كتب / عبد الفتاح العودي
مع زوال نجم الرئيس الأمريكي السابق للإدارة الأمريكية دونالد ترامب ، المثير للجدل في ميوله اليمينية المتطرفة التي جعلت المنطقة العربية في حالة غليان مستمر منذ تربعه على عرش الولايات المتحدة الأمريكية قبل أربع سنوات مضت ، ومنها الأزمة اليمنية التي دخلت عامها السابع مع ما سببته من حالة عبثية شملت محافظات الجمهورية اليمنية كافة سواء كانت تحت السيطرة الحوثية أو السلطة الشرعية اليمنية ، وما رافق ذلك من نتوءات حالت دون إيجاد رؤية استراتيجية واضحة المعالم سليمة الهدف من حرب أعلنت بهدف القضاء على الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية اليمنية بدخوله العاصمة صنعاء ، وسطوته على سلاح ومقدرات دولة كانت ، وحولها إلى دعم لوجستي لتمويل وتقوية حربه العبثية الظالمة .
تجاه هذه الاضطرابات والصراعات البينية التي نشأت بين السلط الشرعية والجماعة الانقلابية الحوثية والصراعات السياسية المختلفة العبثية البينية التي نشأت في صف الشرعية بمكوناتها المتعددة من مجلس انتقالي وغيره ، فطالت الحرب وتعددت المشاريع وكاد عقد المسبحة ينفرط من يد قائدة التحالف العربي المملكة العربية السعودية الشقيقة التي وجدت نفسها في حالة تآكل لجبهتها الداخلية المواجهة للإنقلاب الحوثي الممثلة في السلطة الشرعية برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي ، ومع أحداث أغسطس ازداد دخول هذه الجبهة في نفق التخلخل الداخلي الذي خدم الجماعة الحوثية إعلاميا وسياسيا وكذا أمام الرأي العام العالمي في ظل تشظي السلطة الشرعية ومكوناتها نتيجة تلك الصراعات البينية العبثية والمشاريع المتعددة التي بذرت بذور الشك والفتنة والتخبط السياسي والفكري في مكونات هذه الجبهة .
حتى أتى اتفاق الرياض ، وبعد مخاض عسير بين مكونات السلطة الشرعية ورعاة الاتفاق بهدف رأب الصدع وتوحيد الجبهة الداخلية والحد من الصراعات البينية والتخبط السياسي والفكري الاستراتيجي الذي ضبب سبيل الحرب على الجماعة الحوثية ، وكذا خلاصة هذه الحرب في ظل سلطة شرعية تتشظى وجماعة حوثية تستقوي وتهدد رعاة التحالف العربي في عقر دارهم .
اتفاق الرياض شكل حالة من حالات لم الشمل وترقيع للجرح الذي كان يزداد اتساعا وأتى متزامناً مع ظرف ذاتي وموضوعي عالمي ومتغير استراتيجي يبشر بإطلالة رؤوس تباشير حل سياسي للأزمة اليمنية وذلك يتجلى من خلال المعطيات التالية : أصبح من المعلوم وجود قرار سياسي أمريكي لإيقاف حرب اليمن كقضية إنسانية قبل أن تكون استراتيجية وذلك بخلاصة مفهوم عالمي شامل أن أزمة حرب اليمن أصبحت أسوأ أزمة إنسانية في العالم ، انعكست على الجانب الإنساني مسببة الفقر والمجاعة والمرض والجهل والفساد المالي والإداري وتجارة حرب وتدمير للبنية التحتية وتشتيت وتمزيق للنسيج الوطني ، أتت على الأخضر واليابس ولم تراع آلاء ولا ذمة في حقوق الإنسان والحريات حتى أن دعم منظمة الإغاثة الدولية لم يسلم من ذلك الفساد سرقة وتلفا .
ومن هذه المحاور فاحت رائحة الأزمة اليمنية حتى كادت تزكم أنف العالم وأصبحت أولى أولويات الحلول القادمة لتهدئة الأوضاع في المنطقة من جانب الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن الذي بادر بضرورة وجود حل سياسي شامل للأزمة اليمنية، وقد رحبت جميع الأطراف بهذا الخطاب السياسي النوعي في ظل مساعي إحلال السلام في سياق الشرق الأوسطي وكذا الرؤية العريضة لهذا الحال ، وذلك بتعيين مبعوث خاص لحل الأزمة اليمنية هو ليندر كينغ الدبلوماسي السياسي المحترف والمتمرس والملم بمعظم تداعيات الأحداث في المنطقة برمتها ، إلى جانب السفير الأمريكي ، وذلك ببحث ليندر مع مبعوث الأمم المتحدة جريفت الأزمة اليمنية والى أين وصل فيها وإقناع دول التحالف بوجوب إنهاء هذه الحرب العبثية وذلك بفتح قنوات للتواصل والجلوس مع أطرافها ، والمسار الآخر يتمثل في تصحيح مسار السياسة الخارجية ، وبحسب تصريحات وزير الخارجية الأمريكية بلينكن التي شددت على اتخاذ إجراءات وقف الدعم اللوجستي للحرب في اليمن وضرورة الجنوح إلى حل سياسي شامل وكذلك الشأن مع الخطاب السياسي لجو بايدن ( سنعمل على إيقاف الحرب في اليمن ، هذه الحرب التي سببت كارثة انسانية ، وسنعمل على إيجاد ممرات آمنة للإغاثة وصنع السلام ، وسنحمي اصدقائنا كالمملكة العربية السعودية ..) .
هذه الرسائل لاشك أنها تشكل مسارات واضحة المعالم لسياسة الإدارة الأمريكية الجديدة التي تسعى لصنع معالم الحل السياسي في اليمن بعد أن فشل الحل العسكري وادخل اليمن والمنطقة في أزمة سياسية مضطربة جراء التدخل الإيراني ودعمه السخي ليده الطولى وذراعه الجماعة الحوثية كمشروع لعاصمة رابعة سقطت تحت سطوته في ذروة هذه الحرب العبثية المعاصرة التي تمد خيوط المصالح على حساب تدميرشعوب تلك البلدان والعواصم .
إلى جانب ذلك تطل علينا تباشير أخرى تدعم هذه المسارات موقف دول الاتحاد الأوروبي في تحديد مسار الحل السياسي السلمي وذلك سيتبين لنا جليا في اجتماع لدول هذا الاتحاد لإقرار عشرين بندا تحمل في مضامينها ومحتواها إيقاف إطلاق النار بين أطراف الأزمة وفتح مسارات الحل السياسي وإيقاف صادرات الأسلحة لقيادة التحالف العربي والحد من النزاعات والخلافات وكذا انتهاكات حقوق الإنسان والحريات من كل أطراف الصراع والأزمة ومن هذه البنود ماحمل معنى إحالة ملف الجرائم المرتكبة والانتهاكات في حقوق الإنسان إلى محكمة العدل الدولية بما شمله من جرائم متمثلة في قتل الابرياء والاخفاء القسري والسجون خارج إطار القانون والتعذيب والاختطاف وكل ما يمت للجرائم والتعديات على حقوق الإنسان بصلة ، وكذا أخذ المعالجات والتدبير الناجعة لحل إشكالية النازحين جراء هذه الحرب العبثية الظالمة وما أحدثته لهم من ضرر مادي ومعنوي وإنساني .
من ذلك لاشك أن هناك اطلالات رؤوس مبادرات لحل سياسي شامل لأزمة الحرب العبثية في اليمن يسرع بالخطى وبإيقاع متسق مع متغير وظرف دولي وعالمي جديد ، فهل سيصمد أمام صراع المصالح وإثارة النزاعات لمكاسب بغيت من إطالة هذه الحرب العبثية الظالمة وربما لولا هذا المتغير لكانت ستطول إلى أمد مرعب النتائج على الشعب اليمني برمته .