كتب : علي حسن سيف محمد
رئيس حزب الخضر الجنوبي
لقد كان رحيل المناضل الكبير أمين صالح محمد خسارة فادحة لشعب الجنوب وقضيته العادلة. إن الفراغ الذي تركه رحيله لا يملؤه إلا عظمة الإرث الذي تركه خلفه، إرث من النضال المتواصل والتضحيات الجسام التي جسدت معاني الوفاء للقضية الوطنية.
لقد عاش هذا الرجل حياته كلها رهناً لخدمة وطنه وشعبه، ساعياً بكل ما أوتي من قوة وشجاعة لتحقيق أمنية طال انتظارها: استقلال الجنوب وحريته المنشودة.
إن هذه الرسالة ليست مجرد رثاء، بل هي تجديد للعهد والالتزام بالسير على خطاه حتى تحقيق الغايات التي ناضل من أجلها. كان أمين صالح محمد رمزاً للإصرار في وجه التحديات الجسيمة التي واجهت القضية الجنوبية عبر مراحل تاريخية معقدة.
لم يكن نضاله مجرد مواقف عابرة، بل كان مشروع حياة متكاملاً يهدف إلى بناء دولة جنوبية حرة ومزدهرة. لقد جسد في مسيرته مزيجاً فريداً من الحكمة السياسية والصلابة الميدانية.
في زمن ساد فيه التشكيك والتشتت، كان صوته يعلو منادياً بالوحدة الوطنية الجنوبية والتمسك بالحقوق التاريخية للشعب. هذا الإرث الفكري والعملي هو ما يجب أن يوجه بوصلة الأجيال الجديدة من المناضلين.
لقد ترك لنا المناضل الراحل إرثاً ثقيلاً من الأفكار التحررية والرؤى المستقبلية التي تتجاوز مجرد التحرر السياسي. كانت رؤيته ترتكز على بناء دولة مؤسسات تحترم حقوق الإنسان وتضمن العدالة الاجتماعية لجميع أبنائها.
هذه الرؤى ليست مجرد شعارات عاطفية، بل هي خارطة طريق عملية تتطلب فهماً عميقاً للتعقيدات الإقليمية والدولية المحيطة بقضيتنا. إن استيعاب هذه الرؤى يتطلب منا دراسة دقيقة لتاريخ النضال الجنوبي ومحطات التحول التي مر بها، وكيفية توظيف الدروس المستفادة في المرحلة الراهنة التي تتسم بتغيرات جيوسياسية متسارعة.
إن الوفاء لأمين صالح محمد يتطلب منا أكثر من مجرد ترديد الأقوال المعسولة في ذكراه. الوفاء الحقيقي يكمن في الاستمرار الفعلي على نهجه وخطاه. هذا يعني تجديد الالتزام بالقضية المركزية التي نذر لها حياته: استعادة الدولة الجنوبية بكامل سيادتها وحريتها.
وفي خضم المعارك الحالية، سواء كانت سياسية أو إعلامية أو حتى عسكرية، يجب أن نظل مخلصين للمبادئ التي دافع عنها، وأهمها الحفاظ على الهوية الوطنية الجامعة والتصدي لأي محاولات لشق صفوف الحركة الوطنية الجنوبية الجامعة.
إن وحدة الصف الجنوبي ليست خياراً ترفيهياً، بل هي ضرورة وجودية لضمان نجاح المسيرة التحررية. إن المسيرة النضالية التي خاضها الراحل كانت مليئة بالتحديات، فواجه الاستبداد والتجزئة والتآمر. ومع ذلك، ظل ثابتاً على موقفه، متمسكاً بقناعاته الوطنية.
هذه الشجاعة والقدرة على الصمود في وجه العواصف هي الدرس الأبرز الذي يجب أن نستلهمه. إن النضال من أجل الحرية ليس طريقاً مفروشاً بالورود، بل هو طريق مليء بالتضحيات، والتضحيات تقتضي قدراً عالياً من الإيمان بالقضية والتضحية بالمصالح الفردية من أجل المصلحة العليا للوطن.
يجب على الأجيال الحالية أن تستلهم هذه الروح لضمان عدم انحراف البوصلة عن الهدف الأسمى.
علاوة على ذلك، يشكل إرث فقيد الوطن المناضل أمين صالح محمد دعوة مفتوحة للحوار البناء بين مكونات الطيف السياسي الجنوبي. إن بناء الدولة المستقلة يتطلب توافقاً وطنياً واسعاً، وهذا التوافق لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تفعيل مبادئ الشفافية والمساءلة التي دعا إليها دائماً.
الرؤى المستقبلية التي تركها لنا يجب أن تُفهم على أنها إطار عمل يشمل بناء مؤسسات قوية وشفافة قادرة على إدارة الدولة الحديثة بكفاءة وعدالة. إن الحرية لا تعني الفوضى، بل تعني سيادة القانون واحترام الإرادة الشعبية.
إننا، شعب الجنوب، نؤكد اليوم مجدداً التزامنا بالقضية التي استشهد لأجلها الكثيرون، ومنهم هذا القائد العظيم. سنبقى مخلصين لقضيتنا، وسنواصل النضال بكل الوسائل المتاحة، مستلهمين من صلابة الراحل وعمق رؤيته.
إن الوصول إلى الاستقلال والحرية ليس نهاية المطاف، بل هو بداية مرحلة جديدة تتطلب جهداً مضاعفاً في البناء والتنمية والحفاظ على المكتسبات الوطنية الجنوبية.
إن الحفاظ على ذكرى فقيد الوطن أمين صالح محمد حية يتطلب ترجمة الأقوال إلى أفعال ملموسة تعكس التزامنا بالقيم والمبادئ التي عاش من أجلها.
في الختام، نقول لروحك الطاهرة يا فقيد الوطن والمناضل العظيم: رحمة الله عليك واسكنك فسيح جناته.
لقد رحلت بجسدك، ولكنك حي في ضمير كل جنوبي مخلص، وفي كل حجر من أرض الوطن الذي حلمت به حراً مستقلاً. سيظل إرثك منارة تضيء دروبنا، وسنبقى أوفياء لدماء الشهداء وعهود المناضلين.
وسنستمر في السير على خطاك، حتى تعانق الحرية سماء الجنوب ونحقق الاستقلال الذي ناضلت من أجله بكل ما أوتيت من إيمان وعزيمة. هذا هو العهد الذي نقصده اليوم لروحك الطاهرة: استمرار النضال حتى النصر.















