تقرير – فؤاد مسعد
منذ اشتعال الحرب في اليمن إثر انقلاب الحوثيين المدعومين من إيران قبل أكثر من 6 سنوات ظل الإخفاق يلازم الجهود الدبلوماسية، رغم نجاحها المحدود في جمع طرفي الحرب الرئيسيين في أكثر من جولة من جولات الحوار سيما مفاوضات جنيف الأولى والثانية في عامي 2015 و 2016 ، ومفاوضات الكويت التي استمرت نحو خمسة أشهر في العام 2016، وليس انتهاء بمفاوضات السويد التي تمخضت عن اتفاق ستوكهولم نهاية العام 2018، وهو الاتفاق الذي لم يجد حظه من التطبيق رغم ما حصل عليه من دعم دولي.
أطلقت الأمم المتحدة والدول الكبرى دعوات عدة لوقف الحرب التي جعلت البلاد تعيش على حافة اكبر كارثة إنسانية وفقا لتوصيف الأمم المتحدة ومنظماتها، وتراوحت ردود فعل تلك الدعوات بين استجابة محدودة من الحكومة الشرعية والتحالف العربي الداعم لها، فيما ظل الرفض والتهرب يغلب ردود فعل الحوثيين، وهو ما تجلى في مختلف جولات الحوار خلال الأعوام الماضية.
وأثبت ذلك كله أن الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة عبر ثلاثة من مبعوثيها الذين ارسلتهم تباعاً إلى اليمن اصطدمت بعقبة كبرى تمثلت في إصرار الحوثيين على الحرب من خلال وضع كثير من المعوقات والعراقيل تجاه الاتفاقات، سواء ما يتعلق بجهود وقف الحرب بشكل عام، أو الملفات والمواضيع الخاصة ضمن الحرب كملف الأسرى والمعتقلين، وإدارة ميناء الحديدة وفتح الطرقات والممرات لاعتبارات إنسانية.
وفي الوقت الذي تفاءل المجتمع الدولي بإعلان الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة بايدن العمل من أجل وقف الحرب، سارعت جماعة الحوثي بدعم ايراني ملحوظ للتصعيد شرقا باتجاه محافظة مأرب والمحاولة المستميتة للسيطرة عليها، واعتقد الأمريكان أنهم إن غيروا موقفهم تجاه الحرب اليمنية لصالح إيران والحوثيين فإن النجاح سيكون حليفهم في العمل لوقف الحرب، بيد أن ردة فعل طهران وأتباعها جاءت في الاتجاه المعاكس حينما دفعوا بآلاف المسلحين صوب مأرب، وصعدوا حربهم تجاه المدنيين في المحافظات اليمنية والأراضي السعودية بإطلاق عشرات الصواريخ والطائرات المسيرة، لأن التحول الأمريكي الأخير قرأته طهران على أنه فرصة ثمينة لتوسيع نفوذها في اليمن كمقدمة لاستخدامها ورقة في المفاوضات القادمة بين إيران والدول الغربية حول الملف النووي الإيراني.
وكشف تصعيد إيران والحوثيين في أعقاب التحول الأمريكي أن خيارات وقف الحرب لا تزال بعيدة، ورغم ما قدمته الإدارة الأمريكية من تنازلات لصالح إيران وعلى حساب حلفاء واشنطن في السعودية والخليج العربي، فإن طهران تصر على التصعيد مستخدمة أدواتها في المنطقة العربية واليمن بصفة خاصة، وهذا يضعف جهود الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وعلى رأسها الجهود الأمريكية، كما أن خطابات المسئولين الإيرانيين في الآونة الأخيرة تثبت ضلوع طهران في دعم الحرب من خلال الاعترافات المتكررة بتسليح الحوثيين، الأمر الذي يدفع القوى السياسية والاجتماعية المناهضة للمشروع الإيراني لتوحيد مواقفهم خلف الحكومة الشرعية والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية واعتبار المواجهة مع الحوثيين أولوية لا يمكن تجاوزها. وهو ما كشفت عنه البيانات الصادرة مؤخرا عن الأحزاب السياسية اليمنية.
ومن هنا برزت محافظة تعز بما تشهده من تطورات عسكرية وانتصارات نوعية لصالح الجيش الوطني وحلفائه مقابل انكسار الحوثيين سيما في جبهات غرب تعز، وأسفر عن تلك التطورات توسع رقعة سيطرة الحكومة وانحسار نفوذ الحوثيين خلال وقت قصير، وفي هذا الصعيد أعلنت قيادة محافظة تعز النفير العام حتى استكمال تحريرها من سيطرة الحوثيين، وهو الإعلان الذي حظي بتفاعل رسمي وشعبي كبير ساهم في دعم قوات الجيش واسنادها لإكمال مهمة التحرير.
وغير بعيد عن تعز حضرت محافظة حجة في شمال غرب اليمن عبر إنجاز قوات الجيش الوطني تقدما ملحوظا في عدة مناطق لتضيف إلى السجال السياسي والعسكري دليلا جديدا على قدرة التحركات العسكرية على إنجاز ما عجزت الجهود الدبلوماسية في تحقيقه طوال ست سنوات، وذلك مرهون بما يمكن إحرازه من تقدم لصالح التحرير، ليس في مأرب وتعز وحجةفقط، بل في كافة جبهات القتال، ورغم ما يكتنف هذا المسار من صعوبات وما يستدعيه من تضحيات، فإن ثمة إجماع على أن القبول بتسوية سياسية تبقي على جماعة الحوثي محتفظة بسلاحها وتشكيلاتها العسكرية وارتهان قرارها لدى مسؤولي طهران والضاحية الجنوبية يحمل من المخاطر أضعاف ما يحمله أي مسار آخر.