كريتر نت – متابعات
الإخوان يهاجمون المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي بعد دعوته الجماعة للاعتراف بشرعية النظام المصري وثورة الثلاثين من يونيو كشرط أساسي لمشاركتهم في الحوار الوطني بينما حسم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأمر برفضه الجلوس مع الجماعة.
وكشفت التصريحات التي أدلى بها المرشح الرئاسي السابق في مصر حمدين صباحي وتحدث فيها عن ضرورة اعتراف تنظيم الإخوان بشرعية النظام المصري وثورة الثلاثين من يونيو كشرط أساسي لمشاركة الجماعة في الحوار الوطني أن هناك تغيّرا ملموسا طرأ على العلاقة الخفية بين اليسار المصري والإخوان بعد أن ظل كلاهما يدعم الآخر في مواقف سياسية عديدة.
وحسم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الموقف من جماعة الإخوان عندما أكد في لقاء مع الإعلاميين الأحد أنها الاستثناء الوحيد من المشاركين في الحوار الوطني.
وشنت وسائل إعلام محسوبة على الجماعة هجوماً هو الأكبر منذ فترة طويلة على صباحي ووظفت انتخابه أمينا عاماً للمؤتمر القومي العربي قبل أيام كمدخل مناسب لتوجيه اتهامات له بدعم الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة وساقت مجموعة من التناقضات وقع فيها خلال السنوات الماضية.
ولم تسلم المعارضة المصرية في الداخل من هجوم وسائل إعلام إخوانية على مدار الأيام الماضية واتهمتها بتقديم تنازلات مجانية للنظام الحاكم، مع تعيين مجلس أمناء الحوار من دون الاستجابة لضمانات طالبت بها “الحركة المدنية الديمقراطية” وبينها إشراك عدد من المعارضين في لجان الإعداد للحوار، واعتبرت أن صباحي سبب رئيس في ذلك بعد إعلانه الترحيب بالخطوات التي اتخذتها إدارة الحوار.
وكان مؤسس حزب تيار الكرامة حمدين صباحي أشار في تصريحات إعلامية قبل أيام إلى أن “الإخوان إذا كانوا جادين في الحوار عليهم أن يطلبوا ذلك شريطة أن يسبقها إقرار واضح منهم بأنهم يعترفون بشرعية الرئيس السيسي، ودستور 2014، وشرعية السلطة التي يطلبون الحوار في ظلها”.
وكرر رئيس حزب الدستور السابق خالد داوود العبارات ذاتها في مناسبة أخرى واعتبر أن أي طرف يعترف بشرعية دستور 2014 وبأن مصر دولة مدنية ديمقراطية من حقه المشاركة في الحوار، مضيفًا “لو تخلى الإخوان عن وصفهم للنظام المصري ومراجعة أفكارهم عن الديمقراطية فلا مانع من مشاركتهم”.
ومع أن حديث أقطاب في المعارضة اليسارية بدا منطقيًا إلا أن التنظيم تعامل مع هذا الخطاب على أنه ينطوي على تخلّ عن مساعي الجماعة للضغط على النظام لإشراكها في الحوار، وأن القوى المعارضة التي لعبت هذا الدور في السابق لم تعد بحاجة إلى أن تكرر الأخطاء ذاتها بعد أن فقد التنظيم الجزء الأكبر من الظهير الشعبي المساند للجماعة، والذي جرى التعويل عليه في حقب سياسية سابقة.
ودائما ما واجه حمدين صباحي اتهامات بالتعاون مع تنظيم الإخوان حتى في أعقاب مشاركته ضمن تكتل مدني للإطاحة بهم من السلطة في العام 2013.
وأسهم التيار الناصري صاحب التوجهات اليسارية في تعويم الإخوان سياسيًا سابقا، وهو ما ترجمته التحالفات العلنية التي بناها مع الجماعة في ظل عهد نظام الرئيس الراحل حسني مبارك واستكملها بعد ثورة يناير 2011.
ولدى النظام السياسي في القاهرة هواجس من استمرار العلاقة الخفية بين الجماعة واليسار عموما، واتهمت وزارة الداخلية شخصيات يسارية بينها الناشط الحقوقي زياد العليمي بالتعاون مع جماعة الإخوان المصنفة إرهابية “لتوحيد صفوف القوى السياسية المدنية اعتماداً على دعم مالي من عوائد وأرباح بعض الكيانات الاقتصادية التابعة للجماعة داخل مصر”، وألقت القبض على 9 من الناشطين اليساريين ضمن القضية المعروفة إعلاميًا بـ”تحالف الأمل”.
ولدى دوائر قريبة من الحكومة قناعة أن ثورة الثلاثين من يونيو وما تلاها من أحداث أثبتت تورط الإخوان في العنف، وقلصت مساحة التقارب مع اليسار، وإن لم تقض عليه تماماً، وأن الأجنحة اليسارية لديها عقيدة جعلتها تصر على المضي قدماً في الإيمان بأن هذا التحالف مع الإخوان قادر على صناعة مشهد مغاير لأحداث العنف التي تؤمن بها الجماعة كعقيدة ثابتة.
وقالت القيادية بحزب التجمع اليساري والنائبة في مجلس الشيوخ فريدة النقاش إن التوجه العام داخل الأحزاب اليسارية منذ أن نشأت يدعم التحالف مع تنظيم الإخوان والإسلاميين بوجه عام ارتكاناً على الشعبية التي يتمتعون بها، وأن الوضع تغير الآن مع التحولات السياسية التي تشهدها البلاد.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أنه لا يمكن القول إن اليسار بجميع تياراته واتجاهاته لديه تحالفات ورؤى مؤيدة لتنظيم الإخوان لأنه واجه اتهامات مجتمعية عديدة بمعاداة الجماعات الدينية التي نرى أنها جماعات تتاجر بالدين، إلى جانب أن التحالفات التي جرت في السابق بين قوى مدنية وإخوانية أثبتت جميعها فشلها.
ويرى مراقبون أن اليسار بحث دوما عن تحالفات مع تنظيم الإخوان عند كل استحقاق انتخابي وأضحى الآن في موقف قوة وإن لم يكن ذلك ارتكاناً على ظهير شعبي واسع، لكن الأهم أنه يحظى بمشروعية سياسية تجعله في مقدمة القوى المعارضة للنظام، وبالتالي فتنظيم الإخوان هو من يبحث عن التعاون بأي طريقة تعيد تموضعه في خارطة القوى السياسية الموجودة على الساحة.
ولدى هؤلاء المراقبين تقدير بأن تطور العلاقة بين الطرفين يتوقف على رؤية النظام الحاكم من دمج تنظيم الإخوان في الحياة السياسية من عدمه، وطالما استمرت وضعية الجماعة في خانة الإرهاب فالمعارضة اليسارية لن تجازف بالتعاون معها.
وتراود قيادات ناصرية تطلعات بأن تشغل الفراغ الذي تركه الإخوان منذ رحيل الجماعة عن السلطة، وقد تكون هناك تفاهمات مع شخصيات بعينها دون أن تحظى بتوافق كامل من القوى المشاركة في تكتل “الحركة المدنية الديمقراطية”.
وأكد الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية منير أديب أن هجوم تنظيم الإخوان على صباحي والمعارضة المدنية موجه أصلا للنظام المصري بشكل غير مباشر، وأن الجماعة تمارس عملية الضغط من أجل المشاركة في الحوار، وتعمل على تشويه الحدث وإلصاق التهم بأي شخصيات قبلت المشاركة دون أن تكون حاضرة فيه.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الجماعة تعيش أزمة تنظيمية معقدة وتسعى لتثبت لأنصارها أن المواقف التي اتخذتها عقب ثورة يونيو، وبينها إلقاء المئات منهم في تهلكة المظاهرات والعنف، كانت في صالحها وتريد أن تحصل على مكاسب سياسية دون تقديم تنازلات والاعتراف بالنظام كي لا تنكشف أمام أنصارها.
وذكر أن الجماعة تنتظر دعوة علنية توجه لها للمشاركة في الحوار الوطني وسيكون قبولها تحت مبرر التخفيف عن المعتقلين من دون الاعتراف بشرعية النظام.
وسائل إعلام محسوبة على الجماعة شنت هجوماً على صباحي ووظفت انتخابه أمينا عاماً للمؤتمر القومي العربي قبل أيام كمدخل مناسب لتوجيه اتهامات له
وتؤكد الكثير من المعطيات أن النظام المصري لا يفكر في دعوة الإخوان للمشاركة في الحوار، وهو ما أكده السيسي، وإذا جرى ذلك لأي سبب فما ذهب إليه حمدين صباحي سيكون أبسط الشروط التي يمكن القبول بها مع تورط الجماعة في التحريض على العنف وممارسة الإرهاب.
وانقطعت علاقة تنظيم الإخوان بكافة القوى السياسية تقريبا في الداخل، والتي أدركت أن مشكلة الجماعة أضحت مع المجتمع المصري بكل مكوناته، إلى جانب أن التجارب السابقة التي تورط فيها اليسار في دعم الإخوان جرى الانقلاب عليها من قبل الجماعة ولم تف بتعهداتها عندما انفردت بالسلطة وتحالفت مع تيارات الإسلام السياسي.