كريتر نت – الرياض
خبر إجراء مسؤولين سعوديين وإيرانيين مباحثات مباشرة في بغداد بقدر ما جاء مناقضا للامتعاض السعودي المتصاعد من سياسات طهران والذي أذكاه قرار الأخيرة برفع نسبة تخصيب اليورانيوم، ومتضاربا مع مطالبة المملكة بإبرام اتفاق نووي جديد يرفع مستوى الضمانات لدول المنطقة ويشمل البرنامج الصاروخي لإيران، فقد جاء في المقابل متناغما مع رغبة طهران في الإيهام بنجاحها في فكّ عزلتها وتمكّنها من محاورة جميع الأطراف.
ونفت المملكة العربية السعودية على لسان مسؤول رفيع المستوى إجراء أي محادثات مباشرة مع إيران، بينما اعتبرت مصادر خليجية الخبر المتداول بشأن بحث مسؤولين سعوديين وإيرانيين إمكانية إصلاح العلاقات بين البلدين، تسريبات إيرانية هدفها الإيحاء بأنّ طهران تمكّنت من فكّ عزلتها وأصبحت تتحاور مع مختلف الأطراف من داخل الإقليم وخارجه على أساس تسليم هؤلاء بسياساتها.
وتوقّعت ذات المصادر أن يكون هذا التسريب انعكاسا لحالة من ارتفاع المعنويات لدى طهران بسبب رخاوة موقف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجاهها، الأمر الذي يجعل الترويج لحوار مع أكثر الأطراف تناقضا مع المشروع الإيراني في المنطقة والأشد رفضا له واعتراضا عليه أمرا واردا.
وعلى مدى السنوات الماضية لم ينقطع كبار المسؤولين الإيرانيين عن دعوة السعودية إلى الحوار، بينما تجاهلت المملكة تلك الدعوات أو ردّت عليها بفتور لمعرفتها بأنّها دعوات شكلية تتناقض جذريا مع السياسات الإيرانية المطبّقة على أرض الواقع والتي تقوم على التدخّل في الشؤون الداخلية لدول الإقليم وإثارة النعرات الطائفية في عدد من البلدان وزعزعة استقرارها كما هي الحال في اليمن ولبنان وسوريا والعراق.
غازي الحارثي: السعودية لن تحاور إيران خارج المحدّدات التي وضعتها
وقالت صحيفة فاينانشال تايمز الأحد إنّ مسؤولين سعوديين وإيرانيين كبارا أجروا محادثات مباشرة في محاولة لإصلاح العلاقات بين الرياض وطهران وذلك بعد أربع سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما.
وتمثّل عنصر المفاجأة في الخبر الذي نقلته الصحيفة البريطانية عن مسؤول إيراني كبير ومصدرين في المنطقة أنّه جاء في غمرة تصاعد القلق السعودي من إعلان إيران الرفع في نسبة تخصيب اليورانيوم وتشكيك الرياض في سلمية البرنامج النووي الإيراني، ومطالبتها بإبرام اتّفاق نووي جديد تشارك في صياغته دول المنطقة المعنية مباشرة بالأخطار والتحديات التي يطرحها ذلك البرنامج، وكذلك البرنامج الإيراني للصواريخ الباليستية.
وقال المسؤول الإيراني وأحد المصدرين إنّ الاجتماع الذي عقد في العراق في التاسع من أبريل الجاري لم يسفر عن تحقيق أي انفراجة. وقال المصدر الإقليمي إنّ الاجتماع ركز على اليمن حيث يقاتل تحالف بقيادة السعودية حركة الحوثي المتحالفة مع إيران منذ مارس 2015.
وقال المسؤول الإيراني “كان اجتماعا على مستوى منخفض لاستكشاف ما إذا كان هناك سبيل لتخفيف التوتر القائم في المنطقة”، مشيرا إلى أن الاجتماع عقد بناء على طلب من العراق، فيما أوضح المصدر الإقليمي الثاني أنّ المحادثات تطرقت أيضا إلى لبنان الذي يواجه فراغا سياسيا وسط أزمة مالية متفاقمة.
ورجّحت المصادر الخليجية أن يكون الهدف من تسريب خبر المحادثات السعودية – الإيرانية هو التشويش على تلك المطالبة السعودية التي لقيت تجاوبا من قبل قوى عالمية كبرى. وجاء التسريب في وقت تحاول فيه واشنطن وطهران إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 والذي عارضته الرياض.
وأيدت السعودية وحلفاؤها قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على طهران التي ردت بخرق العديد من القيود على أنشطتها النووية.
ودعت المملكة إلى إبرام اتفاق نووي بمعايير أقوى وقالت إنه لا بد من انضمام دول الخليج العربية إلى أي مفاوضات بشأن الاتفاق لضمان تناوله هذه المرة لبرنامج الصواريخ الإيراني ودعم طهران لوكلائها الإقليميين.
واستبعد الكاتب السعودي غازي الحارثي في تصريح لـ”العرب” أن تكون السعودية قد أجرت أو سوف تجري في المستقبل المنظور محادثات ثنائية مباشرة مع إيران بالنظر إلى أن هناك محددات وضعتها المملكة في هذا الخصوص، وهي تنبع من نقاط أساسية أهمها أن تتقدم إيران خطوات إلى الأمام في تهدئة قلق جيرانها من برنامجها الصاروخي والعدول عن سياساتها العدائية والتوسعية في المنطقة، وفي ما يتعلق أيضا ببرنامجها النووي خصوصا وأن إيران تدعي بأنه للأغراض السلمية فيما تعتقد السعودية بأنه يستخدم لأغراض غير سلمية.
وأضاف الحارثي “لا أعتقد أن السعودية سوف تنهج هذا النهج على الأقل في المستقبل المنظور، وأي توجه في هذا الإطار سوف يكون عندما تقطع إيران خطوات إيجابية إلى الأمام، علما أن المملكة مدت يد الحوار في أوقات سابقة ولكنه حوار مشروط ولم تلتزم به إيران”.
وذكّر بالبيان الذي أصدرته الخارجية السعودية في الرابع عشر من الشهر الجاري ودعت فيه إيران إلى عدم تعريض أمن المنطقة للخطر في ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم والتطورات الجارية في المسار النووي الذي تقوم به إيران، قائلا “هذا يتناقض تماما مع ادعاءات عقد حوار ثنائي مباشر بين السعودية وإيران”.
السعودية أكدت أن رفع إيران تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المئة لا يمكن اعتباره جزءا من برنامج سلمي
ولا تبدو الأجواء السائدة حاليا أجواء تهدئة وحوار بين السعودية وإيران بعد أن أشاع قرار الأخيرة رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المئة حالة من القلق في منطقة الخليج الأقرب جغرافيا إلى إيران والمرشحّة للتضرّر أكثر من غيرها من البرنامج النووي الإيراني، سواء تعلّق الأمر بتخطيه حدود السلمية إلى صنع سلاح نووي، أو بحوادث في منشآته من قبيل قيام صراع مسلّح واستهداف قوى معيّنة لتلك المنشآت، ما سيُحدث تلوثا إشعاعيا يلحق ضررا بالغا ببيئة المنطقة.
وأكدت السعودية أن رفع إيران تخصيب اليورانيوم إلى تلك النسبة لا يمكن اعتباره جزءا من برنامج سلمي. وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيانها إنّ المملكة تتابع بقلق التطورات الراهنة لبرنامج إيران النووي والتي تمثلت آخرها بالإعلان عن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى ستين في المئة، الأمر الذي لا يمكن اعتباره برنامجا مخصصا للاستخدامات السلمية.
كما دعا البيان طهران إلى “الانخراط بجدية في المفاوضات الجارية حاليا، اتساقا مع تطلعات المجتمع الدولي تجاه تسخير برنامجها النووي لأغراضٍ سلمية وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبما يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، ويحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل”.
جاء التسريب في وقت تحاول فيه واشنطن وطهران إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 والذي عارضته الرياض.
وأكدت المملكة أهمية توصل المجتمع الدولي إلى “اتفاق بمحددات أقوى وأطول بما يعزز إجراءات الرصد والمراقبة ويضمن منع إيران من الحصول على السلاح النووي أو تطوير القدرات اللاّزمة لذلك”.
وأردفت بأن ذلك يجب أن يأخذ في الحسبان “قلق دول المنطقة العميق من الخطوات التصعيدية التي تتخذها إيران لزعزعة الأمن والاستقرار الإقليميين، ومن ضمنها برنامجها النووي”.
ومن جهته قال السفير رائد قرملي مدير إدارة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية السعودية لوكالة رويترز إنّ أي اتفاق نووي مع إيران لا يتطرق بفعالية لمخاوف دول المنطقة لن يكلل بالنجاح. وأضاف “نودّ التأكد على الأقل من أي موارد مالية يتيحها الاتفاق النووي لإيران لا تستخدم لزعزعة استقرار المنطقة”. كما تعهدّ المسؤول السعودي بأن تفعل بلاده كل ما بوسعها كي يكون هناك “اتفاق نووي يشكل نقطة الانطلاق وليس نقطة النهاية في هذه العملية”.
المصدر : العرب اللندنية