كريتر نت / BBCعربية
أثار مقتل أحد أبناء قبيلة الحويطات السعودية على يد قوات الأمن في البلاد تفاعلا كبيراً في الأوساط العربية وأطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغات تضامناً معه ومع قضيته التي “دفع حياته ثمناً لها”، وأخرى ضده أثنت على موقف الدولة.
واشتهر عبد الرحيم الحويطي بانتقاده لما وصفه بإجلاء السلطات لأبناء قبيلته في إطار مشروع اقتصادي كبير تخطط الدولة لتنفيذه في شمال غربي البلاد.
وتباينت الآراء حول ما تقوم بها السلطات السعودية، فمنها ما ناشد الحكومة بإعادة النظر في قرار نقلهم من أرضهم، وآخر وصف ما تقوم به الدولة بأنه نوع من “التهجير القسري والإرهاب” بحق سكان المنطقة الأصليين، وأثنى ثالث على قرار الحكومة ورأى أنه من أجل تطوير البلاد.
مقتله
أعلن المتحدث الرسمي باسم رئاسة أمن الدولة في السعودية، أمس الأربعاء، عن مقتل “المطلوب” عبد الرحيم الحويطي، بعد تبادل إطلاق النار بينه وبين رجال الأمن الذين طوقوا منزله في محاولة لإلقاء القبض عليه بسبب رفضه ترك منزله وتسليمه لقوات الأمن، وأدى ذلك في النهاية إلى مقتله وإصابة اثنين من رجال الأمن.
وكان الحويطي قبل مقتله بأيام، قد نشر مقطعاً مصوراً له على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، يتحدث فيه عن رفضه لـ “التهجير القسري” عن أرضه ومنزله في “الخريبة” بمنطقة نيوم التابعة لمحافظة تبوك، واصفاً ما تقوم به قوات الأمن في السعودية بتنفيذ مخططات “الدولة الإرهابية”.
ونشرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) تصريح المتحدث باسم أمن الدولة الذي قال فيه: “في صباح يوم الاثنين، وأثناء قيام الجهات المختصة بمهام القبض على أحد المطلوبين ويدعى عبدالرحيم بن أحمد محمود أبوطقيقة الحويطي (سعودي الجنسية) بمنزله في منطقة تبوك، بادر بإطلاق النار على رجال الأمن، وكان متحصنا في أعلى المبنى خلف سواتر رملية”.
وأضاف: “ستتعامل الجهات المختصة بكل حزم مع من يحاول الإخلال بأمن الدولة”.
واستنكر الشيخ عون عبدالله أبو طقيقة، شيخ قبائل الحويطات، ما قام به عبدالرحيم الحويطي، قائلاً إن ذلك تصرف فردي ولا يمثل قبيلة الحويطات وإنهم سعداء بهذا المشروع في منطقتهم.
من هو ولماذا تريد الدولة منزله؟
في يناير/كانون الثاني الماضي، علم أبناء قبيلة الحويطات في شمال غربي السعودية ( وللقبيلة أفرع في مصر والأردن وفلسطين)، أنهم على مرمى حجر من تهجيرهم من ديارهم في نيوم لأن الحكومة قررت بناء مدينة “نيوم” السياحية ويتطلب هذا من السكان الأصليين في المنطقة التي يشملها المشروع، تسليم ديارهم وأراضيهم إلى الدولة مقابل “تعويضات سخية”.
إلا أن عددا من أبناء المنطقة رفضوا تسليم ديارهم لتمسكهم وارتباطهم بجذورهم التاريخية.
وبحسب ناشطين لم يكن أمام السكان سوى تسليم منازلهم ، وتركهم لديارهم سواء كان ذلك بالتراضي أو بالقوة كما حدث مع عبد الرحيم الحويطي.
وعبد الرحيم الحويطي الذي يبلغ من العمر 47 عاماً، مواطن سعودي الجنسية، من مواليد قرية الخريبة التي تقع جغرافيا في المنطقة التي سيقام فيها مشروع نيوم شمال غربي السعودية.
وأصبح اسمه من أكثر الأسماء تداولاً في محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي بعد نشره لمقطع فيديو على تويتر عن رفضه لترك داره وأرضه التاريخية ووصف الحكومة السعودية بـ “دولة الإرهاب لإجباره بقوة السلاح على تسليم منزله لقوات الأمن استكمالاً لمتطلبات مشروع نيوم”.
لكنه تمسك حتى اللحظة الأخيرة بموقفه ولم يخرج من منزله إلى أن أطلقت قوات الأمن الرصاص عليه وأردته قتيلاً في الرابع عشر من الشهر الحالي فيما وصفته الرياض بـ”حملة مداهمة”.
ما هو مشروع نيوم؟
أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أكتوبر/تشرين الأول 2017، عن مشروع لإنشاء منطقة استثمارية تجارية وصناعية على الساحل الشمالي الغربي من البحر الأحمر يحمل اسم “نيوم”.
ويأتي المشروع في إطار استراتيجية وضعها محمد بن سلمان بهدف تحقيق انفتاح اقتصادي وللحد من الاعتماد على عوائد النفط ولتخفيف القيود الإجتماعية الصارمة.
وتبلغ كلفة المشروع 500 مليار دولار، ويقع على البحر الأحمر وخليج العقبة بمساحة إجمالية تصل إلى 26500 كيلومتر مربع.
ويمتد المشروع من شمال غربي السعودية، ويشتمل على أراض داخل الحدود المصرية والأردنية. وسيتم دعمه من صندوق الاستثمارات العامة، بالإضافة إلى المستثمرين المحليين والعالميين.
وأنشأت السعودية ومصر صندوقا مشتركا بقيمة 10 مليارات دولار، لتطوير أراض على مساحة تزيد على ألف كيلومتر مربع في جنوب سيناء ضمن مشروع نيوم، وسيعتمد المشروع على مصادر الطاقة المتجددة فقط.
وستنشىء المملكة 7 مواقع بحرية ومشروعات سياحية في نيوم، لجذب السياح ، بالإضافة إلى 50 منتجعاً وأربع مدن صغيرة في مشروع سياحي منفصل بالبحر الأحمر، في حين ستركز مصر على تطوير منتجعي شرم الشيخ والغردقة.
كما سيركز مشروع “نيوم” على 9 قطاعات استثمارية متخصصة.
ويعد هذا المشروع منطقة استثمار خاصة مستثناة من أنظمة وقوانين الدولة الاعتيادية، كالضرائب والجمارك وقوانين العمل والقيود القانونية الأخرى على الأعمال التجارية، ما عدا الأنظمة السيادية، مما سيتيح للمنطقة القدرة على تصنيع منتجات وتوفير خدمات بأسعار منافسة عالميا.
واعاد مقتل عبدالرحيم الحويطي الجدل مجددا حول قبيلة الحويطات السعودية بعد أنباء عن مقتل أحد أفراد القبيلة “لرفضه الرحيل عن منزله وتركه من أجل تأسيس مشروع نيوم”، بحسب ناشطين.
واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في دول الخليج باسم الناشط السعودي عبدالرحيم الحويطي، إذ تداول ناشطون صورا ومقاطع فيديو تظهر الحويطي وهو يتحدث عن تفاصيل قصته مع السلطات السعودية وما قال إنها مراحل “ترحيل أهالي قرية الخريبة لبناء مشروع نيوم”.
“مشروع وطني” أم “تهجير قسري”؟
وكان نشطاء، يعتقد أنهم من أبناء الحويطات، قد أطلقوا حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في يناير/ كانون الثاني 2020 للتعبير عن رفضهم الانتقال من أراضيهم تحت وسم (#الحويطات_ضد_ترحيل_نيوم )
وتباينت الآراء بين من يناشدون الحكومة السعودية “إعادة النظر في قرار نقلهم من المنطقة”، وبين من يرى أن السلطات السعودية تمارس “التهجير القسري” و”الإرهاب” بحق سكان المنطقة الأصليين.
وأكد الفريق الأول دعمه لرؤية المملكة 2030 ومشاريعها التطويرية لكن عددا من مؤيديه “يرفضون فقط خطط ترحيلهم وترك ذكرياتهم خلفهم”.
أما الفريق الثاني فقد اتهم قوات الأمن “بتشريد أبناء قبيلة الحويطات لتحقيق أهداف ولي العهد محمد بن سلمان”.
وشارك ناشط حقوق الإنسان السعودي عبدالله الجريوي مقطعا مصورا يظهر “اشتباكات مع قوات الأمن لإجبار عبدالرحيم أحمد الحويطي على الخروج من البيت” والتي أدت، حسب قول الجريوي، إلى “مقتل عبدالرحيم الحويطي مخلفاً ورائه ولدا وبنتين”.
وفي حديث مع بي بي سي عربي، قال الخبير العسكري السعودي حسن الشهري إنه “ليس لديه معلومات عن أي حادثة قتل، ولكنه على دراية وثقة أن الحكومة السعودية عرضت على جميع أهل المنطقة تعويضات سخية، وقوبلت بتعاون كبير من أهالي المنطقة لخدمة المشروع الوطني والإقليمي”.
وتفاعل مغردون مع قصة الحويطي مستخدمين وسوم #استشهاد_عبدالرحيم_الحويطي و #نيوم و #ضد_الترحيل_القسري .
كما اتهم الدكتور محمد الصغير، مستشار وزير الأوقاف المصري السابق، السلطات السعودية “بقتل مواطن لبناء مشروع سياحي”
وعلى عكس ذلك، وصف فريق من المغردين الحويطي بأنه “إرهابي رفض التعويض ورفع السلاح”.
وأضاف “إبراهيم” أن “حق الجماعة مقدم على حق الشخص”.
وقد أقرت السلطات السعودية بمقتل الحويطي بعد يومين من حديث ناشطي مواقع التواصل عن الحادثة.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن مصدر أمني قوله إن مقتل عبد الرحيم الحويطي، والذي وصفه بالمطلوب أمنيا، “وقع يوم الإثنين الماضي بعد مبادرته بإطلاق النار على القوات التي جاءت للقبض عليه بمنطقة تبوك”.
في إطار رؤية 2030، يسعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى بناء مشروع ”نيوم“ العملاق لينافس وادي السيليكون في مجال التكنولوجيا والترفيه.
وتبلغ كلفة المشروع 500 مليار دولار، ويقع على مساحة 26 ألفاً و500 كيلومتر مربع.
وتقطن في هذه المساحة قبيلة الحويطات العربية العريقة، كما تتوزع في الأردن وفلسطين وسيناء بمصر.
وقال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إن أول بلدة في منطقة نيوم الاقتصادية، ستكون جاهزة في عام 2020 على أن تكتمل المنطقة كلها بحلول 2025.
وأضاف بأن المشروع سيضخ مبلغ 100 مليار دولار في الإنتاج الاقتصادي.