كريتر نت – متابعات
تواصل منتخبات القارة الأفريقية المتأهلة لكأس العالم لكرة القدم آخر تحضيراتها لخوض مونديال قطر 2022، وعلى رأس طواقمها الفنية مدربون محليون، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الحدث العالمي، بعدما كان من المعتاد حتى الآن تكليف مدربين أجانب، وبالأخص من الأوروبيين. واختلفت ظروف تعيين هؤلاء المدربين المحليين من بلد إلى آخر.
وسيكون لأفريقيا خمسة مدربين وطنيين في نهائيات كأس العالم للمرة الأولى في واقعة قد تؤدي إلى حدوث تغيير في العقلية ومنح المزيد من الفرص للمدربين القادمين من داخل القارة. وتشارك الكاميرون وغانا والمغرب والسنغال وتونس في كأس العالم في قطر هذا الشهر بقيادة مدرب وطني، ما يمثل تحولا جذريا في مواقف مسؤولي اللعبة داخل أفريقيا. وفي السابق، كان يقود مدربون من أوروبا أو أميركا اللاتينية المنتخبات الأفريقية في كأس العالم بأغلبية ساحقة.
وفي 2010، عندما كان لأفريقيا ستة منتخبات في النهائيات، كان مدرب منتخب الجزائر هو الوحيد الوطني بينما في نهائيات 1998، كان جميع ممثلي قارة أفريقيا الخمسة تحت قيادة مدربين من أوروبا.
وكان تفضيل تعيين مدربين من خارج القارة هو القاعدة لعقود من الزمن، سواء في صفوف المنتخب الوطني أو حتى على مستوى الأندية أيضا، لكن هذا الاتجاه أصبح الآن موضع تساؤل شديد.
ومن بين المدربين المحليين الخمسة، يعد مدرب السنغال أليو سيسيه، الفائز بكأس الأمم الأفريقية في فبراير 2022 بالكاميرون، الوحيد الذي يدرب منتخب بلاده منذ فترة طويلة. أما باقي المنتخبات فقد لجأت إلى مدرب محلي قبل الموعد العالمي ببضعة أشهر، حتى أن بعضهم قد تم تعيينه أصلا لتسيير فترة انتقالية.
وقال المدرب أليو سيسي، الذي يقود السنغال إلى نهائيات كأس العالم للمرة الثانية على التوالي “شيء ما يحدث على مستوى المدربين في القارة الأفريقية”، في إشارة إلى كثرة المدربين الأفارقة.
حدث أن هناك تحولا واضحا مقارنة بما كان عليه الوضع في كأس العالم في روسيا قبل أربع سنوات، حيث كان سيسي واحدا من اثنين فقط من مدربي منتخبات أفريقيا في كأس العالم 2018 بينما كانت المنتخبات الأفريقية الثلاثة الأخرى تعتمد على مدربين من الأرجنتين وفرنسا وألمانيا. وقال سيسي مؤخرا في مقابلة “حلمنا هو أن يتم أيضا تقدير الخبرة الأفريقية، لكي يفهم الناس أن هناك مدربين جيدين في أفريقيا”.
وأعلن الاتحاد السنغالي تمديد عقد مدربه الوطني أليو سيسيه حتّى عام 2024. وغرد الاتحاد المحلي للعبة “يرّحب الاتحاد السنغالي لكرة القدم بتمديد عقد المدرب الوطني أليو سيسيه”.
وتابع متحدثا عن سيسيه من دون تحديد قيمة العقد “بطل إفريقيا 2022، سيكون مسؤولاً عن الفريق الأوّل حتى عام 2024”. ويتولى سيسيه تدريب “أسود التيرانغا” منذ مارس 2015.
وسمح له هذا الاستقرار النادر ببناء تشكيلة صلبة قادها إلى ربع نهائي كأس أمم إفريقيا 2017، وإلى نهائي 2019، قبل أنّ يتوج في عام 2022 بأول ألقاب السنغال في المسابقة الأفريقية التي خسرت أيضاً نهائي عام 2002 الذي حمل خلاله سيسيه شارة القيادة.
وخرج منتخب “أسود التيرانغا” من الدور ربع النهائي في مونديال 2022، ومن الدور الأول في مونديال روسيا 2018.
وتستهل السنغال حملتها في قطر بمواجهة هولندا في 21 من الشهر الحالي، ضمن المجموعة الأولى الى جانب الإكوادور والدولة المضيفة قطر.
تغيير الانطباع
تغير الانطباع عن المدربين الأفارقة عقب نجاحهم في المسابقات القارية في السنوات الأخيرة. وفي آخر نسختين لكأس الأمم الأفريقية، كان المنتخب الفائز تحت قيادة مدرب أفريقي، أما في آخر سبع نسخ لدوري أبطال أفريقيا فحصد اللقب مدرب من داخل القارة أيضا. وعيّن المغرب المدافع الدولي السابق وليد الركراكي في منصب مدرب المنتخب قبل شهرين بعد أن قاد الوداد البيضاوي للفوز بدوري الأبطال في مايو الماضي.
وسيقود الكاميرون ريغوبير سونغ، الذي يعد من بين أكثر لاعبيها مشاركة في المباريات الدولية، أما تونس فسيقودها جلال القادري، وبالنسبة إلى غانا فسيكون مدربها هو اللاعب الدولي السابق أوتو أدو. وتحدث البلجيكي توم سينتفيت مدرب غامبيا، الذي يتمتع بخبرة أكثر من عشر سنوات في الكرة الأفريقية، بحذر عن اختيار الأجانب وقال “هؤلاء هم الأشخاص الذين ربما يكونون قد حققوا نجاحات سابقة وكانوا مدربين جيدين في أوروبا، لكن بالنسبة إلى الكرة الأفريقية، أنت في حاجة إلى المدرب المناسب في اللحظة المناسبة”.
وأضاف لرويترز “تحتاج إلى شخص يفهم الكرة الأفريقية، ويستوعب الثقافة، ويدرك إيجابيات العمل مع فريق أفريقي وسلبياته، ويمكنه الاستفادة من لاعبيه إلى الحد الأقصى”.
ووضع رئيس الاتحاد الكاميروني لكرة القدم سامويل إيتو ثقته في صديقه القديم ريغوبر سونغ لقيادة منتخب “الأسود غير المروضة”.
بعد الفشل في التتويج بكأس الأمم الأفريقية التي أقيمت على أرضها في يناير الماضي، واختار رئيس الاتحاد الكاميروني لكرة القدم صامويل إيتو قائده السابق في منتخب “الأسود غير المروضة” ريغوبر سونغ، 46 عاما، لخوض مباراتي الدور النهائي من التصفيات المؤهلة لمونديال قطر، بعد إقالة البرتغالي توني كونسيساو الذي فشل في السيطرة على غرفة تبديل “الأسود”.
إذ رفض مهاجم المنتخب إيريك شوبو موتنغ اللعب تحت قيادته مجددا بعد كأس أفريقيا بسبب عدم التعويل عليه أساسيا.
ونجح سونغ، الذي كان قائد منتخب بلاده في بداية الألفية في فترة تألقه، في قيادة الكاميرون لتأهل دراماتيكي لكأس العالم في آخر الدقائق على حساب الجزائر.
وكان تعيينه بإصرار شخصي من إيتو، على الرغم من معارضة وزارة الرياضة الكاميرونية التي تمسكت بكونسيساو على رأس المنتخب على الأقل إلى غاية خوض مباراتي الدور النهائي للتصفيات ضد الجزائر. لكن بقرار سياسي جاء من رئيس البلاد بول بيا الذي تمكن إيتو من إقناعه بمهارات وفنيات سونغ، اضطر وزير الرياضة في النهاية للإعلان بنفسه عن تعيين سونغ في المنصب.
ويعول إيتو على قائده السابق لفرض الانضباط ضمن لاعبي المنتخب خصوصا بعد الفضائح السابقة التي تسرّبت عن “الأسود” خلال كأس العالم 2014 من سهرات ماجنة للاعبين ومطالبة بالمنح والتهديد بالإضراب.
ولا يملك سونغ أيّ تجربة تدريبية باستثناء تدريب المنتخب الكاميروني الأولمبي لأشهر قليلة، ما يجعل من تعيينه مخاطرة من إيتو المعروف بشخصيته القوية.
ويلعب “أسود” الكاميرون في مشاركتهم الثامنة بكأس العالم في المجموعة السابعة الصعبة إلى جانب البرازيل وسويسرا وصربيا.
خيار اللحظة الأخيرة
قادت نجاحات المدرب وليد الركراكي مع الوداد البيضاوي إلى اختياره لقيادة المنتخب المغربي في كأس العالم.
فبعد وصول علاقة المدرب البوسني وحيد خليلوزيتش إلى نقطة اللاعودة مع الجماهير المغربية، وخلافه مع نجمي “أسود الأطلس” حكيم زياش ونصير مزراوي، لم يجد الاتحاد المغربي لكرة القدم بُدّا من تغييره قبل نحو شهرين من انطلاق كأس العالم. وتردد اسم وليد الركراكي (47 عاما) طيلة فصل الصيف للإشراف على قيادة منتخب بلاده في مسابقة بحجم كأس العالم، ليتم تعيينه في المنصب قبل بضعة أسابيع.
وكان المردود المهزوز للمنتخب المغربي في مباراة ودية ضد المنتخب الأميركي والفوز بشق الأنفس على جنوب أفريقيا في تصفيات “الكان” في يونيو، القطرة التي أفاضت الكأس في علاقة المغاربة به، جماهيرا ووسائل إعلام وحتى لاعبين. ودفع التألق اللافت للوداد البيضاوي بقيادة الركراكي بفوزه بدوري أبطال أفريقيا على حساب العملاق الأهلي المصري والتتويج بالدوري المحلي، عاملا محفزا لرئيس الاتحاد المغربي فوزي لقجع للتعجيل بوضع ثقته في الركراكي، في قرار رحّب به الشارع الرياضي المغربي.
وخلافا لريغوبر سونغ، يملك الركراكي خبرة تدريبية جيدة، إذ قاد الفتح الرباطي للفوز بالدوري المغربي وكأس العرش، وتوج بدوري نجوم قطر مع الدحيل إضافة إلى إنجازاته الأخيرة مع الوداد.
ويشارك المغرب للمرة السادسة في تاريخه في كأس العالم، وكانت أفضل نتائجه بلوغ الدور الثاني في مونديال المكسيك 1986. وسيلعب أسود الأطلس في المجموعة السادسة القوية مع كرواتيا وصيفة بطل العالم وبلجيكا المدججة بالنجوم وكندا الطموحة.
وبنجاحه في قيادة نسور قرطاج إلى مونديال قطر، فرض جلال القادري نفسه مدربا أول للمنتخب التونسي.
فقبل بضعة أشهر، لم يكن أحد تقريبا في الشارع الرياضي بتونس يتنبأ أن جلال القادري سيقود المنتخب للتأهل إلى كأس العالم، وسيكون المدرب الأول لنسور قرطاج في قطر.
لكن القادري الذي شغل خلال فترات مختلفة منصب مساعد المدرب الوطني، استغل فرصة حصوله على ثقة المشرف على الكرة التونسية وديع الجري لتدريب النسور في مباراتي الدور النهائي للتصفيات ضد مالي ليخلد اسمه في تاريخ الكرة التونسية.
ولدى القادري (51 عاما) تجربة تدريبية طويلة لكن معظمها كانت في فرق صغيرة في تونس والسعودية، ولعل إصابة المدرب السابق منذر الكبير بفيروس كورونا خلال كأس أمم أفريقيا 2022 وقيادته الناجحة لـ”نسور قرطاج” للفوز على نيجيريا منحاه نقاطا عززت الثقة به لتدريب المنتخب.
وحتى بعد نجاحه في تأهيل الفريق إلى المونديال، لم ينج القادري من الانتقادات والمطالب بتغييره بمدرب من “طراز عال” بعد أداء مخيب ضد بوتسوانا في تصفيات “كان 2023” في يونيو الماضي.
لكنّ فوزين باهرين على تشيلي 2 – 0 وعلى اليابان 3 – 0 في دورة “كيرين” الودية جعلته يثبت نفسه مدربا لتونس في كأس العالم. وتأهل المنتخب التونسي للمرة السادسة في تاريخه لكأس العالم، وكانت أفضل إنجازاته تحقيق أول فوز عربي وأفريقي في كأس العالم ضد المكسيك في مونديال الأرجنتين 1978.
ويلعب “نسور قرطاج” في المجموعة الرابعة المعقدة إلى جانب فرنسا بطلة العالم والدانمارك الصلبة وأستراليا.
بريق النجوم السوداء
نجح نجم هامبورغ السابق أوتو أدو في إعادة الوهج إلى النجوم السوداء الغانية بقيادتها للتأهل إلى كأس العالم.
وجاء الاتحاد الغاني لكرة القدم بنجم هامبورغ الألماني السابق أوتو أدو (47 عاما) كمدرب مؤقت على عجل، بعد كارثة الإقصاء من الدور الأول في كأس أمم أفريقيا الأخيرة، والهزيمة المذلة أمام منتخب جزر القمر المغمور.
وقاد أدو منتخب “بلاك ستارز” للتأهل إلى كأس العالم للمرة الرابعة في آخر خمس نسخ على حساب نيجيريا القوية والمدججة بلاعبين في أعتى الفرق الأوروبية.
وفقد منتخب “النجوم السوداء” خلال الأعوام الأخيرة بريقه بعد اعتزال نجوم مونديال 2010 الذين بلغوا ربع النهائي، على غرار أسامواه جيان ومايكل إيسيان وسليمان علي مونتاري. ولا يملك أدو، الألماني المولد والمنشأ، تجربة تدريبية حافلة، إذ اكتفى بتولي مهمة المدرب المساعد لفريقي هامبورغ وبوروسيا دورتموند.
ويعول أدو على إضافة لاعبين مزدوجي الجنسية قبلوا الانضمام لـ”النجوم السوداء” للمشاركة في المونديال، أبرزهم مهاجم أتلتيك بلباو الإسباني إيناكي وليامز ولاعب منتخب إنجلترا للشباب سابقا مارك لامبتي الذي يلعب حاليا لصالح برايتون.
وفي مشاركته الرابعة في كأس العالم، يلعب منتخب غانا في المجموعة الثامنة المتوازنة نسبيا مع البرتغال وكوريا الجنوبية والأوروغواي.