تقرير : رشا عبدالكافي
بين الحين والآخر تظهر للرأي العام ضحية جديدة من النساء استطاعت؛ الإفلات من سجون جماعة الحوثي المسيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، لتروي قصة اختطافها وتفاصيل تعذيبها المروعة.
منذ انقلاب الحوثي في سبتمبر/ أيلول 2014، وسيطرة الجماعة على جميع مؤسسات الدولة ومفاصلها في المحافظات الخاضعة لها، تعيش النساء واقعاً مرعباً، إذ سعت الجماعة الحوثية إلى ارتكاب ممارسات قمعية بحق المجتمع عموماً وضد النساء على وجه الخصوص. كما ارتكبت الكثير من الاعتداءات والانتهاكات بحقهن، خصوصاً السجينات منهن.
ولم تقف جماعة الحوثي عند حد من الانتهاكات، ولم تأخذ بعين الاعتبار سواء للدستور اليمني والقوانين النافذة، ولا لتلك الأعراف الاجتماعية المتمثلة بالعادات والتقاليد الناظمة للمجتمع والتي تحرم الاعتداء على النساء. ونفذت الجماعة حملات شرسة بحق كثير من النساء واعتداءات ممنهجة وصولاً للاعتقال والاختطاف والتعذيب والاغتصاب واستغلالهن في حربها القذرة ضد المعارضين للحوثي.
كما تعرضت النساء العاملات في المؤسسات الحكومية المدنية والأمنية في مناطق سيطرة الحوثي، إلى انتهاكات جسيمة، ومن ترفض منهن الالتزام بتعليمات الجماعة، يتم اختطافها واحتجازها في سجون الحوثي ومورس بحق العديد منهن كل صنوف الانتهاكات الإنسانية. وهو ما تسبب لهن بأذى كبير على كل المستويات، حتى بعد خروجهن من تلك السجون، إذ بقين رهينات وأسيرات بين النظرة الاجتماعية والأسرية التي تتبرأ من النساء السجينات والآثار النفسية التي وقعت عليهن جراء الانتهاكات الحوثية في السجون.
يستعرض هذا التقرير جزءً من الانتهاكات الحوثية بحق النساء، وهو جزء يسير مما تعرضت وتتعرض له نساء اليمن من انتهاكات على يد جماعة الحوثي.
“اُغتصبت لأنني رفضت حضور دورة تثقيفية تخص جماعة الحوثي”
تقول (ر.ع)، وهي طبيبة أسنان كانت تعمل في مستشفى الجمهوري بصنعاء، فضلت عدم ذكر اسمها لأجل سلامة أسرتها.
وتضيف: “بسبب انقطاع رواتب الموظفين، لم يعد بمقدوري الذهاب إلى المستشفى لأنني لا أمتلك إيجار المواصلات، ولا أملك إيجار المنزل الذي أسكن فيه، بعد توقفي عن الذهاب إلى الدوام لمدة شهر، في أحد الأيام تلقيت اتصالا من أحد المشرفين الحوثيين يطلب مني الحضور للمستشفى، ذهبت إلى العمل وبينما أنا اتفقد العيادات الخارجية، فجأة صادفت أمامي المشرف الحوثي في المستشفى قيادي يدعى أبو حمزة المروني، قال لي بلهجة غاضبة: لماذا لا تداومين ولماذا لا تحضري الدورات الثقافية التي نقيمها في المستشفى؟ أجبته: ليس لدي قيمة مواصلات، إذا صرفتم لنا بدل مواصلات سوف أداوم، لكن هكذا صعب من أين لنا بالمال؟! رد عليّ بشكل أكثر غضباً: المال ليس كل شيء نحن نواجه عدوان، وعليكم أن تلتزموا بتعاليم السيد عبدالملك، ثم إنه عليكِ شكوى مقدمة من قبل أم هاشم بأنكِ ترفضين حضور الدورات الثقافية، وترفضي أداء الصرخة (شعار جماعة الحوثي)، ولا تهتمي لملازم السيد حسين بدر الدين الحوثي، ومقولاته كبقية زميلاتك في المستشفى، فأجبته: أنا لا علاقة لي بكل هذا، أنا فقط طبيبة؛ ولا تعنيني هذه الشعارات. فرد بصوت مرتفع أكثر غضباً من قبل؛ وبشكل قاطع، بعد أن أحضر أم هاشم: الأربعاء غدا ستأخذك أم هاشم معها إلى قاعة المحاضرة لتحضري وتستمعي إلى خطاب السيد عبدالملك. -حيث اعتادوا في يوم الأربعاء من كل أسبوع أن يقيموا كما يسمونها دورة تثقيفية في أحد قاعات المستشفى التي كانت خاصة بالمؤتمرات الطبية، يتم فيها بث خطابات زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، وتوزيع ملازم خاصة بمؤسسة بدر الدين الحوثي ثم يؤدي الجميع الصرخة بعد الانتهاء من الدورة، وهكذا يتكرر الأمر كل يوم أربعاء من كل أسبوع- عدت يومها إلى البيت وأنا مرعوبة، وخائفة من كلامه معي”.
وتتابع: “في اليوم الثاني ذهبت للمستشفى، وكان يوم الأربعاء، قمت بعملي في المستشفى، ولم أحضر قاعة التدريب الخاصة بدوراتهم الثقافية، كنت أترقب بنظراتي مرور مشرف الجماعة أبو حمزة المروني، أو أم هاشم، وهي (أحد المشرفات التي تنتمي لكتيبة الزينبيات التي تحتوي على نساء منتميات لفكر وأيديولوجية الجماعة حيث تم تكليفهن في كل المرافق الحكومية والخاصة كمشرفات بدرجة ثانية بعد المشرفين الذين تم تعيينهم في كل المؤسسات بمناطق سيطرة الحوثي)”.
وأردفت (ر.ع): “لم أرهم يومها واطمأنت وأنهيت عملي كالمعتاد، وعدت إلى منزلي، وفي اليوم التالي الخميس كان ذلك في يناير ٢٠١٩، ولكن لا أتذكر تاريخ اليوم بالتحديد، ذهبت إلى المستشفى ولم أشاهد أي أحد منهم أيضا، يوم عادي قضيته في العيادات إلى نهاية الدوام وأنا مطمئنة إذ لم اشاهد أم هاشم ولا المروني لليوم الثاني على التوالي، قلت في نفسي ربما وجدوني عنيدة فيئسوا مني، وما إن انتهى الدوام في الساعة 3 عصراً، خرجت من المستشفى، وجدت باص يقف أمام البوابة سألته: هل تمر من جولة الثقافة؟ قال: نعم. صعدت إلى الباص وكان على متنه اثنين مسلحين في الخلف وواحد في الأمام، ولأن الشعب بكامله أصبح مسلحا بعد الحرب، فمشاهدة مسلحين على متن الباص صار شيء عادي ولا يخطر ببال أي أحد إنهم قد يكونوا خاطفين، وما إن بعدنا قليلاً عن المستشفى حتى أغلق الرجل المسلح الذي كان في الأمام باب الباص، التفتُ إلى الخلف فضربني أحدهم بأعقاب سلاح الكلاشنكوف الذي يحمله على رأسي حتى فقدت وعيّ لدقائق، وبعد أن استعدت الوعي وجدتهم حولي يتحرشوا بجسدي بطريقة بشعة حاولت أن أصرخ، فقاموا بضربي على وجهي ورأسي بكرسي الباص، وهددوني بالقتل إذا لم أصمت، وغطوا على عيناي، قلت من أنتم؟! وماذا تريدوا مني؟”.
وتقول: رد عليّ أحدهم: “نحن من بنعلمك (سوف نعلمك) كيف تؤدي الصرخة، وكيف تحفظي كلمات سيدي حسين، بقيت هكذا معصوبة الأعين لفترة طويلة، لا أعلم إلى أين كنا نتجه، ولكن شعرت أن الطريق طويل جداً، حتى وصلنا إلى مكان لا أعلم ما هو (أين نحن) كل ما أتذكره أني كنت اشتم رائحة طلاء جديد في الغرفة المظلمة التي وضعوني بها، وفيها قاموا بتمزيق ملابسي، وأحرقوني بمادة لا أعلم ماهي سوى أنها تركت أثراً على جسدي حتى الآن، ضربوني على رأسي و وجهي، لأني حاولت مقاومتهم لكن دون جدوى، من شدة الضرب بدأت أفقد وعيي، لكنني حقا فقدته تماما عندما بدأ أحدهم اغتصابي؛ ولم أفق من الغيبوبة إلا بعد وقت طويل، لا أعلم كم عدد من قاموا باغتصابي، لأني كنت أشعر بأكثر من شخص يغتصبني، استمريت على هذا الحال لمدة أربعة أيام في تلك الغرفة المظلمة دون ملابس ولا أكل سوى بعض عبوات ماء وجدتها وأنا أتحسس المكان في الظلام، حيث مارسوا معي اغتصاب جماعي متكرر، حتى كنت أفقد الوعي في اليوم أكثر من مرة، وكلمات تتكرر على مسامعي كل ساعة، من هنا ستعودين حافظة كلمات السيد، ومن هنا ستتعلمين ماهي الصرخة وكيف تؤدينها، وفي اليوم الرابع جاء شخص يتحدث بلهجة قاسية، وصوت عالٍ يبدو من خلال صوته أنه المشرف هنا أو المسؤول وقال لي: “هيا كيف يا دكتورة بتحفظي الملازم الآن أكيد”، ثم أمر مرافقيه بوضع ربطة على عيوني، وإيقافي على قدمي، لأني وقتها كنت لا أستطيع أن أقف حتى، وأخرج عباية (ملابس) من كيس كان يحمله، وأمرهم أن يلبسوني لأنهم كانوا قد مزقوا الثياب التي عليّ، وأخرجوني لا أعلم إلى أين!”.
واستطردت: “بعد وقت طويل مشينا بالسيارة، بعدو (أزالوا) الرباط من عيني، ورموا بي (رموني) أمام مستشفى الجمهوري في صنعاء، كنت متعبة، ومنهكة لا أملك شيء، سحبت قدمي إلى محل اتصالات قريب لم أكن أحفظ سوى رقم زوجي الذي هو الآخر كان قد فقد الأمل بعودتي، بعد أن بحث طوال يومين، لكن جاءت له رسالة من رقم مجهول تهدده بأن لا يبحث وأنّي معهم لأجل التحقيق معي”.
وأضافت: “جاء زوجي إلى أمام المستشفى حاول يسألني ما الذي حدث، لكن وقتها لم أكن استطيع التحدث أنا مصدومة، متعبة، حالتي النفسية سيئة، ووجهي متورم من أثر الضرب، أخذني إلى المنزل عندما شاهد حالتي الجسدية والنفسية المتعبة لم يكرر عليّ السؤال ولم يفتح موضوع الاختطاف مرة أخرى، فقط طلب مني ألا يعلم أحد من عائلتي بأني كنتُ مختطفة”.
تتابع: “لم يعلم أحد بما حدث معي سوى أختي وحدها كانت تعلم بكل تفاصيل الحادثة، زوجي حتى الآن لا يعلم بأنه تم اغتصابي، جلستُ لفترة طويلة أذهب إلى طبيبين نفسيين، واستخدمتُ علاجات لأجل حالتي النفسية، ومهدئات أعصاب، ولكن دون فائدة، غيرت سكني أكثر من أربع مرات تنقلت فيه من منزل أختي إلى منازل أقاربي، لم أعد أذهب إلى المستشفى مطلقا، بعد شهر ونصف بدأت اشك بأني حامل بعد انقطاع الدورة الشهرية، قمت بتحليل الحمل المنزلي، شكوكي كانت في محلها، أنا حامل لا أعلم ممن أنا حامل لقد تداولني أكثر من شخص، بسرعة ذهبت لدكتورة نساء و ولادة روسية، كنت أعرفها من سابق، لأجل طلب عملية إجهاض للجنين فمن الصعب أن تجد مراكز تعمل عمليات إجهاض أو حتى تبيع حبوب منع الحمل بسبب منع جماعة الحوثي لها في صنعاء، أعطتني الدكتورة أقراص سايتوتك استخدمتها لأجل الإجهاض، أحدثت نزيف لدي استمر حوالي 15 يوماً، لكنه كان إجهاض جزئي، ولم ينزل الجنين بشكل كامل. بعد ذلك توجهت لدكتور نساء وتوليد آخر كان زميلي اتحفظ على اسمه لأجل سلامته، حدثته بالذي حصل معي في تجربة الإجهاض، وأعطاني مرة أخرى أقراص سايتوتك، مما ساعدني بالإجهاض بشكل كامل”.
تتنهد قليلا ثم تكمل حديثها لـ “الشارع”: “ما حدث لي متعب وسرده يشعرني بألم كثير، ويعيد لي كل تلك المواقف، لكن لعلَ صوتي يصل لكل العالم ليعلموا ما يحصل للنساء في صنعاء، و يكفوا الأذى عن بقية الناس، ثم واصلت حديثها: كان لدي اخت وحيده فقط تشتغل بمنظمة (GIZ)، هي من تساعدني مادياً، ودعمتني كثيراً، حيث لا بيت لي، كنت في فترة تنقلي -حتى لا يتعقبوا أثري- أذهب أحيانا لأسكن عندها، وعندما عرفوا بذلك قتلوا أختي في حادث سير ملفق، في مفرق النهدين بشهر سبتمبر من العام نفسه الذي اختطفت فيه بعد نصف ساعة من خروجها من عندي، وتم اغلاق ملف الحادثة بنفس الساعة التي ماتت فيها وهذا أكثر ما هدني (حطمني) وجعلني أدخل في حالة نفسية سيئة. بعدها لم أتحمّل هربت إلى مصر مع بناتي الاثنتين. الكثير من الدكاترة في مستشفى الجمهوري ومستشفى الثورة في صنعاء تم اختطافهم أعرفهم شخصيا، كما خطفوا طبيبات، وطبيبة أخرى زميلتي تم قتلها، فقط لأننا لم نرضخ لسياستهم داخل المستشفى”.
(1181 امرأة يمنية في سجون جماعة الحوثي)
لا توجد إحصائيات دقيقة ونهائية حول عدد النساء المختطفات في سجون جماعة الحوثي، لكن تحالف نساء من أجل السلام في اليمن، الذي تعمل فيه نورا الجروي وقالت لـ “الشارع”: إن “1181 امرأة مختطفة منذ ديسمبر ٢٠١٧ بحسب إحصائيات تقريبية جمعناها بحسب شهادات الناجيات من السجون، حيث ترصد كل ناجية أعداد من كان معها في المعتقل، إضافة إلى البلاغات التي نتلقاها من ذوي وأهالي المختطفات”.
وهناك تصريح صدر عن جماعة الحوثي نفسها، أوضحت من خلاله، أنه تم اعتقال 20 شبكة من الفتيات في 2018، تحت مبرر ممارسة الدعارة، وهي التهمة التي تستخدمها الجماعة ضد كل المختطفات و 44 شبكة أيضاً في 2019.
وبحسب الجماعة، فإن كل شبكة فيها عشر فتيات ليصل الإجمالي لأكثر من 600 امرأة. بالإضافة لمن صدرت ضدهن أحكام، وهنّ 64 فتاة بالسجن من 4-6- إلى 10 سنوات، بتهم لا أخلاقية، مع العلم بأن أغلب الشبكات التي يتحدث عنها الحوثيين، إن لم يكن جميعها ليس فيها رجال فكيف تكون شبكات دعارة بدون رجال.
وتقول نورا الجروي، إن “ملف النساء في سجون الحوثيين، هو من أخطر الملفات على الإطلاق نظرا لخصوصيته، وحساسيته لمجتمع محافظ، وقَبلي، ينظر للمرأة بأنها عار. لذلك حرصت جماعة الحوثي على تلفيق تُهم لا أخلاقية ضد المختطفات، لأنهم يعلموا بأن الكثير لن يتعاطف مع هكذا قضايا، وهذا ما حدث بالضبط فمنذ ثلاث سنوات وأنا أعمل على هذا الملف الإنساني، والذي تواجه فيه النساء المختطفات الكثير من الظلم، والاتهامات الباطلة، لم يأخذ صداه الإعلامي، ولا الحقوقي حتى”.
وتضيف الجروي: “حاولنا جاهدين تحريك المياه الراكدة حول هذا الملف، واستطعنا الوصول إلى لجنة الخبراء في مجلس الأمن الدولي، والتي أصدرت تقريرا بخصوص ما تتعرض له النساء اليمنيات، أيضاً تقرير الخبراء الدوليين البارزين في الأمم المتحدة تحدث عن بشاعة ما تتعرض له النساء في سجون مليشيات الحوثي، والجرائم اللاإنسانية التي تقوم بها جماعة الحوثي ضد النساء، ونتيجة لذلك فرضت الولايات المتحدة في ديسمبر 2020، عقوبات على خمسة من قيادات جماعة الحوثي متورطين بتعذيب نساء وأطفال”.
كما تؤكد الجروي، التي ترأس حاليا رابطة حماية المعنفات والناجيات من سجون جماعة الحوثي، الحرص مؤخرا على العمل مع وزارة حقوق الإنسان في اليمن، على عمل دارين لإيواء الناجيات من سجون الحوثي واحد في مأرب، والآخر في عدن، وسيخصص الداران للناجيات من العنف بشكل عام، سيكون ملجأ آمن لهن خصوصا لأن نظرة المجتمع للمرأة السجينة لازالت قاصرة، وسلبية للأسف، كما أن الأهالي يتبرأون من بناتهم بعد خروجهن من السجون.
(الحوثي احتجزني وعائلتي تنصلت مني)
فوزيه أحمد علي رئيسة قسم النساء سابقا في السجن المركزي بصنعاء، عملت في السجن المركزي منذ تخرجها عام 2001، من كلية الشرطة الدفعة الأولى نساء في اليمن، أي منذ حوالي 20 عاماً، ولكن كل هذا الخبرة لم تشفع لها عند جماعة الحوثي التي احتجزتها لمدة ثلاثة أشهر داخل السجن.
تعود مشكلة فوزية مع جماعة الحوثي إلى عام 2016، حيث فرضت الجماعة نظام مغاير تماما عما هو معمول به قديما داخل السجن، إذ فرضت مجموعة من النساء للعمل في السجن، ليس لهن أي علاقة بالمؤسسة الأمنية غير أنهن من الزينبيات اللواتي ينتمين إيديولوجيا لجماعة الحوثي.
تقول فوزية لـ “الشارع”، “رفضت ذلك بشدة أنا وزميلاتي في السجن، ولكنهم بعد ديسمبر 2017، أي بعد مقتل الرئيس السابق علي صالح، بسطوا نفوذهم أكثر على كل شيء، ولم يعد بمقدورنا أن نرفض؛ أو أن نُدلي برأينا”.
وتضيف: “فرضوا لوائح جديدة مغايرة للوائح السابقة مثل نظام التفتيش الروتيني، كذلك يتم إرسال السجناء إلى السجن بطرق غير رسمية، وليس عبر النيابة، والجهات المختصة، ولا يتم تقييد اسم وبيانات السجين في الكشوفات الرسمية، والسجل الخاص في بيانات السجن. أيضا يتم إخراج السجينات بشرط حفظ ملازم وكتب السيد حسين، وليس بانتهاء المدة المقررة عليها، أو يتم الإفراج عن بعضهن بشرط العمل لصالح الجماعة”.
وتتابع: “الجماعة الحوثية حولت إصلاحية النساء إلى سجن بالقوة، في السابق حتى مصطلح سجينة كنا نحرص ألا نطلقه لمن هم في الإصلاحية مراعاة لنفسية السجينة، وأيضا لحساسية الوضع الذي هي فيه، فالمرأة في اليمن عندما تسجن يتخلى الأهل عنها، والمجتمع ينبذها، لذلك كنا سابقاً حريصين أن يوفر لها كل ما يمكن أن يعيلها بعد أن تقضي المدة التي عليها وتخرج بعد الإفراج عنها، حيث وفرنا لهن الدراسة من محو الأمية إلى الدراسة الجامعية. كذلك كان هناك معامل أشغال يدوية مثل الخياطة، ومزرعة لمن تحب أن تتعلم الزراعة، ومعمل كمبيوتر، وتعليم اللغة الانجليزية، وصالة خاصة بكرة اليد والطاولة. الحوثي أوقف كل شيء له علاقة بالإصلاحية، والتأهيل، وفرض دروس خاصة لملازم السيد حسين بدر الدين الحوثي المؤسس الأول للجماعة. كما منعوا على السجينات فتح أي قناة تلفزيونية غير قناة المسيرة التابعة لهم، ومن تغير القناة تعاقب، قسموا الإصلاحية إلى نصفين مكان معمل الكمبيوتر والمشغل تحول إلى معتقل سري لا أحد يعلم عنه شيء، وممنوع حتى علينا الاقتراب منه، ومكان الإصلاحية بقى كما هو للسجينات السابقات بقضايا مدنية وجنائية، وغيرها مع ايقاف الروتين الذي كنا نمشي عليه”.
وتستطرد: “أدخلوا دفعة جديدة أيضا من الزينبيات إلى العمل في السجن، وسحبوا جميع الصلاحيات تدريجيا منا، نحن عملنا فقط تنفيذ الأوامر دون أي اعتراض على أي سجينة قد تأتي بطرق غير رسمية، وتم توزيعنا على البوابة الخارجية مهما كانت رتبنا العسكرية، أما المعتقل السري صار مزدحماً بالنساء المعتقلات التي لا نعرف عنهن شيء. فيما السجن العادي التذي مساحته لا تتسع لخمسين سجينة أصبح يحتوي على مائة، بينما المعتقل أصبح عدد المعتقلات فيه أكثر من 600 معتقله، والعدد يزداد كل يوم لا نعرف حتى ما هي جرائمهن”.
وتقول: “في السابق كان يتم التحقيق مع السجينة إذا طلبت النيابة، وأقصى حد لوقت التحقيق هو الساعة الرابعة عصراً، ويجب أن تكون هناك شرطية بجانب المحقق أثناء التحقيق. أما حاليا في المعتقل يأتي المشرف الحوثي ويأخذ أي معتقلة في الساعة الثالثة فجراً، أو العاشرة مساءً، إلى غرفة خاصة بحجة التحقيق، ويمنع حضور أي شرطية لهذا التحقيق. كما أن الكثير من العائلات تأتي للبحث عن بناتهم المختفيات، نُمنع تماما حتى عن البحث أو السؤال داخل المعتقل فيما إذا كانت موجودة أم لا، وإذا عرفنا يُمنع علينا إبلاغ الأهالي بذلك، فالتوجيهات كانت لنا حازمة لمن ستتكلم سيتم احتجازها بمكان السجينات. لم يكن هذا الوضع يرضيني مطلقا، إذ إن الأهالي يبحثوا عن بناتهم، ونحن علينا أن نتكتم، ترددت عليّ امرأة خلال عام كامل تبحث عن ابنتها في السجن، وفي كل مرة نبلغها بأنها غير موجودة لكنّ في المرة الأخيرة لم أتحمل ترددها الدائم، ذهبت إلى المعتقل، سألت عن ابنتها وعرفت أنها موجودة، أبلغتها بذلك، فذهبت ورفعت شكوى بالسجن أنه يتكتم على معلومات عن مكان ابنتها، وطلبت من النيابة التحقيق في ذلك، عندما جاءها الرد الرسمي من السجن بأنها غير موجوده، قالت لهم: فوزية رئيسة السجن هي من بلغتنا بذلك “.
وأوضحت فوزية أنه “بعد هذه الحادثة بيوم جاءت لجنة من وزارة الداخلية التابعة لجماعة الحوثي، ومن البحث الجنائي، ومصلحة السجون لتحقق معي حول حادثة التبليغ، ولأنه أيضاً كثرت الشكاوى ضدي من قبل مشرفيهم بالسجن أنني غير ملتزمة بأوامرهم ودوما ما اعترض على الطرق الغير القانونية التي تمارس داخل السجن، ومطالبتي المستمرة بعودة الإصلاحية، والتأهيل، واستقبال السجينات بطرق رسمية، وأثناء التحقيق معي صادروا جوالاتي، ومنعوني من التواصل مع عائلتي وأمروا بإيقافي داخل مكتبي حتى يأذنوا لي بالخروج، وتحت إلحاح شديد مني بالتواصل مع بناتي الثلاث في المدرسة، لأجل إحضارهم عندي فلا أحد سيهتم لأمرهن في الخارج، بقيت محتجزة أنا وأطفالي ثلاثة أشهر داخل مكتبي في السجن، بعد ثلاثة أشهر العديد من زملائي الضباط تابعوا لدى قيادات الجماعة حتى يتم الإفراج عني، وفعلا تم الإفراج عني، أعطوني هواتفي وهاتف بنتي، بعد أن تم تهكيرها، ووضع برامج مراقبة وتلصص لكل مكالماتي، طلبوا مني أن أقدم ورقة طلب إجازة مفتوحة أشبه بالاستقالة، والعودة إلى منزلي حتى يتم طلبي مجدداً، واشترطوا قبل خروجي أن أقوم بتدريب دفعة من الزينبيات. نفذت ما طلبوا مني وعدت إلى البيت، بعد أسبوع اتصل بي أحد الزملاء في السجن بأن أغادر منزلي، وقال لي إنهم قرروا سجنك هذه المرة، كنت وقتها غير موجودة في المنزل، بل في المدرسة لأجل متابعة أوراق بناتي بسبب تغيبهم ثلاثة أشهر معي في السجن، أثناء ما كنت في المدرسة جاء طقم عسكري مع مدير السجن ومرافقيه واثنتين مجندات من الزينبيات، إلى أمام شقتي طلبوا من صاحب العمارة إعطائهم مفتاح الشقة، لكنه رفض قاموا بكسر الباب والعبث بكل ما في الشقة من أثاث، حينها اتصل لي صاحب الشقة يبلغني بالذي حدث في شقتي، أخذت بناتي، وذهبت إلى بيت أحد الصديقات ثم بعدها انتقلت الى منزل أبي وعندما عرف بالذي يحدث معي، وأنهم يلاحقوني لم يتحمل ذلك، يومها حدث له ارتفاع عالٍ في ضغط الدم، ومات على إثر ذلك”.
وأنهت حديثها بالقول: “زوجي تخلى عني، حيث كانت هناك مشاكل سابقة بيننا، إلا أنه عندما علم بأنه تم احتجازي لمدة ثلاثة أشهر، ويتم ملاحقتي، طلقني، أما عائلة زوجي فقطعت تواصلها تماماً مع بناتي. استمريت هكذا أتنقل من منزل إلى آخر، لعدة شهور، إلى أن عرفوا بوجودي في منزل أختي عبر هاتفي المراقب، هجموا على منزلها بعد أن كنت مغادرتي بساعات، وعقب اقتحام جماعة الحوثي لمنزل أختي، طلقها زوجها، بحجة جلب العار له، وأنه لم يحدث له أي مشاكل من قبل في المنزل، وبعد سكني معهم داهمت منزلهم قوات أمنية بحثاً عن امرأة. وبعدها بأيام قليلة تمكنت من الهروب إلى عدن، وبقيت هناك عند أحد سجيناتي السابقات التي خرجت قبل فترة طويلة، من بعدها سافرت إلى مصر عن طريق إحدى المنظمات”.
(فقدت إحدى عيناي وشاهدت اغتصاب طفلة في أحد السجون)
برديس محمد علي السياغي “شاعرة” كما تُعرف نفسها، كانت تكتب قصائد رثاء عن الرئيس اليمني السابق علي صالح، إلا أن جماعة الحوثي التي قُتل على يديها لم يروق لها ذلك، فاختطفت زوجها في منتصف يونيو 2018 من أحد شوارع صنعاء لمدة 8 أشهر كنوع من الضغط عليها حتى تتوقف عن الكتابة، لأنها وقتها كانت تسكن في محافظة مأرب وهي إحدى المحافظات التي تخضع لحكم الحكومة الشرعية في اليمن، تقول برديس لـ “الشارع” “بلغوني عبر الهاتف بعد ثمانية أشهر من الاعتقال بأن زوجي توفي في المعتقل وأنه تمت الصلاة عليه وتم دفنه، لم أتقبل ما قيل لي و طالبت بجثة زوجي مالم فهو لازال حي، ولكنهم يريدوا أن يعذبوني نفسيا، فرفضوا تسليم الجثة، وأصروا في كلامهم أنه دفن، بعدها أرسلوا لي طقم عسكري عليه مسلحين اقتحموا بيتي في منطقة السنينة في صنعاء بتهمة أنني أمتلك مخزن سلاح، بعدها بعدة أشهر عرفت منهم أثناء تواصلي معهم عن طريق خليل القرشي وكيل وزارة الإدارة المحلية، أن زوجي لايزال حي ومطلوب مني العودة إلى صنعاء وأتحول من كتابة قصائد الرثاء عن الرئيس السابق إلى قصائد المدح لزعيم جماعة الحوثي وسيتم توفير كامل الحماية لي، وعدم التعرض لعائلتي، وقتها كان وضعي المادي متدهورا ولا استطيع البقاء أكثر في مأرب، أنا فقط أتيت هاربة إلى هنا حتى تستقر الأوضاع، فقررت العودة الى صنعاء إلى منزلي خصوصا بعد أن عرفت أن زوجي لايزال حيا، أخذت أطفالي الثلاثة وعدت إلى صنعاء وفي طريق العودة تم إيقافي في كمين مسلح تابع للجماعة في منطقة أرحب إحدى مديرية صنعاء الريفية لمدة ثلاث ساعات، ثم تم ابلاغ عمليات المنطقة العسكرية بتواجدي والتي بدورها سمحت بدخولي إلى صنعاء دون أي تعليق عن ما حدث”.
تسرد برديس: “وصلت منزلي في الساعة 12 ليلا، جاءني اتصال من رقم يقول انه يتبع البحث الجنائي و يطلب مني غدا الحضور صباحا بغرض أخذ أقوالي بخصوص حادثة اقتحام البيت قبل فترة، عرفت وقتها أن الاتصال كله وحضوري إلى صنعاء مجرد استدراج لي، ما ان أنهيت الاتصال اخذت أطفالي ذلك الوقت، وغادرت المنزل إلى حي آخر عند أحد أقاربي، وبقيت أتنقل من حي إلى آخر لمدة شهرين، وهم يتصلوا بي بشكل يومي لأجل الحضور للبحث لأخذ اقوالي، وأنا اتصنع الحجج حتى لا أذهب إلى البحث الجنائي، بعد ذلك تم تحديد مكان سكني من خلال الهاتف، وعند الساعة الرابعة فجرا بداية شهر أغسطس 2019 تم محاصرة البيت الذي كنت فيه بخمسة أطقم عسكرية وباص فيه نساء زينبيات ينتموا للجماعة، اقتحموا المنزل وقتها كنت أنا وأطفالي نائمين، اشهروا السلاح علينا وتم أخذي من وسط أطفالي إلى مكان مجهول معصوبة الأعين، لازال ذلك المشهد يتكرر في ذهني كلما أنام حتى الآن صراخ أطفالي، وخوفي عليهم وهم يشاهدوني اتعرض للسحل والضرب أمام أعينهم، وصلت إلى مكان اشبه بقبر زنزانة صغيرة متر في متر ونصف، وفيها قد تم تجهيز ملف بتهم ملفقه كيديه نسبت الي، أول تهمة وجهت لي هي خيانة الوطن وإرهاب أمن الدولة و الارتزاق لدول الخليج، كنت مذهولة صعقت ما كل هذا التهم التي وجهت لي، لم أرد على أي تهمة، وما الذي أرد عليهم فيه تهم أكبر من أن تخطر على بالي في أي يوم، استخدموا معي كل وسائل التعذيب الجسدي، والنفسي من أول يوم دخلت فيه المعتقل حتى خرجت بعد ثلاثة أشهر ونصف، ضرب تعذيب، خلع الأظافر، وأكثر شيء كان يؤلمني هو التعذيب بالصاعق الكهربائي بعد أن يتم تبليل جسدي بالماء. كما كان يتم ضرب رأسي على طولة كل يوم حتى تأذت عيني اليمنى، وتضررت وفقدت الرؤية بها، لذلك أحتاج الآن إلى عملية لأجل انقاذ ما تبقى منها، تم منعي من الأكل في أوقات كثيرة كجزء من التعذيب بينما بقية الأيام يتم إعطائي وجبة الغداء فقط، -وجبة واحده في اليوم- تتكون من أرز لا يكفي لنصف فرد وليس فرد وحبة خبز صغيرة ولتر ماء لليوم كامل. في الليل كان يتم ربط يداي على سلم حديدي وأنا واقفة لمدة ما بين ثلاث إلى أربع ساعات، حتى أشعر بأن يداي اختلعت من الكتف، وهكذا كان يتكرر ذلك كل يوم لمدة شهرين ونصف، إلى أن تم نقلي من السجن الانفرادي إلى سجن آخر مع سجينات أخريات، بعد أن كانت قد تدهورت حالتي الصحية بسبب التعذيب، نقلوني إلى زنزانة فيها 14 سجينة، أصغر سجينة فيها عمرها ثلاث سنوات وكانت مع أمها و أكبر سجينة كان عمرها ٥٢ عاما، بينما تراوح أعمار البقية بين أربع عشرة سنة وفي العشرينيات والثلاثينيات من العمر”.
وتواصل حديثها: “وأنا أسمع قصص السجينات وأشاهد كيف يتم التعامل معهن، تمنيت لو أنني بقيت في الانفرادي وحدي، ولا أستمع لكل هذه الأوجاع، شاهدت بعيني سجينتين تم اغتصابهن السجينة الأولى (14 عاماً)، أما الأخرى تبلغ من العمر (21 عاماً)، و كأنه نوع من التعذيب النفسي للبقية التي لم يتم اغتصابهن، وهذا أكثر ما كان يؤلمني أصواتهن وهنّ يصرخنّ وجعاً وقهراً، سمعت قصص كثيرة من السجينات اللائي كنّ معي كيف يتم اغتصابهن لأجل يتبرأ منهن الأهل، فالنساء اللاتي يتبرأ منهن أهاليهن ولا يدفعوا فدية لإخراجهن من السجن، بعد أن يتم تصويرهن أثناء الاغتصاب يستخدمهن الحوثي في أعمال قذرة، جزء يتم التمتع بأجسادهن فيما بينهم تحت مبرر نكاح المتعة للمقاتلين، وهي ذات الطريقة التي يستخدمها داعش مع سجيناته، وجزء آخر منهن يتم تجنيدهن واستخدامهن في استدراج قيادات ومشائخ قبائل لا توالي الجماعة، وبذلك يتم إيقاعهم وممارسة الابتزاز المالي والسياسي ضدهم”. كما تضيف، “شاهدت وسمعت قصص داخل السجن كلما أتذكرها أتمنى الموت ولا أستطيع النوم من الكوابيس التي تراودني إزائها”.
وتتابع: “بقيت في السجن ثلاثة أشهر ونصف، حتى دفعت قبيلتي فدية وأجبروني على الامضاء على تعهد خطي بأن لا أعاود كتابة الشعر، أو انتقاد الجماعة مالم سيتم إعدامي. كما تم تهديدي بنشر صوري الخاصة التي كانوا يلتقطوها لي أثناء التحقيق والتعذيب في المعتقل وأنا بشكل غير رسمي”.
واختتمت بالقول: “بعد أن خرجت من السجن بقيت في صنعاء فقط نصف شهر، بعدها غادرتها متجهة إلى مصر مع أطفالي حيث استقريت فيها حتى الان”.
المصدر : الشارع