القاهرة – هشام النجار
تلقفت جماعة الإخوان المسلمين دعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى حوار وطني شامل لا يستثني أحدا لتحاول العودة إلى المشهد السياسي في مصر عبر تصنيف نفسها على أنها جزء من المعارضة، إلا أن مساعيها لا تجد آذانا صاغية في القاهرة ليس فقط على المستوى الرسمي وإنما أيضا لدى مختلف الأحزاب السياسية.
وكشفت تصريحات لقادة جماعة الإخوان في مواجهة تصريحات مصرية بشأن مستقبل الجماعة عن تباين في الرؤى، حيث تتجاهل القاهرة طلب الجماعة الحوار المشروط وتخطط لاختراق صفوف الجماعة المنقسمة على طريقتها واستقطاب شبابها بعد أن دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أخيرا إلى حوار شامل لا يستثني أحدا من القوى السياسية، من دون إشارة صريحة للإخوان.
وجدد القيادي بجماعة الإخوان يوسف ندا السبت دعوته للمصالحة، حيث زعم عبر رسالة نشرها موقع “إخوان سايت” أن “باب الجماعة مفتوح للحوار والصفح مع النظام الحالي بعد رد المظالم” داعيا إلى تفعيل نص المادة 241 من الدستور الخاصة بإصدار قانون العدالة الانتقالية.
وعكس اختيار ندا لتوجيه تلك الرسالة وما سبقها من دعوة للمصالحة والحوار في سبتمبر الماضي رغبة في التغطية على الانقسام الحادث في صفوف الجماعة بتصدير شخصية غير منخرطة به بشكل مباشر، لكنها محسوبة على جبهة إبراهيم منير التي تخوض صراعا مع جبهة محمود حسين.
فضلا عن تمثيل ندا للنشاط الاقتصادي الضخم للتنظيم في الخارج، ما يوحي أنه لا يزال قادرا عبر ما يمتلكه من إمبراطورية اقتصادية في الولايات المتحدة ودول أوروبا على التماسك وتجاوز انقسامات قادته السياسيين.
ولعب ندا بحديثه عن حوار ومصالحة مشروطة ورد ما أسماه “المظالم” بما تمتلكه الجماعة من مقدرة على استغلال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بمصر، في تلميح إلى أنهم وإن فشلوا في الحكم فقد أثبتوا قبلها نجاحا في المعارضة ويجيدون صناعة الأزمات ومشاغبة من في السلطة.
وتراهن جماعة الإخوان على أن غالبية المشاكل السياسية والاقتصادية التي أعطت لتيار الإسلام السياسي جاذبيته في السابق قبل العام 2011 لا تزال موجودة ويمكن استغلالها، علاوة على عدم شعور الطبقة الوسطى الواسعة في مصر إلى الآن بنتائج عملية الإصلاح الاقتصادي، ما يعني استمرار فرضية شحنها والتأثير فيها طالما بقيت هناك فجوة بين ما تعد به الحكومة المصرية وما يختبره الناس في الواقع وفي حياتهم اليومية.
طارق أبوالسعد: الكثير من القوى السياسية ترفض عودة الإخوان للمشهد
كما أن ندا حريص على عدم تعميق الانقسام داخل جماعته من خلال عرض مصالحة وفق رؤية النظام المصري تفيد بالاستسلام للواقع وحل التنظيم والاعتراف بشرعية النظام والاعتذار للشعب والاندماج في المجتمع بلا حديث عن مزايا، ما يثير أجنحة داخل الجماعة متورطة في العنف والتحريض وتنتظر دخول الجماعة تسوية لغلق ملفاتها وقضاياها.
وتعامل الرئيس السيسي مع وضع جماعة الإخوان الحالي بواقعية، فلم يتجاهلها تماما مثل المرات السابقة عبر الحديث عنها بسلبية باستخدام مصطلح أهل الشر، ولم يستثنها أيضا بشكل صريح وشامل في سياق إعلانه عن الشروع في حوار سياسي وطني.
وذكر الرئيس المصري الجماعة لأول مرة بشكل صريح الأحد، وترحم للمرة الثانية في غضون أيام قليلة على روح الرئيس الراحل محمد مرسي، ما أثار العديد من التأويلات في اتجاهات متناقضة.
وعكس هذا التحول في خطاب السيسي للإخوان رغبة في اختراق مشهدها المنقسم على نفسه بغرض تحييد عناصرها وشبابها الناقمين على قياداتها من خلال التشديد على أن الخصومة لم تكن مع مرسي كشخص ورئيس إنما مع قيادات الجماعة التي تسببت في إفشاله وإعاقته عن أداء واجباته ومسؤولياته كرئيس للمصريين باختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم.
وأثبتت الحقائق التي كشفها الجزء الثالث من مسلسل “الاختيار” عدم صحة الكثير من المعلومات التي روجها قادة الإخوان في صفوف شباب الجماعة السنوات الماضية عبر الزعم بتآمر وزير الدفاع وقتها الفريق أول عبدالفتاح السيسي على الرئيس الإخوان وخلعه من منصبه ليتولى السلطة، قفزا على العديد من المعطيات الخاصة بتدخل مكتب الإرشاد في شؤون الحكم والسعي للهيمنة على مؤسسات الدولة والتركيز على ملفات إقليمية تدعم توسع الجماعة ورعاتها مقابل إهمال الشأن الداخلي ومعاناة الشعب.
وتوخى التعاطي الرسمي غير المسبوق استغلال ما أحدثه المسلسل من وعي عام بكثير من المحطات الغامضة خلال عام حكم الإخوان وصولا لثورة الثلاثين من يونيو عام 2013 وعزل الجماعة عن الحكم، ما يعكس الرغبة في تحييد غالبية عناصرها في الداخل المصري، والتي تأثرت في السابق بروايات قادة الجماعة الأحادية عن الأحداث.
ووصف الخبير في شؤون الحركات الإسلامية طارق أبوالسعد دعوة الرئيس السيسي للحوار الوطني بأنها خطوة لحل المشاكل الآنية وتقوية التماسك واللحمة الداخلية وأن وجود جماعة الإخوان في مشهد كهذا يناقض الغرض منه، حيث تتسبب الجماعة في الانقسام المجتمعي بالنظر إلى أن الكثير من القوى السياسية ترفض عودتها للمشهد، فضلا عن رفض غالبية الشعب لها، بسبب ما ارتكبته من عنف.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن جماعة الإخوان تريد حشر نفسها في المعارضة المصرية وأطلق أحد قادتها الدعوة للحوار الآن كي يوهم الآخرين أنهم كيان سياسي معارض، لكن الدولة ومؤسساتها تعتبره كيانا معاديا، ومن هنا ترفض الحوار معها أو منحها فرصة لإعادة إنتاج نفسها.
وتجاهلت القاهرة عروض الإخوان المتكررة للحوار والمصالحة بالنظر إلى ما أحرزته على مستوى الاستقرار الأمني وملف مكافحة الإرهاب، مقابل الضعف الذي طرأ على الجماعة وتشتتها في المنفى بين لندن وإسطنبول وواشنطن والدوحة وكوالامبور، وقبول مسار كهذا يعني منح التنظيم طوق نجاة والاعتراف بشرعيته بعد أن كان معزولا ومصنفا كمنظمة إرهابية.
قبول الحوار مع الإخوان يعني منح التنظيم طوق نجاة والاعتراف بشرعيته بعد أن كان معزولًا ومصنفًا كمنظمة إرهابية
وأضرت التحولات على المستوى الجيوسياسي بموقف جماعة الإخوان، حيث أن ذوبان الجليد الظاهر في علاقات تركيا بالإمارات والسعودية ومصر، وتركيز أنقرة على الاقتصاد وحرصها على إرضاء القاهرة لتعزيز التقارب معها يكسر شوكة الجماعة ويجعل مصر هي المتحكمة في ملف التسوية بما يخدم مصالحها ويتوافق مع رؤاها.
وفقدت جماعة الإخوان الجزء الأكبر من آلتها الدعائية ضد النظام المصري بوقف القنوات التي كانت تبثها من إسطنبول وما طرأ على فضائية الجزيرة القطرية من تراجع نسبي في انتقاداتها لمصر.
ورغم ذلك لا تغفل القاهرة حقيقة أن جماعة الإخوان تنظيم دولي وليست فصيلا محليا ما يعني أن إضعافها في مصر أو المنطقة العربية ليس نهاية المطاف، فأفكارها لا تزال متغلغلة في المجتمع المصري.
وعمدت القيادة المصرية إلى اختراق الحالة الإسلامية والمشهد الإخواني لتحييد الجزء الأكبر منه وترك قيادات الجماعة معزولة، وتصبح تصوراتهم للحوار ومضمون المصالحة وشروطها مع الدولة بلا قيمة.
وتحرص القاهرة على دحض ما روجته قيادات الجماعة في السابق بشأن مزاعم أن الدولة هي من تسعى للحوار مع الإخوان التي تضع شروطا له، وفي مقدمتها محاكمة الرئيس السيسي وعودة الشرعية.
وبات واضحا من عرض الحقائق عن طريق التوثيق الدرامي أن قيادات الجماعة غيّبت الصف الإخواني عن الواقع طوال تسع سنوات وأن من تتسول المصالحة هي الجماعة، في حين تتوخى الدولة تفويت الفرص عليها وتصحيح تصورات أعضائها وشبابها ليندمجوا في المجتمع بهدوء ويُعاد تأهيلهم بمعزل عن استغلال القيادات لهم لتحقيق مكاسب في العديد من ملفاتهم العالقة.
المصدر : العرب اللندنية