاري بين الدول الثلاث في قضية الاستخدام العادل والمنصف لمياه نهر النيل دون النظر إلى أن ذلك تطرق للمسألة قبل إنشاء السد وتخزين المياه في بحيرته.
كما أن المساعي الإثيوبية تستهدف الحصول على ثلث كمية المياه بلا اعتبار لعوامل التوزيع النسبي في مقدمتها أعداد السكان وموارد المياه لكل دولة، وهناك قناعة من الجانبين المصري والسوداني بأنها تسعى لإرغامهما على شراء المياه منها مستقبلا.
أديس أبابا تستعد للملء الرابع بغرض أن يصل إجمالي كميات المياه المخزنة في بحيرة السد إلى 30 مليار متر مكعب
ولفت إلى أن المفاوضين المصريين لديهم قناعة بأن أديس أبابا لن تتمكن من استخدام الكميات المتوافرة لديها من المياه لندرة مشروعات الزراعة والبيئة الصحراوية، في حين أن حجز كميات كبيرة من المياه في الأشهر المقبلة مع بدء عملية الملء الرابع يمكن أن تعوضه مصر من مياه السد العالي الذي يستطيع تغطية الاحتياجات لشهور وسنوات، لكن خطر ذلك يكمن في انخفاض معدلات تخزين المياه داخله.
وأظهرت الصور الأخيرة التي التقطتها الأقمار الاصطناعية أن أعمال الخرسانة في الممر الأوسط لسد النهضة الذي من المقرر تعليته لاستيعاب مياه الفيضان في الملء الرابع لم تبدأ بعد، وأن الحكومة تعمل على تعلية الممرات الجانبية تمهيدا لتعلية الممر الأوسط، ومن المنتظر أن يصل إجمالي منسوب المياه المخزنة إلى 620 مترا.
وأكد شراقي في حديثه لـ”العرب” أن التأثيرات السلبية للملء الرابع على مصر قد تضاهي تأثيرات التخزين في السنوات الثلاث الماضية، وأن إقدام إثيوبيا على تفريغ ما يقرب من 10 مليارات متر مكعب مؤخرا جاء نتيجة عدم قدرتها على توليد الكهرباء بسبب مشكلات في توربينات التوليد سوف تؤدي إلى قيامها باحتجاز تلك الكميات مرة أخرى في الصيف المقبل، بجانب 13 مليار متر مكعب إضافية مع نهاية الملء الرابع لتصل إجمالي الكمية المخزنة إلى 30 مليار متر مكعب.
وتدفع مصر مقابل تخزين كل مليار متر مكعب ثمنا باهظا، وقد لا يتأثر المصريون بشكل مباشر من ذلك، لكن الحكومة بحاجة إلى عشرة مليارات جنيه (330 مليون دولار) لتحلية مليار متر مكعب من المياه، فتتجه إلى الاقتراض لسد الفجوة التمويلية.
الصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية تظهر أن أعمال الخرسانة في الممر الأوسط لسد النهضة لم تبدأ بعد
وتحمل تأثيرات سد النهضة أبعادا أكبر من توفير المياه المتاحة للاستخدام اليومي، وأن الأزمة تأتي من أن إستراتيجيات التوسع الزراعي سوف تواجه مشكلات عديدة في تنفيذها، والقيمة المالية لتكلفة الزراعة وخروج المحصول تفوق قيمة استيرادها، وفي ظل تراجع القدرة على توفير العملة الصعبة للاستيراد ستكون الحكومة في مواجهة أزمات أشد تفاقما خلال السنوات المقبلة.
وسعت القاهرة مرات عدة عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي مناسبات دولية مختلفة للحصول على دعم دولي ضمن حزمة مساعدات تقدم إلى الدول النامية لمواجهة أزمات الغذاء وتقديم تسهيلات لتطوير نظم الزراعة المستدامة التي بحاجة إلى تكلفة باهظة ولم تلق مساعيها استجابة ملموسة.
وكشف مصدر مطلع بوزارة الزراعة المصرية لـ”العرب” أن الحكومة المصرية سوف تدفع تكلفة تخزين المياه في سد النهضة، وبالتالي فالتوسع في مجالات الزراعة يجب أن يكون وفقا لحسابات دقيقة، فقد تتوقف بعض المشروعات لعدم وجود مياه كافية، كما أن التكلفة المرتفعة لتحلية المياه تجعل هناك تفكير على نحو أكبر لمزيد من الاستيراد من الخارج للمحاصيل، للحفاظ على الاحتياطات في السد العالي.
وأوضح المصدر نفسه أن الحفاظ على الأمن الغذائي يتطلب زراعة المحاصيل في الداخل وتوفير العملة الصعبة لاستيراده، وفي الحالتين هناك مشكلات تجابهها الدولة المصرية في سبيل تحقيق ذلك وسط بيئة يغلب عليها الطابع الصحراوي وزيادة عدد السكان وتراجع حصة المياه المعتادة وتبلغ 55.5 مليار متر مكعب.
وساهمت مشروعات عديدة شرعت الحكومة في إقامتها خلال السنوات الماضية في امتصاص جوانب من أزمة الغذاء المتفاقمة، لكنها مازالت غير كافية لضمان عدم حدوث أزمات تترتب عليها صعوبة في توفير الغذاء، خاصة وأن ندرة سقوط الأمطار يضاعف فاتورة الاستيراد، ولذلك فتوفير السلع الغذائية بحاجة إلى ميزانيات مضاعفة.
واتجهت مصر نحو الصوب الزراعية التي تستهلك مياها أقل وتطوير نظم الري والارتكان على محاصيل معينة لا تستهلك المياه بكثافة وتقليل فترات زراعة الأزر وتقليص رقعته بشكل كبير.
وبدأت تتوسع في نظام الزراعة التعاقدية لتشجيع الفلاحين على زراعة الذرة الصفراء والبيضاء والفول الصويا وعباد الشمس في ظل مشكلات توفير الأعلاف التي تسببت في زيادة وصلت إلى 50 في المئة باللحوم و100 في المئة تقريبا في الدواجن.
المصدر العرب اللندنية