كتب – محمد الثريا
كان واضحا جدا وجه الاختلاف هذه المرة في خطاب المبعوث الاممي السيد مارتن جريفيث الذي ألقاه الخميس الماضي وكيف مثلت لغته الخطابية نقلة دبلوماسية على مستوى تقديم المستجدات الحاصلة في ملف الازمة اليمنية؛ ولعل كمية الثقة وحجم التفائل الذين تخللا معظم عبارات ذلك الخطاب كانا بالفعل أهم ما ميزه عن غيره من خطابات وإحاطات سابقة عنت بشرح أخر تطورات الصراع .
وبطبيعة الحال فأن الخطاب إجمالا وكما جرت العادة لم يخل من عبارات التحذير والتنبية الا ان نبرة التشاؤم المعهودة كانت غائبة بشكل ملحوظ عن خطاب الخميس هذا، وهو ما يدفع نحو تجديد الامل ومواصلة الجهود كما جاء في تعبير السيد جريفيث.
دعنا نتناول أهم أشارات الخطاب والمحاور التي ركز عليها وهنا أظن الجميع لاحظ :
ـ تكرار الحديث عن مبادرة الحل الجديدة ( الاعلان المشترك) والجهود المبذولة في سبيل إنجاحها وان هنالك بالفعل تقدما حقيقيا في هذا الاتجاه وهو ما سيدفعنا نحول التساؤل عن مصير مرجعيات الحل الثلاث وهل أضحت حقا في خبر كان؟ أعتقد سبق واشرنا في مقالات سابقة الى هذا الامر وان القناعات الاقليمية والدولية قد تغيرت في هذا الصدد واصبح البحث عن حلول اكثر واقعية ضرورة ملحة لطي صفحة الصراع هذا .
ـ تعمد المبعوث الأممي عند الحديث عن مواجهات الحديدة تجنب تحميل الحوثيين مسؤولية ماحصل في الدريهمي بل وأمعن في محاولة اظهار طرفي النزاع بنفس المستوى من تحمل مسؤولية تجدد المواجهات العسكرية بينهما وانعكاسات ذلك على المدنيين وهذا يؤكد ان السيد مارتن لديه رؤية معينة وهدف محدد يسعى الى تحقيقه ما قد يدفع به عمدا ناحية تجاوز أخطاء الحوثيين وحتى تجاوز معيار الحيادية والشفافية في أغلب الاحيان والذي يعد أساس عمل اي مبعوث أممي في اي منطقة بالعالم كماهو معروف .
ـ إستدعاء العاطفة وإثارة الشق الانساني من الازمة بشكل غير مسبوق وهذه المرة عن طريق إدارج مايحدث في تعز من مأساة إنسانية في خطابه الاخير .
تعز المدينة التي لطالما جسدت مأساة الصراع وتناقضاته السيئة طيلة سنوات الحرب دونما ذكر حقيقي لها سواء من المبعوث الاممي او حتى الاطراف الاقليمية والدولية الاخرى وكيف عادت اليوم الى واجهة المأساة الانسانية باليمن .
ـ إشارة السيد جريفيث للمعاناة الانسانية في مناطق سيطرة الحوثيين والتركيز عليها كثيرا من خلال الحديث عن تداعيات أزمة المشتقات النفطية وغلاء المعيشة وغيرها إلى جانب مطالبته بضرورة معالجة تلك الآثار سريعا؛ كل هذا جاء طبعا دونما اي إشارة واضحة منه أو وصف حقيقي للوضع المزري والكارثة الانسانية التي تعيشها المناطق المحررة جراء المواجهات العسكرية المتقطعة وتدهور العملة منذ شهور طويلة.
ـ الاشادة بموقف الحوثيين وقبولهم التعاطي مع ملف مصفاة صافر والحديث عن السماح للجنة مختصة بالدخول لتقييم الوضع وعمل الصيانة العاجلة للمصفاة المتهالكة ، واضح هنا اننا امام محاولة وعمل مقصود يأمل من خلاله جريفيث في إظهار سلطة الحوثيين بمظهر السلطة التي لديها إحساس عالي بالمسؤولة وبالامكان ان تغدو محل ثقة لدى المجتمع الدولي مستقبلا، في مقابل ذلك قلل المبعوث كثيرا من الاشارة الى حضور السلطات الشرعية وذكره أي دور ايجابي يمكن ان يحسب لها بما في ذلك صفقة تبادل الأسرى بإستثناء مفردات الترحيب، وإبداء التعاون وهي غالبا مفردات ملازمة لمواقف الطرف الضعيف والعاجز ..فما الذي يصبو اليه السيد مارتن هنا؟
على كل حال ورغم كل تلك الاشارات اللافتة الا ان المبعوث الاممي عاد وأكد مجددا ان الطريق نحو حل الازمة اليمنية لازال طويلا وبحاجة مزيد من الصبر وتضافر الجهود .
ملاحظة أخيرة ! المبعوث الأممي عادة لايتحرك وحيدا وجل ما يتحدث به أو يسعى اليه ليس سوى نتاج ما توافقت عليه الدول العظمى بداخل مجلس الامن وتقاطعت عنده سياساتها ومصالحها .